مشاهدة النسخة كاملة : درعا
ابو قنوة
30-04-2011, 20:30
دخل الجيش بفرقة المجوقلة على أربعة محاور ..الفرقة الرابعة وآختها الخامسة ..وبعد غرفة العمليات وقيادة أركان حرب ومغاوير القوات الخاصة تقرر الدخول ...
وتم العبور الى درعا ... بطل التكنولوجيا وطب العيون .. والفريق القافز المتجاوز كل رتب العسكر .. والمتحايل على كل فقرات الدستور السوري .. قرر إن الحنكة العسكرية تقتضي دخول درعا من أربعة محاور .. تبدأ من سهول حوران وتنهي في درعا .. البلد .. أو محطة الخط الحديدي الحجازي .. لا هي الجولان ولا سواحل طبريا .. أنها درعا
درعا عين حوران واهراء سوريا وسنابل قمحها الذهبي ..سفكت الدماء رخيصة .. تحث خطاها مكلومة بجراح ملوك الطوائف المتربعين على عرش الشام خمسون ونيف ..
خمسون عاما وكلما رف لها جفن خرجت جحافل النصيريين تحرقها بمن فيها ..
هاولاء الذين قال فيهم ابن تيمية ( لا نتزوج منهم ولا نوليهم ثغورنا ..) يريدون اليوم تأديب سوريا كلها ..مختصرة في درعا ... تماما كما فعل قابض الغيم أبيه يوم احرق حما بمن فيها ...
امتد الغيم وقصف الرعد ولمع برق الم بكل حواضر سوريا العربية .. واشتعلت النار .. من جديد بلا خوف وبلا تذلل أبدا ..
دخل المهيب قاعة مجلس الشعب بعنق مستدق كأعناق المجوس .. وضجكة باردة صفيقة .. على عشرات الشهداء الذين سقطوا على التراب السوري العظيم .. وخرج كلب يهتف .. سوريا صغيرة عليك .. انت يجب إن تقود العالم ..
سوريا الصغيرة .. اكبر من كل هراء نظامك .. ومن كل كلابك المسعورة .. ودركك وأمنك السياسي وحرسك الجمهوري ومن كل ضباع القوم ومن ماهر الأسد واصف شوكت . وكل العلويين الذين ينامون في الغيم ..
عزيزي .. الكل كاذبون ..
سوريا التي عاشت حلكة الظلام الأسود .. تعمد خطاها اليوم على درب إلام الأمة .. وتسفح القاني الأحمر في كل ثغر من ثغورها العربية .. ليلتي فجرا جديد بلون المروج في حوران .. بصفاء الشمس في دوما .. بزرقة الفرات يترقرق في الجزيرة ... صبر جميل والله المستعان
إنما النصر صبر ساعة ..... والفجر آت ...
منذ بداية المظاهرات وأمن النظام السوري يواجه المدنيين بكل ما يملك من قوَّة وقسوة، ولكن حدث تطور نوعي في هذه المواجهة بتدخل الجيش بالدبابات لمحاصرة درعا وأمثالها من المدن السوريَّة، ودخل جنود الأمن معززين بدبابات الجيش من أجل حسم هذه المواجهة وضمان عدم انتشار المظاهرات، ومعنى ذلك أن القرار السياسي الذي تَمَّ اتخاذُه هو قمع هذه المظاهرات بأيَّة وسيلة ومهما كان الثمن المدفوع، فالمواجهة مفتوحة.
وكانت النتيجة أن يقتل خمسة وعشرون مدنيًّا من أهالي درعا في اليوم الأول لبدْء هذه الهجمة التتريَّة، وأن يتمَّ إطلاق النار على السكان بطريقة مستمرَّة وعشوائيَّة، وأن يتم قطع المياه والكهرباء عن المدينة.
ووصلت الوحشيَّة وقلة الدين والخوف في نفس الوقت إلى احتلال مساجد المدينة، لضمان ألا يستخدم المتطوعون والأئمَّة المآذن لطلب التبرع بالدم أو لحث المسعفين على مساعدة الجرحى، فضلًا عن حشد الناس للاشتراك في المظاهرات.
