المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرئيس السابق والرئيس المخلوع


عفراء
12-03-2011, 18:16
الحكمة يمانية، وقد تجلت هذه الحكمة في نصيحة قدمها أحد الشباب اليمني لرئيسه مفادها: ارحل أيها الرئيس فأن يقال لك الرئيس السابق خيرٌ لك من أن يقال لك الرئيس المخلوع.
ولئن كانت النصيحة سابقاً تُشتَرى بذبيحة والآن أصبحت فضيحة، لكنها نصيحة من شاب جرت على لسانه الحكمة، اختصرت الكثير من الكلام حول ما يمكن أن يُقال لهؤلاء الزعماء الذين جثموا على صدور شعوبهم قروناً من الزمان، أروهم فيها شتى أصناف القهر والفقر والعذاب حتى أصبحت دولنا أضحوكة بين الأمم إن المستوى العلمي أم الصناعي أم الثقافي وغيره.
ولا نريد أن نتغنى بماضينا الذي أضعناه، لكننا نقول إن الأمم الحية لا يمكن أن ترضى بالدون، ولن تستمرئ حياة التبعية أبداً، ولئن ابتليت بضعف أو بذلة فلن تلبث أن تنتفض في أقرب فرصة تجدها سانحة، لتعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس، ومهما حاول أعداؤها مسخها وإبقاءها ذليلة تابعة فلن تفلح، فهذه الانتفاضة الأولى مثلاً والتي اندلعت شرارتها في أرض فلسطين حصلت في عام 1987 والذي قام بها هو الجيل الذي وُلِد مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1967، والذي ظننا أنه تَخَلَّق بأخلاق اليهود وسار وفق ما يريدون، وهذا العراق الذي ظن العملاء والمستعمرون الجدد أن الشعب الذي عانى من رئيسه حينها سينثر عليهم الورود والرياحين عند احتلاله بلدهم، فتفاجؤوا بالمقاومة المجاهدة الباسلة التي وقفت لهم بالمرصاد حتى أجبرتهم على جدولة انسحابهم، وهناك أمثلة كثيرة.
هذه النصيحة لكل صاحب مسؤولية يُقَوِّم نفسه بصدق، فيجد أنه ليس أهلاً للمسؤولية التي يتحملها أن يشعر بأن المسؤولية غُرْم وليس غُنْما، وأن الدار الآخرة هي للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا، وخير للإنسان أن يحاسب نفسه قبل أن يُحاسَب، فأن يقال سابق خيرٌ من أن يقال مخلوع أو مطرود أو مُقال.
يا ليتنا نجعل هذه النصيحة أمام ناظرينا فنكون مبادرين، فالمرء الذي ليس أهلاً لِتَحَمُّل مسؤوليته لماذا لا يُريح ويستريح، والحاكم الذي لا يريده شعبه لا يجب أن يعتقد بأن الأمة عقيمة عن ولادة أمثاله، وكم من الدول سَلَّمَتْ مقاليد الحكم فيها لآخرين فما تحللت وما انهارت، ولا شاعت فيها الفوضى، ولا اعتقد أن هذه الملايين التي خرجت في تونس ومصر وليبيا وغيرها من دولنا لم تصل إلى درجة الرشد لتسوس أمورها كما يتصور البعض، بل هي جديرة بالاحترام والتقدير، وبظني أن حالها سيكون أحسن بغياب هؤلاء الذين حكموها بالحديد والنار وأذاقوها الويلات، وما يدلل على ذلك أن كثيراً من المسيرات والاعتصامات المليونية لم يحدث بسببها أي مشكلة ذات وزن.
أما بالنسبة للشعوب فلا بد أن لا ترتضي أن يأتي التغيير على ظهر دبابة أو طائرة أجنبية أو عملاء هؤلاء القتلة الذين ولغوا في دماء شعوبنا، وعانت منهم أمتنا في (العراق والصومال وفلسطين وأفغانستان وغيرها)، ولا يجب أن نسمح لهم بإيهام البعض بأن تدخلهم جاء لحمايتهم، فهؤلاء الذين أبادوا ملايين المسلمين في بلدانٍ شتى من الخطأ بل الخطيئة أن نفسح لهم المجال ليذرفوا علينا دموع التماسيح، وكم كنّا نتمنّى -وكتبنا ذلك سابقاً- أن لو كان التغيير في العراق على أيدي شعب العراق الماجد، لكن لا بد أن نتعلم من أخطائنا فنكون أصحاب الإرادة والفعل بعون الله، فشعوبنا أهلاً لكل خير، وتاريخها يشهد على ذلك، وقد قال قائلهم سابقاً:
ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
أما هؤلاء الرؤساء الذين قررت شعوبهم تغييرهم فخيرٌ لهم أن يقبلوا نصيحة ذلك الشاب، فأن يقال الرئيس السابق خيرٌ من أن يقال الرئيس المخلوع أو المنتحر، مع تقديرنا للمشير الرئيس عبد الرحمن سوار الذهب.


د. ابراهيم الدعمة