سنان
19-09-2012, 08:42
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد:
فيقول الله تبارك و تعالى في محكم تنزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يده و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد؛
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴿هود: 38﴾.
قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره رحمه الله:
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ(38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويصنع نوح السفينة، وكلما مرّ عليه جماعة من كبراء قومه سخروا منه، يقول: هزئوا من نوح، ويقولون له: أتحوّلت نجارًا بعد النبوّة، وتعمل السفينة في البر؟ فيقول لهم نوح: (إن تسخروا منا) ، إن تهزءوا منا اليوم، فإنا نهزأ منكم في الآخرة، كما تهزءون منا في الدنيا، (فسوف تعلمون) ، إذا عاينتم عذابَ الله، مَن الذي كان إلى نفسه مُسِيئًا منَّا اهـ.
و قال جل جلاله:
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿هود: 44﴾.
فتحققت عقوبة الله فيهم في الدنيا قبل الآخرة، و في الآخرة لهم عذاب مقيم، و هذه سنة الله في خلقه و لن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا.
و قال جل ثناؤه و تقدست أسماؤه:
قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴿هود: 62﴾.
فالإستهزاء بالرسول و صالحي البشر هي عادة أعداء الله قديما و حديثا و هذا ليس مستغربا ممن هو في ظلمات الكفر و الجهل و الطبيعة.
و قال سبحانه:
قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴿هود: 87﴾.
فتحقق أمر الله فيهم فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴿الأعراف: 91﴾، الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ﴿الأعراف: 92﴾، فهذه سنة الله سبحانه فيمن كفر و جحد و استهزأ بصفوة خلقه.
و قال جل ثناؤه:
وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ﴿الفرقان: 41﴾.
و قال سبحانه:
وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴿المائدة: 58﴾.
فالإستهزاء بالرسول و صالحي البشر هذه عادة أعداء الله قديما و حديثا، فهم يريدون بذلك ليطفؤوا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلا أن يُتم نوره سبحانه.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح الأربعين النووية:
وإذا تاب يرتفع عنه القتل، لأن إباحة قتله إنما كانت لكفره، فإذا قبلنا توبته ارتفع الكفرعنه فارتفع قتله إلا من سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن توبته تقبل لكن يجب أن يقتل، ويقتل مسلماً بحيث نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه مع المسلمين، لكننا لانبقيه حياً. ومن سب الله عزّ وجل إذا تاب فإنه لا يقتل.
فإن قال قائل: على ضوء هذا الكلام أيكون سب الله عزّ وجل دون سب الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: لا والله لا يكون، بل سب الله أعظم، لكن الله تعالى قد أخبرنا أنه عافٍ عن حقه إذا تاب العبد، فإذا تاب علمنا أن الله تاب عليه.
أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقل: من سبّني أو استهزأ بي ثم تاب فأنا أسقط حقي، وعلى هذا فنحن نقتله لأن سب الرسول صلى الله عليه وسلم حق آدمي لم نعلم أنه عفا عنه.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أناس سبّوه في عهده وارتفع عنهم القتل؟
فالجواب: هذا لا يمنع ما قلنا به لأن الحق حقه، وإذا عفا علمنا أنه أسقط حقه فسقط، لكن بعد موته هل نعلم أنه أسقط حقه؟
الجواب: لا نعلم، ولا يمكن أن نقيس حال الموت على حال الحياة، لأننا نعلم أن هذا القياس فاسد، ولأننا نخشى أن يكثر سب الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته أعظم من هيبته بعد مماته. والله أعلم اهـ.
و لقد جاء في سيرة ابن هشام ما أصاب من استهزأ بالنبي صلى الله عليه و ءاله و سلم
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، فَقَامَ وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَنْبِهِ، فَمَرَّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، فَرَمَى فِي وَجْهِهِ بِوَرَقَةِ خَضْرَاءَ، فَعَمِيَ، وَمَرَّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ.، فَأَشَارَ إلَى بَطْنِهِ، فَاسْتَسْقَى (بَطْنُهُ) فَمَاتَ مِنْهُ حَبَنًا، وَمَرَّ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَأَشَارَ إلَى أَثَرِ جُرْحٍ بِأَسْفَلِ كَعْبِ رِجْلِهِ، كَانَ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِينَ، وَهُوَ يَجُرُّ سَبَلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ، فَتَعَلَّقَ سَهْمٌ مِنْ نَبْلِهِ بِإِزَارِهِ، فَخَدَشَ فِي رِجْلِهِ ذَلِكَ الْخَدْشَ، وَلَيْسَ بِشَيْءِ، فَانْتَقَضَ بِهِ فَقَتَلَهُ، وَمَرَّ بَهْ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، فَأَشَارَ إلَى أَخْمَصِ رِجْلِهِ وَخَرَجَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُرِيدُ الطَّائِفَ، فَرَبَضَ بِهِ عَلَى شُبَارِقَةٍ، فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ رِجْلِهِ شَوْكَةٌ فَقَتَلَتْهُ، وَمَرَّ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ الطُّلَاطِلَةِ، فَأَشَارَ إلَى رَأْسِهِ، فَامْتَخَضَ قَيْحًا، فَقَتَلَهُ اهـ.
فاللهم كما عاقبت أولئك في الدنيا انتصاراً لنبيك صلى الله عليه و سلم فأرنا في هؤلاء الذين استهزؤوا بنبيك في هذا العصر أخذك الذي لا يرد عن القوم الظالمين و اجعلهم لغيرهم عبرة و ءاية و ما ذلك عليك بعزيز، ءامين.
قال الشيخ السعدي في تفسيره رحمه الله:
إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بك وبما جئت به وهذا وعد من الله لرسوله، أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل تعالى فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة اهـ.
فاللهم عجل بهلاكم يا قوي يا عزيز و اللهم اهلكهم و اقتلهم شر قتله يا عزيز يا حكيم.
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الصارم المسلون على شاتم الرسول:
ومن سنة الله أن من لم يمكن المؤمنون أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه كما قدمنا بعض ذلك في قصة الكاتب المفترى وكما قال سبحانه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} .
والقصة في إهلاك الله واحدا واحدا من هؤلاء المستهزئين معروفة قد ذكرها أهل السير والتفسير وهم على ما قيل نفر من رؤوس قريش منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسودان ابن المطلب وابن عبد يغوث والحارث بن قيس.
وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكلاهما لم يسلم لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأكرم رسوله فثبت ملكه فيقال: إن الملك باق في ذريته إلى اليوم وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق ولم يبق للأكاسرة ملك وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} فكل من شنأه أو أبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره وقد قيل: إنها نزلت في العاص بن وائل أو في عقبة بن أبي معيط أو في كعب بن الأشرف وقد رأيت صنيع الله بهم.
ومن الكلام السائر "لحوم العلماء مسمومة" فكيف بلحوم الأنبياء عليهم السلام؟.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة " فكيف بمن عادى الأنبياء؟ ومن حارب الله تعالى حرب وإذا استقصيت قصص الأنبياء المذكورة في القرآن تجد أممهم إنما أهلكوا حين آذوا الأنبياء وقابلوهم بقبيح القول أو العمل وهكذا بنو إسرائيل إنما ضربت عليهم الذلة وباءوا بغضب من الله ولم يكن لهم نصير لقتلهم الأنبياء بغير حق مضموما إلى كفرهم كما ذكر الله ذلك في كتابه ولعلك لا تجد أحدا آذى نبيا من الأنبياء ثم لم يتب إلا ولا بد أن تصيبه قارعة وقد ذكرنا ما جر به المسلمون من تعجيل الانتقام من الكفار إذا تعرضوا لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة وهذا باب واسع لا يحاط به ولم نقصد قصده هنا وإنما قصدنا بيان الحكم الشرعي.
وكان سبحانه يحميه ويصرف عنه أذى الناس وشتمهم بكل طريق حتى في اللفظ ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد " فنزه الله اسمه ونعته عن الأذى وصرف ذلك إلى من هو مذمم وإن كان المؤذي إنما قصد عينه اهـ.
قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح السيرة النبوية:
وقال تعالى:؟ إنا كفيناك المستهزئين؟ [الحجر:95]
قال سفيان: عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
المستهزؤون: الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث الزهري والأسود بن المطلب أبو زمعة والحارث بن عيطل والعاص بن وائل السهمي
فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراه الوليد فأشار جبريل إلى أكحله وقال: كفيته
ثم أراه الأسود بن المطلب فأومأ إلى عينيه وقال: كفيته
ثم أراه الحارث بن عيطل فأومأ إلى بطنه وقال: كفيته
ومر به العاص بن وائل فأومأ إلى أخمصه وقال: كفيته
فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلا له فأصاب أكحله فقطعها
وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها
وأما الأسود بن المطلب فعمي وكان سبب ذلك أنه نزل تحت سمرة فجعل يقول: يا بني ألا تدفعون عني؟ قد قتلت فجعلوا يقولون: ما نرى شيئا. وجعل يقول: يا بني ألا تمنعون عني؟ قد هلكت ها هو ذا الطعن بالشوك في عيني. فجعلوا يقولون: ما نرى شيئا. فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه
وأما الحارث بن عيطل فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منها
وأما العاص بن وائل فبينما هو كذلك يوما إذ دخل في رجله شبرقة حتى امتلأت منها فمات منها
وقال غيره في هذا الحديث
فركب إلى الطائف على حمار فربض به على شبرقة (يعني: شوكة) فدخلت في أخمص قدمه شوكة فقتلته
رواه البيهقي بنحو من هذا السياق اهـ.
فالحمد لله المدافع عن أنبيائه و أوليائه، و له الحمد على نعمه و ءالائه.
و أحب أن أنبه على شيء و هو:
يقول الله تبارك و تعالى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴿النجم: 38﴾.
و قال سبحانه وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿الإسراء: ١٥﴾.
يقول الفيروزآبادي في تنوير المقتبس من تفسير ابن عباس: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لَا تحمل حاملة حمل أُخْرَى من الذُّنُوب وَيُقَال لَا تُؤْخَذ نفس بذنب نفس أُخْرَى وَيُقَال لَا تعذب نفس بِغَيْر ذَنْب اهـ.
و يقول نبيه الكريم صلى الله عليه و ءاله و سلم كما ذكره البخاري رحمه الله في باب من قتل معاهدا بغير جرم، قال حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».
و هذا وعيد شديد لمن قتل معاهداً بخير جرم، فمن أعطيناه الأمان لا نغدره فهذا هو شرعنا و سنة نبيينا صلى الله عليه و سلم و عادات أهلنا العرب الذين يتصفون بالمروءة و عدم نقض المواثيق، و ما يفعله بعض المسلمين من التظاهر في الشوارع و التكسير و الإحراق و التعدي على الأبرياء كل هذا مخالف لهديه صلوات الله و سلامه عليه و ربما فعل المسلمين هذا هو ما قصده من قام بإنتاج ذلك الفلم المسيء للنبي عليه السلام، فلا نمكنهم من نيل ذلك يا إخواني بارك الله فيكم.
و كذلك قولهم إلا رسول الله فهذه عبارة غير صحيحة كما قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله، و أقول حبنا لله سبحانه أكبر من حبنا لنبيه و ما أحببنا محمد عليه السلام إلا لكونه رسول الله، فالغيرة على النبي عليه الصلاة و السلام و حبه محمود و قربة لله تعالى لكن لا نبالغ و نزيد في ذلك حتى نقع في مخالفته صلوات الله وسلامه عليه من حيث لا نشعر.
و لي أنا العبد الفقير إلى الله قصتين:
الأولى:
استهزأ قريب لي بالشيخ الألباني رحمه الله فهجرته مدة زمنية معينة زجرا له و غيرة على أهل الحديث فأكل سماً بالخطأ و كاد أن يموت من السم و كنت قبلها قد دعوت عليه و قلت له سترى إن شاء الله ما سيحدث لك إن لم تتب إلى الله من طعنك في أوليائه، فجاءني بعد فترة و تأسف لي و إلى الآن و الحمد لله يعلم أننا أهل الحق.
الثانية:
استهزأ أحد جيراني بلحيتي و مضي في سبيله، و جاءني بعد أيام و تأسف لي و قال لي رأيت في المنام أن لي لحية تحترق فعلمت أن هذا سببه هو استهزائي بلحيتك و استسمحني فعفوت عنه.
أقول هذه سنة الله في من استهزأ بمن تبع سنة نبيه صلوات ربي و سلامه عليه، فما بالكم بمن استهزأ بشخص النبي صلى الله عليه و سلم.
و أخيرا أقول:
اللهم منزل الكتاب و مجري السحاب و هازم الأحزاب اللهم انتقم لنبيِك و خليلك و خير خلقك و عجل لمن استهزأ به بالعقوبة في الدنيا و اجعله لغيره عبرة و ءاية، و اجعل كيده في نحره و أمته في أرضه و اقطع نسبه و ذكره.
