المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : .. لا تُعَـيِّـرنــــي .. !


أنيسة
25-07-2013, 11:59
.. لا تُعَـيِّـرنــــي .. !


أيُّها الأخُ الحبيب ، يا مَن كَرَّمَكَ اللهُ تعالى وفضَّلَكَ على كثيرٍ مِن خَلْقِهِ .
يا مَن شَرَّفَكَ اللهُ بأنْ جعلَكَ واحِـدًا مِن أُمَّةِ الإسلام ؛ والتي هِيَ خيرُ أُمَّةٍ أُخرِجَت للناس .

هـذه كلمةٌ أُوَجِّهُها إليكَ ..
أقــولُ لَكَ فيها :

.. لا تُعَـيِّــرني ..

فإنِّي مُسلِمٌ مِثلك .

لا يَعيبُني طُولُ قامتي أو قِصَرُها ، ولا نحافةُ جِسمي أو ضَخامتُه .

لا يَعيبُني سَوادُ لوني ، ولا فُقدانُ بصري ، ولا بَترُ أحدِ أعضاءِ جِسمي .

فقـد خَلَقَ اللهُ تعالى نبيَّهُ آدمَ – عليه السلام – وطولُه سِتون ذِراعًا .

وكان الصّحابيُ الجليلُ عَمرو بن العاص – رَضِيَ اللهُ عنه - قصيرًا .

واسمع لقولِ أُمِّنا عائشةَ – رَضِيَ اللهُ عنها – للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( حَسْبُكَ مِن صفيةَ كذا وكذا )) تعني : قصيرة ، فقال : (( لقـد قُلتِ كلمةً لو مُزِجَت بماءِ البحرِ لَمَزَجَته )) رواه أبو داود وصَحَّحه الألبانيُّ .

وفي الحديث : إنَّ عبدَ الله بن مسعود انكشفت ساقُه ، وكانت دقيقةً هزيلة ، فضَحِكَ منها بعضُ الحاضرين . فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( أتضحكون مِن دِقَّةِ ساقَيْهِ ! و الذي نفسي بيدِه لَهُما أثقلُ في الميزان مِن جبل أُحُـد )) حسَّنه الألبانيُّ .

وقال أبو ذَرٍّ الغِفاريّ : إنِّي ساببتُ رجلاً ، فعَيَّرتُه بأُمِّه ، فقال لي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( يا أبا ذَرّ ، أَعَيَّرتَهُ بأُمِّه ، إنَّكَ امرؤٌ فيك جاهلية )) رواه البُخاريُّ .

وهـذا عَمرو بن الجَموح رَضِيَ اللهُ عنه ، كان رجلاً أعرج ، وقـد قاتَلَ مع المُسلمين يومَ أُحُد ، وقُتِلَ شهيدًا .

وفي قِتال المُسلمين للرُّوم قاتَلَ جعفرُ بنُ أبي طالب – رَضِيَ اللهُ عنه – حتى قُطِعَت يمينُه ، فأخذ الرايةَ بشِمالِهِ ، ولم يَزل بها حتى قُطِعَت شِمالُه ، فاحتضنها بعَضُدَيْه ، فلم يَزَل رافعًا إيَّاها حتى قُتِلَ ، وأثابه اللهُ بجَناحَيْه جَناحين في الجَّنَّةِ يطيرُ بهما حيثُ يشاء .

وكان الصّحابيُّ عبدُ اللهِ بن أُمِّ مَكتوم أعمَى ، وقال النبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – في الحديثِ القُدُسِيِّ : (( إنَّ اللهَ قال : إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه فصَبَرَ ، عوَّضتُه منهما الجنَّة )) رواه البُخاريُّ ، يُريدُ : عينيه .



ألم تعلم – أخي في الله – أنَّ اللهَ تعالى هو الذي خَلَقَكَ وخَلَقَني ..؟!

أتعيبُني أم تعيبُ على اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ – صنعتَه ..؟!

.. فلا تُعَـيِّـرنـي ..

إذا كنتُ فقيرًا ، فقـد يكونُ الفقرُ خيرًا لي مِن مالٍ يُطغيني .

وإذا كنتُ مريضًا ، فقـد يكونُ المرضُ سببًا في تقرُّبي إلى اللهِ تعالى ، وكثرةِ دُعائي له .

وإذا كُنتُ عقيمًا ، فقـد يكونُ هـذا ابتلاءً مِنَ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ – يُثيبُني إذا صبرتُ عليه ورَضيتُ بما قَسَمَهُ لي .. فلا تُعَيِّرني بشئٍ ليس لي يَدٌ فيه .



لا تُناديني بلَقَبٍ لا أُحِبُّه .

لا تُعَيِّرني بذنبِ غيري ، كآبائي أو أجدادي أو أحدِ أقربائي ، بل لا تُعَيِّرني بذنبٍ فعلتُهُ وتابَ اللهُ عليَّ منه .

ولا تُعَيِّر غيري بأنَّه كان عاصيًا للهِ ، أو بأنَّه كان على مِلَّةٍ غيرِ الإسلام ، ثُمَّ تابَ واهتدَى وأسلَمَ للهِ رَبِّ العالَمين ، وقـد كان عبدُ اللهِ بن سلام حَبْرًا مِن أحبارِ اليهود ، ثُمَّ أسلم وبَشَّره النبيُّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – بالجَنَّة ، وكان عُمر بنُ الخَطَّاب – رَضِيَ اللهُ عنه – كافِرًا ، ثُمَّ أسلم وحَسُنَ إسلامُه ، وصار واحدًا مِن العَشرةِ المُبَشَّرين بالجنَّة .



واعلم – أخي المُسلِم – أنَّ اللهَ تعالى نَهَى عن السُّخريةِ بالناسِ واحتقارِهم والاستهزاءِ بهم .

قال الشَّوكانيُّ في ( فتح القدير ) في تفسيرِ قولِهِ تعالى : ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾ الحجرات/11 : ‹‹ قال الواحِديُّ : قال المُفَسِّرون : هو أن يقولَ لأخيهِ المُسلِم : يا فاسِق يا مُنافِق ، ويقولَ لِمَن أسلم : يا يهوديُّ يا نصرانيُّ . قال عطاء : هو كُلُّ شئٍ أخرَجتَ به أخاكَ مِن الإسلام ، كقولِكَ : يا كَلْبُ يا حِمَارُ يا خِنْزِيرُ ›› .

واعلم أنَّكَ مُحاسَبٌ على كُلِّ كلمةٍ ، بل على كُلِّ حَرفٍ ينطِقُ به لِسانُك ، قال اللهُ تعالى : ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ ق/18 ، وقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( إنَّ العَبدَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ مِن رضوانِ اللهِ لا يُلقي لها بالاً يَرفعُ اللهُ بها درجات ، وإنَّ العَبدَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ مِن سَخَطِ اللهِ لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جَهنَّم )) رواه البُخاريُّ ، وقال : (( وهل يَكُبُّ الناسَ في النارِ على وجوهِهم – أو قال : على مَناخِرهم – إلَّا حَصائِدُ ألسنتِهم )) رواه الترمذيُّ وصَحَّحه الألبانيُّ ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( بَحَسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاه المُسلِم )) مُتَّفَقٌ عليه .

وقـد سُئِلَ عبدُ اللهِ بن المُبارَك عن الرَّجُلِ يقول : حُمَيْدٌ الطويل ، وسُليمانُ الأعمش ، وحُمَيْدٌ الأعرج ، ومروان الأصغر ؟ فقال : ‹‹ إذا أردتَ صِفَتَهُ ، ولم تُرِد عَيْبَهُ ، فلا بأس ›› .



واحـذر – أخي المُسلِم – أن تقولَ كلمةً قـد تكونُ سببًا في شقائِكَ إلى الأبد ، وقـد يدعوا عليكَ مَن عَيَّرتَه ، فيَستجيب اللهُ دُعائَه .

واعلم أنَّ هـذا الشخصَ الذي تُعَيِّرُه قـد يكونُ أعبدَ مِنكَ لله ، وأعلى مِنكَ مَنزلةً عند اللهِ تعالى ، وقـد يكونُ اللهُ تعالى رَزَقَهُ نعمًا لم يَرْزُقكَ بها ، وقـد يكونُ مِن أهل الجَنَّةِ وأنتَ لا تدري .

واعلم أنَّ اللهَ تعالى قادِرٌ على أنْ يبتلِيَكَ بما ابتلاهُ به ، وقادِرٌ على أنْ يجعلَ الناسَ يُعَيِّروكَ بشئٍ فيكَ قـد تكونُ غافِلاً عنه ، وهو سُبحانه قادِرٌ على أنْ ينتقِمَ لهُ مِنك .

فلا تكُن سببًا في إيذاءِ أخيكَ المُسلِم ، فقـد قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلمون مِن لِسانِهِ ويدِهِ )) مُتَّفَقٌ عليه ، وقال : (( وإنْ امرؤٌ شَتَمَكَ وعَيَّركَ بما يعلمُ فيكَ ، فلا تُعَيِّره بما تعلمُ فيه ، فإنَّما وبالُ ذلك عليه )) رواه أبو داود وصَحَّحه الألبانيُّ ، ورُوِيَ أنَّ ابنةً لأبي هُريرة قالت له : إنَّ الجَواري يُعَيِّرنني ، يَقُلن : إنَّ أباكِ لا يُحَلِّيكِ الذَّهَب ، فقال : ‹‹ إنَّ أبي لا يُحَلِّيني الذَّهَب ، يَخشَى علَيَّ منَ اللَّهَب ›› .

وقـد قيل : سعادةُ المَرءِ أنْ يَشتغِلَ بعُيوبِ نَفْسِهِ عن عيوبِ غيرِهِ .

وقال الشَّاعِـر :
لا تَكشِفَنَّ مساوي الناسِ ما سَتَروا .. فيَهتِكُ اللهُ سترًا عن مَساويكا
واذكُـــــر مَحاسنَ ما فيهم إذا ذُكِـــروا .. ولا تَعِبْ أحـــدًا منهــم بما فيكـا



وأخيــرًا ، أقولُ لَكَ أخي في الله : إذا رأيتَ مُبتلَىً بشئٍ في نَفْسِهِ أو في أهلِهِ ، فلا تُعَيِّره بذلك ، بل ادعُ له ، واحمد اللهَ تعالى على ما أنتَ فيه مِنَ النّعم ، فقـد يكونُ ما أنتَ فيه مِن صِحَّةٍ وغِنَىً وجاهٍ وغيره ابتلاءً واختبارًا مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ .

واذكُـر قولَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( مَن رأى منكم مُبتَلَىً فقال : الحمدُ للهِ الذي عافاني مِمَّا ابتلاكَ به ، وفَضَّلني على كثيرٍ مِمَّن خَلَقَ تفضيلاً ، لم يُصبه ذلك البَلاء )) رواه الترمذيُّ وصَحَّحه الألبانيُّ .

م/ن