الداليا
21-08-2012, 07:07
لماذا كانت عناية الله بشهر الصيام؟ لأنه شهر تربية الأمة المحمدية فإن الله جعل الصيام هو سر سعادتنا فيه فلو أننا وصلنا إلى الحكمة التي من أجلها فرض الله علينا الصيام لسعدنا في دنيانا وفزنا في أخرانا فرض الله علينا الصيام ليدربنا على أهم أساس فيه لله وهو مراقبة الله في السر والعلانية في الظاهر وفي الباطن فإن المؤمن يصوم عن الطعام والشراب ولا يراه ولا يطلع عليه إلا رب الأرباب يستطيع أن يفطر بينه وبين نفسه ولكنه في هذا الوقت وإن كان لا يراه أحد من الخلق فإنه يكون غاش لنفسه عند الخالق فإذا تدرب المؤمن طوال شهر كامل على مراقبة الله في كل حركاته وفي كل سكناته وفي كل أعماله يصبح بعد هذا الشهر وقد رقى إلى مقام {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} وهذه هي علامة قبول الصيام فالعلامة التي يعرف بها المرء أن الله قد تقبل صيامه أن يخرج من هذا الشهر وقد وجد في داخل قلبه مؤذناً أو منبهاً ينبهه عند الوقوع في أي ذنب فعندما تريد يده أن تمتد إلى حرام أو تريد عينه أن تنظر على آثام يجد في قلبه منبهاً من قبل الملك العلام ينبهه إلى هذا الأمر {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} إن التاجر الذي تقبل الله صيامه إذا أراد أن يغش في البيع أو يغش في الميزان أو يغش في الثمن يجد منادي من الله في قلبه ويجد منبه الله في ضميره يجذبه من هذا الأمر وينهاه عن هذا الفعل لأنه تفضل عليه الله فتقبل صيامه وعلامة القبول أن الله رزقه نفساً لوامة أقسم بها الله فقال{وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}والمعنى هنا يقسم بالتأكيد بالنفس اللوامة التي تلوم صاحبها عند الشر وتزجره عند المعصية وتنهاه عند الاقتراب من الخطيئة لأن هذا علامة حفظ الله لهذا العبد أما العبد الذي غضب عليه مولاه وجعل والعياذ بالله جهنم مثواه فهو الذي طبع الله على قلبه وأخمد الله نور نفسه فجعله لا يتحرك عند المعصية متألماً بل جعله يسر عند المعصية ويعتقد أنه فعل شيئاً عظيماً فعندما يغش مسلماً لينال من وراءه بضع جنيهات يفرح ويباهي بذلك وكأنه عمل عملاً عظيماً لم يفعله سواه يتباهى بذكاءه ويتباهى بذنبه ويتباهى بحيله وهو لا يعلم أنه داخل في قول الله {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} اعلموا علم اليقين أن من غش الأمة حرم من الدخول في صفوفها يوم الدين فقد قال النبي {مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا}[1] فإذا أراد أن ينضم إلى صفوفهم يوم القيامة أخذت الملائكة بيده وأبعدته عنهم ويقول يا محمد يا محمد فيقول رسول الله يا ربَّ أصحابي فيقول الله {إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ: سُحْقاً فعنكن كنت أدافع}[2] فمن غش نفساً مسلمة واحدة فكأنما غش المسلمين أجمعين من غش مسلماً في بيع بأن خلط اللبن بالماء أو أخفق الميزان عند الوزن أو أعطاه سلعة على أنها جيدة ووجد أنها خبيثة أو أعطاه فاكهة ووجد في أعلاها الطيب وفي أسفلها الخبيث أو غشها بأي فن من الفنون كل هذا يا إخواني دليل على غضب الله ودليل على مقت الله ودليل على أن هذا يمكر به الله ليلقيه في جهنم وبئس المصير فكان شهر رمضان تطهيراً للقلوب التي مالت بالشهوات وللنفوس التي غفلت عن مراقبة خالق الأرض والسماوات فيحيي الله النفوس ويحيي الله القلوب فيخرج المسلمون بعد ذلك وهم يراقبون الله في السر والعلن لو خلا المرء منهم ولم ير أحداً إلا الله يقول لنفسه إذا حدثته بمعصية:
إذا ما خَلوتَ الدَّهرَ يوماً فلا تقلْ
خلوتُ ولكن قل عَلَيَّ رقيبُ
فلا تَحسَبَنَّ اللـه يَغفَلُ ساعةً
ولا أنَّ ما يخْفى عَليْه يَغيبُ
فَأَحسِن وأَجْمل ما استَطعتَ فإنما