منقول
و صلى الله على محمد و على ءاله و صحبه و سلم
كتبه أبو العرباض عطية الشيخي
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد:
فيقول الله تبارك و تعالى في محكم تنزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يده و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد؛
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴿هود: 38﴾.
قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره رحمه الله:
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ(38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويصنع نوح السفينة، وكلما مرّ عليه جماعة من كبراء قومه سخروا منه، يقول: هزئوا من نوح، ويقولون له: أتحوّلت نجارًا بعد النبوّة، وتعمل السفينة في البر؟ فيقول لهم نوح: (إن تسخروا منا) ، إن تهزءوا منا اليوم، فإنا نهزأ منكم في الآخرة، كما تهزءون منا في الدنيا، (فسوف تعلمون) ، إذا عاينتم عذابَ الله، مَن الذي كان إلى نفسه مُسِيئًا منَّا اهـ.
و قال جل جلاله:
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿هود: 44﴾.
فتحققت عقوبة الله فيهم في الدنيا قبل الآخرة، و في الآخرة لهم عذاب مقيم، و هذه سنة الله في خلقه و لن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا.
و قال جل ثناؤه و تقدست أسماؤه:
قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴿هود: 62﴾.
فالإستهزاء بالرسول و صالحي البشر هي عادة أعداء الله قديما و حديثا و هذا ليس مستغربا ممن هو في ظلمات الكفر و الجهل و الطبيعة.
و قال سبحانه:
قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴿هود: 87﴾.
فتحقق أمر الله فيهم فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴿الأعراف: 91﴾، الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ ﴿الأعراف: 92﴾، فهذه سنة الله سبحانه فيمن كفر و جحد و استهزأ بصفوة خلقه.
و قال جل ثناؤه:
وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ﴿الفرقان: 41﴾.
و قال سبحانه:
وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴿المائدة: 58﴾.
فالإستهزاء بالرسول و صالحي البشر هذه عادة أعداء الله قديما و حديثا، فهم يريدون بذلك ليطفؤوا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلا أن يُتم نوره سبحانه.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله في شرح الأربعين النووية:
وإذا تاب يرتفع عنه القتل، لأن إباحة قتله إنما كانت لكفره، فإذا قبلنا توبته ارتفع الكفرعنه فارتفع قتله إلا من سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن توبته تقبل لكن يجب أن يقتل، ويقتل مسلماً بحيث نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه مع المسلمين، لكننا لانبقيه حياً. ومن سب الله عزّ وجل إذا تاب فإنه لا يقتل.
فإن قال قائل: على ضوء هذا الكلام أيكون سب الله عزّ وجل دون سب الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب: لا والله لا يكون، بل سب الله أعظم، لكن الله تعالى قد أخبرنا أنه عافٍ عن حقه إذا تاب العبد، فإذا تاب علمنا أن الله تاب عليه.
أما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقل: من سبّني أو استهزأ بي ثم تاب فأنا أسقط حقي، وعلى هذا فنحن نقتله لأن سب الرسول صلى الله عليه وسلم حق آدمي لم نعلم أنه عفا عنه.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أناس سبّوه في عهده وارتفع عنهم القتل؟
فالجواب: هذا لا يمنع ما قلنا به لأن الحق حقه، وإذا عفا علمنا أنه أسقط حقه فسقط، لكن بعد موته هل نعلم أنه أسقط حقه؟
الجواب: لا نعلم، ولا يمكن أن نقيس حال الموت على حال الحياة، لأننا نعلم أن هذا القياس فاسد، ولأننا نخشى أن يكثر سب الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته أعظم من هيبته بعد مماته. والله أعلم اهـ.
و لقد جاء في سيرة ابن هشام ما أصاب من استهزأ بالنبي صلى الله عليه و ءاله و سلم
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، فَقَامَ وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَنْبِهِ، فَمَرَّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، فَرَمَى فِي وَجْهِهِ بِوَرَقَةِ خَضْرَاءَ، فَعَمِيَ، وَمَرَّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ.، فَأَشَارَ إلَى بَطْنِهِ، فَاسْتَسْقَى (بَطْنُهُ) فَمَاتَ مِنْهُ حَبَنًا، وَمَرَّ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَأَشَارَ إلَى أَثَرِ جُرْحٍ بِأَسْفَلِ كَعْبِ رِجْلِهِ، كَانَ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِينَ، وَهُوَ يَجُرُّ سَبَلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ، فَتَعَلَّقَ سَهْمٌ مِنْ نَبْلِهِ بِإِزَارِهِ، فَخَدَشَ فِي رِجْلِهِ ذَلِكَ الْخَدْشَ، وَلَيْسَ بِشَيْءِ، فَانْتَقَضَ بِهِ فَقَتَلَهُ، وَمَرَّ بَهْ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، فَأَشَارَ إلَى أَخْمَصِ رِجْلِهِ وَخَرَجَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُرِيدُ الطَّائِفَ، فَرَبَضَ بِهِ عَلَى شُبَارِقَةٍ، فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ رِجْلِهِ شَوْكَةٌ فَقَتَلَتْهُ، وَمَرَّ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ الطُّلَاطِلَةِ، فَأَشَارَ إلَى رَأْسِهِ، فَامْتَخَضَ قَيْحًا، فَقَتَلَهُ اهـ.
فاللهم كما عاقبت أولئك في الدنيا انتصاراً لنبيك صلى الله عليه و سلم فأرنا في هؤلاء الذين استهزؤوا بنبيك في هذا العصر أخذك الذي لا يرد عن القوم الظالمين و اجعلهم لغيرهم عبرة و ءاية و ما ذلك عليك بعزيز، ءامين.
قال الشيخ السعدي في تفسيره رحمه الله:
إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بك وبما جئت به وهذا وعد من الله لرسوله، أن لا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل تعالى فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة اهـ.
فاللهم عجل بهلاكم يا قوي يا عزيز و اللهم اهلكهم و اقتلهم شر قتله يا عزيز يا حكيم.
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الصارم المسلون على شاتم الرسول:
ومن سنة الله أن من لم يمكن المؤمنون أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه كما قدمنا بعض ذلك في قصة الكاتب المفترى وكما قال سبحانه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} .
والقصة في إهلاك الله واحدا واحدا من هؤلاء المستهزئين معروفة قد ذكرها أهل السير والتفسير وهم على ما قيل نفر من رؤوس قريش منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسودان ابن المطلب وابن عبد يغوث والحارث بن قيس.
وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكلاهما لم يسلم لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأكرم رسوله فثبت ملكه فيقال: إن الملك باق في ذريته إلى اليوم وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق ولم يبق للأكاسرة ملك وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} فكل من شنأه أو أبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره وقد قيل: إنها نزلت في العاص بن وائل أو في عقبة بن أبي معيط أو في كعب بن الأشرف وقد رأيت صنيع الله بهم.
ومن الكلام السائر "لحوم العلماء مسمومة" فكيف بلحوم الأنبياء عليهم السلام؟.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة " فكيف بمن عادى الأنبياء؟ ومن حارب الله تعالى حرب وإذا استقصيت قصص الأنبياء المذكورة في القرآن تجد أممهم إنما أهلكوا حين آذوا الأنبياء وقابلوهم بقبيح القول أو العمل وهكذا بنو إسرائيل إنما ضربت عليهم الذلة وباءوا بغضب من الله ولم يكن لهم نصير لقتلهم الأنبياء بغير حق مضموما إلى كفرهم كما ذكر الله ذلك في كتابه ولعلك لا تجد أحدا آذى نبيا من الأنبياء ثم لم يتب إلا ولا بد أن تصيبه قارعة وقد ذكرنا ما جر به المسلمون من تعجيل الانتقام من الكفار إذا تعرضوا لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة وهذا باب واسع لا يحاط به ولم نقصد قصده هنا وإنما قصدنا بيان الحكم الشرعي.
وكان سبحانه يحميه ويصرف عنه أذى الناس وشتمهم بكل طريق حتى في اللفظ ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد " فنزه الله اسمه ونعته عن الأذى وصرف ذلك إلى من هو مذمم وإن كان المؤذي إنما قصد عينه اهـ.
قال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح السيرة النبوية:
وقال تعالى:؟ إنا كفيناك المستهزئين؟ [الحجر:95]
قال سفيان: عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
المستهزؤون: الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث الزهري والأسود بن المطلب أبو زمعة والحارث بن عيطل والعاص بن وائل السهمي
فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراه الوليد فأشار جبريل إلى أكحله وقال: كفيته
ثم أراه الأسود بن المطلب فأومأ إلى عينيه وقال: كفيته
ثم أراه الحارث بن عيطل فأومأ إلى بطنه وقال: كفيته
ومر به العاص بن وائل فأومأ إلى أخمصه وقال: كفيته
فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلا له فأصاب أكحله فقطعها
وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها
وأما الأسود بن المطلب فعمي وكان سبب ذلك أنه نزل تحت سمرة فجعل يقول: يا بني ألا تدفعون عني؟ قد قتلت فجعلوا يقولون: ما نرى شيئا. وجعل يقول: يا بني ألا تمنعون عني؟ قد هلكت ها هو ذا الطعن بالشوك في عيني. فجعلوا يقولون: ما نرى شيئا. فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه
وأما الحارث بن عيطل فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منها
وأما العاص بن وائل فبينما هو كذلك يوما إذ دخل في رجله شبرقة حتى امتلأت منها فمات منها
وقال غيره في هذا الحديث
فركب إلى الطائف على حمار فربض به على شبرقة (يعني: شوكة) فدخلت في أخمص قدمه شوكة فقتلته
رواه البيهقي بنحو من هذا السياق اهـ.
فالحمد لله المدافع عن أنبيائه و أوليائه، و له الحمد على نعمه و ءالائه.
و أحب أن أنبه على شيء و هو:
يقول الله تبارك و تعالى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴿النجم: 38﴾.
و قال سبحانه وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿الإسراء: ١٥﴾.
يقول الفيروزآبادي في تنوير المقتبس من تفسير ابن عباس: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لَا تحمل حاملة حمل أُخْرَى من الذُّنُوب وَيُقَال لَا تُؤْخَذ نفس بذنب نفس أُخْرَى وَيُقَال لَا تعذب نفس بِغَيْر ذَنْب اهـ.
و يقول نبيه الكريم صلى الله عليه و ءاله و سلم كما ذكره البخاري رحمه الله في باب من قتل معاهدا بغير جرم، قال حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».
و هذا وعيد شديد لمن قتل معاهداً بخير جرم، فمن أعطيناه الأمان لا نغدره فهذا هو شرعنا و سنة نبيينا صلى الله عليه و سلم و عادات أهلنا العرب الذين يتصفون بالمروءة و عدم نقض المواثيق، و ما يفعله بعض المسلمين من التظاهر في الشوارع و التكسير و الإحراق و التعدي على الأبرياء كل هذا مخالف لهديه صلوات الله و سلامه عليه و ربما فعل المسلمين هذا هو ما قصده من قام بإنتاج ذلك الفلم المسيء للنبي عليه السلام، فلا نمكنهم من نيل ذلك يا إخواني بارك الله فيكم.
و كذلك قولهم إلا رسول الله فهذه عبارة غير صحيحة كما قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله، و أقول حبنا لله سبحانه أكبر من حبنا لنبيه و ما أحببنا محمد عليه السلام إلا لكونه رسول الله، فالغيرة على النبي عليه الصلاة و السلام و حبه محمود و قربة لله تعالى لكن لا نبالغ و نزيد في ذلك حتى نقع في مخالفته صلوات الله وسلامه عليه من حيث لا نشعر.
و لي أنا العبد الفقير إلى الله قصتين:
الأولى:
استهزأ قريب لي بالشيخ الألباني رحمه الله فهجرته مدة زمنية معينة زجرا له و غيرة على أهل الحديث فأكل سماً بالخطأ و كاد أن يموت من السم و كنت قبلها قد دعوت عليه و قلت له سترى إن شاء الله ما سيحدث لك إن لم تتب إلى الله من طعنك في أوليائه، فجاءني بعد فترة و تأسف لي و إلى الآن و الحمد لله يعلم أننا أهل الحق.
الثانية:
استهزأ أحد جيراني بلحيتي و مضي في سبيله، و جاءني بعد أيام و تأسف لي و قال لي رأيت في المنام أن لي لحية تحترق فعلمت أن هذا سببه هو استهزائي بلحيتك و استسمحني فعفوت عنه.
أقول هذه سنة الله في من استهزأ بمن تبع سنة نبيه صلوات ربي و سلامه عليه، فما بالكم بمن استهزأ بشخص النبي صلى الله عليه و سلم.
و أخيرا أقول:
اللهم منزل الكتاب و مجري السحاب و هازم الأحزاب اللهم انتقم لنبيِك و خليلك و خير خلقك و عجل لمن استهزأ به بالعقوبة في الدنيا و اجعله لغيره عبرة و ءاية، و اجعل كيده في نحره و أمته في أرضه و اقطع نسبه و ذكره.
منقول
و صلى الله على محمد و على ءاله و صحبه و سلم
كتبه أبو العرباض عطية الشيخي