النظام السوري يبرِّر هذه الهجمة الوحشيَّة بأن المقصود منها هو ملاحقة المجموعات الإرهابيَّة المتطرفة في المدينة وإلقاء القبض عليهم ومصادرة ما بحوزتهم من كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، ويستمرُّ النظام في أكاذيبه بترديد أن هذا التدخل العسكري جاء استجابةً لاستغاثات المواطنين والأهالي من الإرهابيين الذين يهدِّدونهم ويريدون إنشاء إمارة سلفيَّة.
مواجهة الأسد للثورة السلميَّة السوريَّة بالحل الأمني والعسكري وبالرشاشات والدبابات والأسلحة الثقيلة التي نتج عنها حتى الآن سقوط أكثر من أربعمائة قتيل وأضعافهم من الجرحى، هذا الإجرام الرسمي شكَّل ضغطًا على الأطراف الغربيَّة، جعل الرئيس الفرنسي يطالب بالوقف الفوري للعنف، في الوقت الذي يستبعد فيه التدخل في سوريا دون قرار من الأمم المتحدة، وجعل أيضًا رئيس الوزراء الإيطالي يفعل نفس الشيء ويطالب بإنهاء العنف والقمع في سوريا، ويقول: إن هذا مرفوض لمواجهة المظاهرات السلميَّة.
أما الولايات المتحدة فإنها تدرس معاقبة النظام السوري وفرض عقوباتٍ جديدة عليه وعلى رموزه بتجميد أرصدتهم ومنع سفرهم، لكن العقبة أن هناك عقوبات أمريكيَّة مفروضة عليه بالفعل، لكن لم يكن لها الفعالية المطلوبة.
وتقوم بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال بالتحرك داخل مجلس الأمن لمشروع إدانة للقمع الدامي للتظاهرات في سوريا، ولكن لا ينتظر أن ينتج من جرَّاء ذلك إلا بيان إدانة لن يكون له أثر في لجم الآلة العسكريَّة للنظام السوري ضد المتظاهرين السلميين.
لكن في المحصلة النهائيَّة فإن الخيارات المتاحة أمام الغرب هي إما إصدار بيانات تدين الاستخدام المفرط للقوَّة، أو السعي لفرض عقوبات من الأمم المتحدة وإجراء تحقيق من خلال المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، أو تقديم دعم للمحتجين المطالبين بالديمقراطيَّة، أو التدخل العسكري.
لكن القوى الغربيَّة التي قرَّرت التدخل العسكري في ليبيا لمواجهة جرائم القذافي ضد المدنيين، استنادًا إلى مبدأ في الأمم المتحدة يقوم على تحمل المسئوليَّة في حماية المدنيين، اقتصر رد فعلها في الحالة السورية على الغضب الذي لم يجد إلا التصريحات فقط.
فالمصالح الاقتصاديَّة والأمنيَّة للغرب وقيمه الإنسانيَّة تختلف في كل حالة، وهناك أسباب استراتيجيَّة وسياسيَّة وعمليَّة تقف وراء تفاوت ردود الفعل الغربيَّة تجاه الأحداث في كل من سوريا وليبيا واليمن، بعد أن أيَّد الغرب بعد تردد التغيير الديمقراطي في تونس ومصر، وبعض القادة الغربيين يقولون إنه في حالة ليبيا كانت هناك مطالبة مباشرة بالمساعدة من المعارضة، كما أن جامعة الدول العربية طلبت من مجلس الأمن إصدار قرار لاتخاذ إجراء لفرض منطقة حظر للطيران، وأن ذلك حال دون وقوع مذبحة كان القذافي قد هدَّد بارتكابها في بنغازي، وأدى إلى فقد قوات القذافي السيطرة على أكثر من ثلث مناطق البلاد، كما أن قواته المسلَّحة هشَّة وتفتقر إلى ما يكفي من الأسلحة، لكن على العكس من ذلك فإن سوريا لديها جيش مدرب جيدًا وتمتلك صواريخ روسيَّة وطائرات قتاليَّة ويعتقد الغرب أن لديها أسلحة كيماويَّة، مما يجعل التدخل العسكري الغربي فيها غير وارد.