بقَرضِك تُجْزَي والقُروضُ ضروبُ
فلا تَكُ مَغروراً تَعَلّلُ بالمُنَى
وقُل إنما أُدْعَى غداً فأُجِيبُ
أَ لم تَرّ أَنَّ اليومَ أسرعُ ذاهب
وأَنَّ غداً للنّاظرين قريبُ
وإذا كان الذي ظلمته لم يعلم بظلمك الآن ولم يستطيع أن يثبت الظلم لأنك أحبكت التبرير وأخفيت كل علامة للجريمة فهناك يوم يقتص فيه الله فيه للمظلوم من الظالم يوم لا تخفى عليه فيه خافية ينظر المرء فيه إلى ما قدمت يداه ويعجب من عجيب صنع الله وكيف أنه سجل عليه حتى خلجات نفسه وخواطر فؤاده وحتى الأفكار التي كان يدبرها بعقله ليدبر بها المكر للمؤمنين والشر للمسلمين لأن الله يتولى بنفسه أخذ الحقوق للمسلمين والمؤمنين قال النبي عندما مر على كبشين ينتطحان يا أبا ذر تعلم فيم ينتطحان؟ قال: لا وكان أحدهما له قرون والآخر ليس له قرون يعني أحدهما قوي يستغل قوته والآخر ضعيف لا يستطيع أن يدفع عن نفسه قال {إِنَّ الْجَمَّاءَ [التي ليس لها قرون] لَتُقَصُّ مِنَ الْقَرْنَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[3] وكان هذا مثل ضربه لأصحابه فإن الله يأخذ للمستضعفين الذين ليس لهم نصير إلا الله ولا ملجأ إلا الله ولا عون إلا من الله من الذين يغترون بقوتهم أو بقوة أولادهم أو بجاههم أو بأموالهم يوم يجردهم الله من كل هذه الأشياء ويدخلون في قول الله {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} يحاول كل منهم أن يلصق التهمة بأخيه ويلصق التهمة بأبيه ويقول هو الذي أمرني وهو الذي دفعني وهو الذي حضني فيقول تعالى {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} لأنكم أطعتم الهوى والشيطان ولم تنفذوا أحكام الرحمن لن تسعد هذه الأمة إلا بما سعد به أولها وقد سعد أولها بمراقبة الله وبطاعة الله فكان الرجل منهم يأخذ الكلمة من أخيه قانون سماوي لا يبدل ولا يغير حتى ولو كان بعيداً من القوم فقد مرَّ عروة بن الزبير بعبد الله بن عمر وهو في الطواف وقال: يا عبد الله زوجني ابنتك فلانة فنظر إليه ولم يجبه فلما ذهب إلى المدينة وحانت منيته قال: يا بني أئتوني بعروة بن الزبير لأنه طلب مني الزواج من فلانة وقد وعدته بالإجابة وأخاف أن ألقى الله بثلث النفاق فأحشر يوم القيامة مع المنافقين فجيء إليه بعروة فقال له إنك لم تعدني قال: قد سكت والسكوت علامة الرضا ولم أكلمك في هذا الموقف لأننا كنا نتراءى ربنا في الطواف ونادي يا فلان "لكبير أولاده" زوجه فلانة فإني أخاف أن ألقى الله وقد أخلفت مؤمناً موعداً فما بالنا ونحن نخلف في كل يوم آلاف المواعيد لإخواننا المؤمنين والطامة الكبرى إننا لا نلقي لهذا الأمر بالاً ولا نحس أن هذا ذنباً أو معصية سيحاسبنا الله عليها لكي يصلح الله حالنا نحن بحاجة إلى صحوة النفوس في مراقبة الملك القدوس فنراقب الله في أعمالنا ونراقب الله في أقوالنا ونراقب الله في حركاتنا فإذا تكلم الرجل منا بكلمة يعلم أن الله يسمع ما يتفوه به بلسانه فلا يقول إلا ما يرضي الله وإذا امتدت يده إلى عمل يعلم أن الله يطلع عليه وهو الذي سيحاسبه عليه فلا يعمل إلا ما يرضي الله إذا وصلنا إلى هذا الأمر نظر الله إلينا فبدل حالنا وغير أوضاعنا لأنه يقول في كتابه {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
[1] رواه مسلم في صحيحه والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة [2]رواه البخاري في صحيحه وأحمد في مسنده عن ابن عباس [3]عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ عُثْمَانَ, أخرجه عَبْد الله بن أحمد المسند الجامع
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر]
إذا ما خَلوتَ الدَّهرَ يوماً فلا تقلْ
خلوتُ ولكن قل عَلَيَّ رقيبُ
