أنيسة
10-10-2013, 18:02
المؤنســــات الغاليــــــات
لمنال عبد الكريم
هكذا تحدث عنهن النبي (صلي الله عليه وسلم)، فقال: "لاتكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات"رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.
بكل هذا الكم من المشاعر الفياضة أحب (صل الله عليه وسلم) بناته وأغدق عليهن من عطفه وحنانه فصرن له البنت والأم والصديقة، ولقبت فاطمة الزهراء رضي الله عنها بأم أبيها، وكأنه يلفت انتباهنا ويرسل بأذهاننا إلي رحلة عبر الزمن، نستشرف فيها عمرنا حين يبلغ أرذله، فنضعف من بعد قوة، ونفرغ من بعد شغل، ونعيش الوحدة من بعد العلاقات الكثيرة الممتدة حين نجد أنفسنا وقد انشغل من حولنا بحياتهم وشؤونهم، وبقينا نحن كل في بيته بعد أن كبر الصغار وانفض العمل، حينها نجد هؤلاء المؤنسات الغاليات حولنا يؤنسن الوحدة، ويشغلن الفراغ، ويتفقدن الوالدين بكل مايحملنه من مشاعر متدفقة وحنو أثير.
وهذا لا يقلل من شأن الأبناء الذكور، لكن هذه هي سنة الله في خلقه؛ فقد جبلت الأنثى وخلقت علي المشاعر الفياضة والقلب الحاني، وتربت بفطرتها علي الالتصاق بوالديها وحب المكث في المنزل. قد تترقي في درجات العلم وتلمع في آفاق العمل، لكنها دائماً ما تحن إلي والديها مهما تباعدت بها شواغل الحياة. فطرتها التي جبلت عليها وطبعها الذي خلقت عليه، أما الذكر فمع كل بره واهتمامه بوالديه، يظل طبعه وفطرته هي الغالبة، فينشغل بعمله وإنجازاته العلمية ومسؤولياته الحياتية.
وهذه سنة كونية وحقيقة فطرية، فتظل الأنثى بمشاعرها الفياضة وحنوها المتدفق وقدرتها الاستيعابية مبعث دفء، وبهجة في منزل والديها وزوجها، وتظل هي شقيقة الرجل في رحلة الحياة، تحنو وتجمع.. ترأف وترحم، تعطي من نفسها وجهدها واهتمامها للجميع، فتنشر المحبة والألفة والدفء، لا يمنعها عن دورها الفطري أدوارها الحياتية أو المجتمعية.
هذه هي المرأة المسلمة التي تعي دورها جيداً وتفهمه بوضوح.
نعم.. نجدها وقد خرجت مع النبي (صل الله عليه وسلم) مجاهدةً في الغزوات، وسنداً في الملمات، مداويةً للجرحى ومحفزةً للمجاهدين، فنجد السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها هي الملجأ الذي آوي إليه النبي (صل الله عليه وسلم) يوم أن نزلت عليه الرسالة وآتاه الوحي، فطمئنته وثبتته وبثت فيه الأمل معلنةً بقوة: "والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتَصِل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتَكسِب المعدوم، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق" رواه البخاري،
ثم آمنت به وصدقته وأسلمت معه.
ونجد السيدة أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين (رضي الله عنها) وفي فجر الإسلام تلعب دوراً يعجز عنه الرجال؛ حيث تصعد الجبل في حادث الهجرة رغم حملها ومشقة الطريق لتطعم النبي (صل الله عليه وسلم) وأبيها، وتتصدي لسادة قريش حين يأتون لبيت أبيها باحثين عنه وعن النبي (صل الله عليه وسلم) لتضرب مثلاً فريداً في الشجاعة والثبات.
وها هي السيدة أم عمارة نسيبة بنت كعب الصحابية الجليلة (رضي الله عنها) تقف موقف الرجال في غزوة أحد، فتزود عن النبي (صل الله عليه وسلم) وتدافع عنه، وتتلقي الطعنات من المشركين لتظل هذه الطعنات في جسدها الكريم شاهداً علي عظمتها.
إذن هناك الكثير والكثير من النماذج المشرفة للمرأة المسلمة التي فهمت دورها ووعته، وقدَّرت عِظم رسالتها حاميةً لدينها وسنداً لزوجها ومربيةً لأبنائها وعوناً لوالديها، فيخرج من تحت يديها أجيال قوية مؤمنة تعلي راية هذا الدين، وتقود الأمة إلي مصاف الأمم وريادتها. الأنثى هي الأم وهى الزوجة وهى الأخت وهى الابنة، هي شطر المجتمع وهي تربي الشطر الآخر، لذا لم يكن غريباً أن يستشير النبي (صل الله عليه وسلم) زوجاته في شؤون الأمة وأمورها العظيمة(2)، فهكذا كرم الإسلام المرأة وهكذا احتفي بها سيد الخلق (صل الله عليه وسلم) فوضعها في مكانتها اللائقة بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(1)للتوسع في غزو النساء راجع فتح الباري، شرح صحيح البخاري، للإمام ابن حجر العسقلاني، المجلد السادس كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ باب غَزْوِ النِّسَاءِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ ص78 حديث رقم(2880)، عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم، وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما، تنقزان القرب. وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم. وجاء في الشرح وفي حديث ابن عباس عند مسلم "كان يغزو بهن فيداوين الجرحى، الحديث، وفي نهاية الشرح قال ابن حجر: إذا خرجن مع الرجال في الغزو، ويقتصرن على ما ذكر من مداواة الجرحى ونحو ذلك؟ .
(2) فكان رأي أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ رأياً موفقا ومشورة مباركة، وفي ذلك دليل على استحسان مشاورة المرأة الفاضلة مادامت ذات فكر صائب ورأي سديد، كما أنه لا فرق في الإسلام بين أن تأتي المشورة من رجل أو امرأة، طالما أنها مشورة صائبة، فالشورى سلوك ينظم الحياة والأسرة في كل شؤونها، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } (الشورى:38).
والحديث رواه أحمد وابن إسحاق وصححه الألباني، ذكر فيه أنه لما تم الصلح بين النبي- صلى الله عليه وسلم - ومشركي قريش قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا أيها الناس انحروا واحلقوا)، قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل على أم سلمة فقال: (يا أم سلمة! ما شأن الناس؟ قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنساناً، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق فلو قد فعلت ذلك، فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم -لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون).
وفي رواية ابن إسحاق( كما في الفتح) قالت أم سلمة: "يا رسول الله لا تكلمهم، فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح"، قال ابن حجر في الفتح تعليقا على حديث ورد في (كتاب الشروط، باب الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ جـ 5 صـ 329 (2731،2732): ويحتمل أنها فهمت عن الصحابة أنه احتمل عندهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتحلل أخذا بالرخصة في حقهم وأنه هو يستمر على الإحرام أخذا بالعزيمة في حق نفسه، فأشارت عليه أن يتحلل لينتفي عنهم هذا الاحتمال، وعرف النبي صلى الله عليه وسلم صواب ما أشارت به ففعله.
لمنال عبد الكريم
هكذا تحدث عنهن النبي (صلي الله عليه وسلم)، فقال: "لاتكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات"رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.
بكل هذا الكم من المشاعر الفياضة أحب (صل الله عليه وسلم) بناته وأغدق عليهن من عطفه وحنانه فصرن له البنت والأم والصديقة، ولقبت فاطمة الزهراء رضي الله عنها بأم أبيها، وكأنه يلفت انتباهنا ويرسل بأذهاننا إلي رحلة عبر الزمن، نستشرف فيها عمرنا حين يبلغ أرذله، فنضعف من بعد قوة، ونفرغ من بعد شغل، ونعيش الوحدة من بعد العلاقات الكثيرة الممتدة حين نجد أنفسنا وقد انشغل من حولنا بحياتهم وشؤونهم، وبقينا نحن كل في بيته بعد أن كبر الصغار وانفض العمل، حينها نجد هؤلاء المؤنسات الغاليات حولنا يؤنسن الوحدة، ويشغلن الفراغ، ويتفقدن الوالدين بكل مايحملنه من مشاعر متدفقة وحنو أثير.
وهذا لا يقلل من شأن الأبناء الذكور، لكن هذه هي سنة الله في خلقه؛ فقد جبلت الأنثى وخلقت علي المشاعر الفياضة والقلب الحاني، وتربت بفطرتها علي الالتصاق بوالديها وحب المكث في المنزل. قد تترقي في درجات العلم وتلمع في آفاق العمل، لكنها دائماً ما تحن إلي والديها مهما تباعدت بها شواغل الحياة. فطرتها التي جبلت عليها وطبعها الذي خلقت عليه، أما الذكر فمع كل بره واهتمامه بوالديه، يظل طبعه وفطرته هي الغالبة، فينشغل بعمله وإنجازاته العلمية ومسؤولياته الحياتية.
وهذه سنة كونية وحقيقة فطرية، فتظل الأنثى بمشاعرها الفياضة وحنوها المتدفق وقدرتها الاستيعابية مبعث دفء، وبهجة في منزل والديها وزوجها، وتظل هي شقيقة الرجل في رحلة الحياة، تحنو وتجمع.. ترأف وترحم، تعطي من نفسها وجهدها واهتمامها للجميع، فتنشر المحبة والألفة والدفء، لا يمنعها عن دورها الفطري أدوارها الحياتية أو المجتمعية.
هذه هي المرأة المسلمة التي تعي دورها جيداً وتفهمه بوضوح.
نعم.. نجدها وقد خرجت مع النبي (صل الله عليه وسلم) مجاهدةً في الغزوات، وسنداً في الملمات، مداويةً للجرحى ومحفزةً للمجاهدين، فنجد السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها هي الملجأ الذي آوي إليه النبي (صل الله عليه وسلم) يوم أن نزلت عليه الرسالة وآتاه الوحي، فطمئنته وثبتته وبثت فيه الأمل معلنةً بقوة: "والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتَصِل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتَكسِب المعدوم، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق" رواه البخاري،
ثم آمنت به وصدقته وأسلمت معه.
ونجد السيدة أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين (رضي الله عنها) وفي فجر الإسلام تلعب دوراً يعجز عنه الرجال؛ حيث تصعد الجبل في حادث الهجرة رغم حملها ومشقة الطريق لتطعم النبي (صل الله عليه وسلم) وأبيها، وتتصدي لسادة قريش حين يأتون لبيت أبيها باحثين عنه وعن النبي (صل الله عليه وسلم) لتضرب مثلاً فريداً في الشجاعة والثبات.
وها هي السيدة أم عمارة نسيبة بنت كعب الصحابية الجليلة (رضي الله عنها) تقف موقف الرجال في غزوة أحد، فتزود عن النبي (صل الله عليه وسلم) وتدافع عنه، وتتلقي الطعنات من المشركين لتظل هذه الطعنات في جسدها الكريم شاهداً علي عظمتها.
إذن هناك الكثير والكثير من النماذج المشرفة للمرأة المسلمة التي فهمت دورها ووعته، وقدَّرت عِظم رسالتها حاميةً لدينها وسنداً لزوجها ومربيةً لأبنائها وعوناً لوالديها، فيخرج من تحت يديها أجيال قوية مؤمنة تعلي راية هذا الدين، وتقود الأمة إلي مصاف الأمم وريادتها. الأنثى هي الأم وهى الزوجة وهى الأخت وهى الابنة، هي شطر المجتمع وهي تربي الشطر الآخر، لذا لم يكن غريباً أن يستشير النبي (صل الله عليه وسلم) زوجاته في شؤون الأمة وأمورها العظيمة(2)، فهكذا كرم الإسلام المرأة وهكذا احتفي بها سيد الخلق (صل الله عليه وسلم) فوضعها في مكانتها اللائقة بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(1)للتوسع في غزو النساء راجع فتح الباري، شرح صحيح البخاري، للإمام ابن حجر العسقلاني، المجلد السادس كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ باب غَزْوِ النِّسَاءِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ ص78 حديث رقم(2880)، عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم، وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما، تنقزان القرب. وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم. وجاء في الشرح وفي حديث ابن عباس عند مسلم "كان يغزو بهن فيداوين الجرحى، الحديث، وفي نهاية الشرح قال ابن حجر: إذا خرجن مع الرجال في الغزو، ويقتصرن على ما ذكر من مداواة الجرحى ونحو ذلك؟ .
(2) فكان رأي أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ رأياً موفقا ومشورة مباركة، وفي ذلك دليل على استحسان مشاورة المرأة الفاضلة مادامت ذات فكر صائب ورأي سديد، كما أنه لا فرق في الإسلام بين أن تأتي المشورة من رجل أو امرأة، طالما أنها مشورة صائبة، فالشورى سلوك ينظم الحياة والأسرة في كل شؤونها، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } (الشورى:38).
والحديث رواه أحمد وابن إسحاق وصححه الألباني، ذكر فيه أنه لما تم الصلح بين النبي- صلى الله عليه وسلم - ومشركي قريش قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يا أيها الناس انحروا واحلقوا)، قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل على أم سلمة فقال: (يا أم سلمة! ما شأن الناس؟ قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنساناً، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق فلو قد فعلت ذلك، فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم -لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون).
وفي رواية ابن إسحاق( كما في الفتح) قالت أم سلمة: "يا رسول الله لا تكلمهم، فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح"، قال ابن حجر في الفتح تعليقا على حديث ورد في (كتاب الشروط، باب الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ جـ 5 صـ 329 (2731،2732): ويحتمل أنها فهمت عن الصحابة أنه احتمل عندهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتحلل أخذا بالرخصة في حقهم وأنه هو يستمر على الإحرام أخذا بالعزيمة في حق نفسه، فأشارت عليه أن يتحلل لينتفي عنهم هذا الاحتمال، وعرف النبي صلى الله عليه وسلم صواب ما أشارت به ففعله.