ومن الاعتبارات الغربيَّة أيضًا ألا تؤدي الثورة السوريَّة إلى زعزعة استقرار المنطقة، مما يهدِّد إمدادات النفط للدول الصناعيَّة، فقد ارتفعت أسعار النفط بالفعل إلى نحو 125 دولارًا للبرميل بعد أن كانت 80 دولارًا في العام الماضي بسبب انخفاض الإمدادات الليبيَّة وخفض السعوديَّة للإنتاج.
أولويَّة الغرب في المنطقة هي منع إيران من الحصول على قدرات تمكِّنها من حيازة أسلحة نوويَّة، وسوريا هي أقرب حلفاء إيران، ويحاول الغرب استرضاء الرئيس السوري لإبعاده عن طهران.
وبعد سنوات من محاولة الضغط على سوريا دون نجاح يُذكر فيما يتعلَّق باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري عام 2005م، أرسلت الولايات المتحدة سفيرًا مرة أخرى إلى دمشق هذا العام.
وإذا سعى الغرب لإدانة الأسد في مجلس الأمن أو إحالة ممارسات النظام السوري من قمع المتظاهرين إلى المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة فإن روسيا -وهي حليف لسوريا منذ زمن طويل- من المرجَّح أن تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار.
كذلك فإن أي إجراءات دبلوماسيَّة غربيَّة ربما تدفع سوريا أكثر في اتجاه إيران وربما تؤدي إلى انتقام "حزب الله" في لبنان سواء من إسرائيل أو القوات الأوروبيَّة الموجودة في المنطقة العازلة بجنوب لبنان.
لموقف الغربي الانتهازي هو أول العقبات إذًا، في طريق الثورة السوريَّة، صحيح أن الثوار السوريين لا يريدون مساعدات غربيَّة، لكنهم يريدون مساعدة دوليَّة تغلُّ يد النظام البعثي عن سفك دمائهم ومواجهتهم بكل أنواع السلاح وحصد أرواحهم، لو كان النظام السوري لم يتخذْ قرار مواجهة الثورة بالسلاح وبالحل الأمني وبالدبابات، لكان السوريون على كفاءة بمواجهته بصدورهم العارية مثل إخوانهم في تونس ومصر، لكنهم لا قِبل لهم بالدبابات والأسلحة الثقيلة.
ثاني هذه العقبات هي تخفِّي نظام الأسد وراء ما يُسمَّى بالممانعة والمقاومة، مما جعل أشخاصًا وجهاتٍ عديدةً ترى أنه لا يمكن التضامن مع المتظاهرين السوريين كما جرى في السابق التضامن مع المصريين والتونسيين، لأن نظام الأسد –وعلى العكس من باقي الأنظمة– نظام مقاوم لإسرائيل وممانع لأمريكا، ويحتجون بدعمه لحركات المقاومة الفلسطينيَّة ولـ "حزب الله".
لكن نسي هؤلاء أن جبهة الجولان المحتل هي الأكثر هدوءًا منذ عام 1974م بين جميع الجبهات العربيَّة، فالجولان السوري لم تطلقْ فيه طلقة واحدة منذ أن بسط الصهاينة أيديهم عليه، فما كان من القيادة البعثيَّة السوريَّة سوى نصب منصات في المنطقة المحاذية للجولان واصفة الوادي الموجود في المنطقة بوادي الصراخ، حيث يتخاطب أهل الجولان فيما بينهم ويأتي القوميون العرب كسياح ليشاهدوا تلك المهزلة، فلماذا لا يسمح النظام السوري للمقاومة الفلسطينيَّة أن تشنَّ عمليات من داخل التراب السوري لتحرير الجولان وفلسطين التي يتباكى عليها صباح مساء؟
ونسي المتعاطفون مع إعلام النظام السوري أيضًا الإشادات الغربيَّة بحسن التعاون السوري في مجال "مكافحة الإرهاب"، ونسوا مشاركة الجيش السوري إلى جانب الأمريكيين في حرب "عاصفة الصحراء" ضد العراق، ونسوا قتال الوحدات السورية للفلسطينيين في لبنان مباشرةً وبالواسطة في سائر المخيمات ولسنوات طويلة، وحتى لو كان نظام البعث السوري داعمًا للمقاومة فإن هذا لا يبرِّر قتل متظاهر سلمي واحد، فما بالنا بنظام قتل عشرات الألوف من السوريين؟
والعقبة الثالثة أمام الثورة السوريَّة هي ترويج كثير من العلمانيين العرب أنه يفضِّل أن يكون في سوريا نظام استبدادي على أن يحكمها نظام ديني، في إشارة لما يعتبرونه احتمال سيطرة السلفيين على الحكم في سوريا إن تهاوى حكم حزب البعث.
ونحن لا نرى في ذلك إلا تكرارًا لرفع الفزاعة الإسلاميَّة لتخويف الناس من الإسلاميين، وكل ما يقوله نظام البعث السوري في هذا الشأن ما هو إلا أكاذيب، فلم نجدْ في مشهد الثورة السوريَّة من يرفعون شعارات الحكم الإسلامي، ولم نجد إلا تظاهرات شعاراتها "الشعب السوري واحد" أو "حرية" أو "كرامة".
إن الخوف الذي يردِّده العلمانيون العرب من الاستبداد الديني مشروع، لكن لا يوجد حتى الآن ما يبرِّره، وشعوبنا الناضجة التي خرجت في مشاهد الثورات العربيَّة المتلاحقة أجدر على مواجهة هذا الاستبداد إن وُجد.
والعقبة الرابعة أمام الثورة السوريَّة هي قول البعض بوجوب تفادي الفوضى إن رحل نظام بشار، وهي حجَّة ساقطة ردَّدها قبلهم زبانية الطغيان في تونس ومصر، ولو استمرَّ نظام بشار ستزيد جرائمه كما يقول لنا الواقع وأحداث التاريخ.
لكن هذه العقبات لا ينبغي أن تفتَّ في عضد الثوار السوريين، وإنما فقط لكي يستعدوا للثبات والصبر، فهم يواجهون نظامًا قمعيًّا من الدرجة الأولى، تؤيِّده تشابكات إقليميَّة، وتوازنات إقليميَّة تحتاج إلى جهدٍ كبير لكي يقتنع العالم بضرورة تغييرها والانحياز للثورة.
فعلى الصعيد الداخلي السوري كان لافتًا ومهمًّا البيان الذي أصدره مائة مثقف وإعلامي سوري يدينون فيه الممارسات القمعيَّة للنظام السوري ضدّ المتظاهرين، مطالبين بحوار يضمُّ جميع أطياف الشعب السوري ويحقِّق مطالب التغيير السلمي، مترحمين على جميع شهداء الانتفاضة السوريَّة ضد النظام، ومؤكدين على حق التظاهر، متهمين ممارسات الإعلام السوري بالتضليل والكذب وعدم إظهار الحقيقة، منتقدين صمت الكثير من المثقفين السوريين الذين لم يكسروا بعد قيود الخوف، مطالبين إياهم بإعلان موقف واضح من الممارسات القمعيَّة للنظام السوري بوصفهم جزءًا من الشعب السوري البطل، ومن نخبة يفترض أن تكون سبَّاقة إلى قول الحقيقة وألا تبقى في مؤخرة الركب، وإلا فإنها ستبقى خارج التاريخ وحركته.
وعلى الصعيد العربي، كان موقف جامعة الدول العربيَّة معقولًا ويمكن أن يتطوَّر مع تطور الثورة، فأن تعلن الجامعة أنها "تتابع بقلق شديد التطورات الجارية في عدد متزايد من المدن العربيَّة التي تؤكد تصاعد الرغبة الشعبيَّة في العالم العربي لإحداث تغيير وتحديث مجتمعاتها، وعلى رأسها حق حرية التعبير وإنهاء سياسات القهر والتحرك نحو الديمقراطيَّة والإصلاح، وأن مقاومة حركة التغيير التاريخيَّة هذه هو رهان خاسر، وتعلن إدانته وتطالب النظم والحكومات العربيَّة الالتزام بالإصلاح والإسراع في تنفيذه ووقف استخدام العنف ضدّ المتظاهرين فورًا، وحقْن الدماء الزكيَّة التي ينزفها المواطنون"، هذا موقف جيِّد ويؤسِّس لما هو أفضل.
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2024, TranZ by Almuhajir
diamond