فلا تَحسَبَنَّ اللـه يَغفَلُ ساعةً
ولا أنَّ ما يخْفى عَليْه يَغيبُ
فَأَحسِن وأَجْمل ما استَطعتَ فإنما
بقَرضِك تُجْزَي والقُروضُ ضروبُ
فلا تَكُ مَغروراً تَعَلّلُ بالمُنَى
وقُل إنما أُدْعَى غداً فأُجِيبُ
أَ لم تَرّ أَنَّ اليومَ أسرعُ ذاهب
وأَنَّ غداً للنّاظرين قريبُ
وإذا كان الذي ظلمته لم يعلم بظلمك الآن ولم يستطيع أن يثبت الظلم لأنك أحبكت التبرير وأخفيت كل علامة للجريمة فهناك يوم يقتص فيه الله فيه للمظلوم من الظالم يوم لا تخفى عليه فيه خافية ينظر المرء فيه إلى ما قدمت يداه ويعجب من عجيب صنع الله وكيف أنه سجل عليه حتى خلجات نفسه وخواطر فؤاده وحتى الأفكار التي كان يدبرها بعقله ليدبر بها المكر للمؤمنين والشر للمسلمين لأن الله يتولى بنفسه أخذ الحقوق للمسلمين والمؤمنين قال النبي عندما مر على كبشين ينتطحان يا أبا ذر تعلم فيم ينتطحان؟ قال: لا وكان أحدهما له قرون والآخر ليس له قرون يعني أحدهما قوي يستغل قوته والآخر ضعيف لا يستطيع أن يدفع عن نفسه قال {إِنَّ الْجَمَّاءَ [التي ليس لها قرون] لَتُقَصُّ مِنَ الْقَرْنَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[3] وكان هذا مثل ضربه لأصحابه فإن الله يأخذ للمستضعفين الذين ليس لهم نصير إلا الله ولا ملجأ إلا الله ولا عون إلا من الله من الذين يغترون بقوتهم أو بقوة أولادهم أو بجاههم أو بأموالهم يوم يجردهم الله من كل هذه الأشياء ويدخلون في قول الله {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} يحاول كل منهم أن يلصق التهمة بأخيه ويلصق التهمة بأبيه ويقول هو الذي أمرني وهو الذي دفعني وهو الذي حضني فيقول تعالى {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} لأنكم أطعتم الهوى والشيطان ولم تنفذوا أحكام الرحمن لن تسعد هذه الأمة إلا بما سعد به أولها وقد سعد أولها بمراقبة الله وبطاعة الله فكان الرجل منهم يأخذ الكلمة من أخيه قانون سماوي لا يبدل ولا يغير حتى ولو كان بعيداً من القوم فقد مرَّ عروة بن الزبير بعبد الله بن عمر وهو في الطواف وقال: يا عبد الله زوجني ابنتك فلانة فنظر إليه ولم يجبه فلما ذهب إلى المدينة وحانت منيته قال: يا بني أئتوني بعروة بن الزبير لأنه طلب مني الزواج من فلانة وقد وعدته بالإجابة وأخاف أن ألقى الله بثلث النفاق فأحشر يوم القيامة مع المنافقين فجيء إليه بعروة فقال له إنك لم تعدني قال: قد سكت والسكوت علامة الرضا ولم أكلمك في هذا الموقف لأننا كنا نتراءى ربنا في الطواف ونادي يا فلان "لكبير أولاده" زوجه فلانة فإني أخاف أن ألقى الله وقد أخلفت مؤمناً موعداً فما بالنا ونحن نخلف في كل يوم آلاف المواعيد لإخواننا المؤمنين والطامة الكبرى إننا لا نلقي لهذا الأمر بالاً ولا نحس أن هذا ذنباً أو معصية سيحاسبنا الله عليها لكي يصلح الله حالنا نحن بحاجة إلى صحوة النفوس في مراقبة الملك القدوس فنراقب الله في أعمالنا ونراقب الله في أقوالنا ونراقب الله في حركاتنا فإذا تكلم الرجل منا بكلمة يعلم أن الله يسمع ما يتفوه به بلسانه فلا يقول إلا ما يرضي الله وإذا امتدت يده إلى عمل يعلم أن الله يطلع عليه وهو الذي سيحاسبه عليه فلا يعمل إلا ما يرضي الله إذا وصلنا إلى هذا الأمر نظر الله إلينا فبدل حالنا وغير أوضاعنا لأنه يقول في كتابه {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
[1] رواه مسلم في صحيحه والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة [2]رواه البخاري في صحيحه وأحمد في مسنده عن ابن عباس [3]عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ عُثْمَانَ, أخرجه عَبْد الله بن أحمد المسند الجامع
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر]