أنيسة
19-11-2010, 12:55
بسم الله الرحمان الرحيم
ألم نجعل له عينين؟ ولسانًا وشفتين؟
أمرنا الله - تعالى - في آياتٍ كثيرة بأنْ نتفكرَ، وأن نتدبر في أنفسنا، وفي الآفاق، وفي الأحياء والأموات، وكل ما نراه أمامنا هو موضع عِبْرة، وموضع تفكُّر، ولو تفكَّر الإنسَان، لازدادَ يَقينًا، وازداد توحيدًا، وطاعة لله - سبحانه وتعالى، ولو تفكَّر الإنسان في ربه - سبحانه وتعالى - لآمن به، وازداد به يقينًا ومَعرفة.
ولهذا قال من قال من السلف: "اعرف نفسك، تعرف ربك"، فإذا عرفت ضعفَك عرفت قوة الله - سبحانه وتعالى، وإذا عرفت جهلَك عرفت علمَ الله - سبحانه تعالى، وإذا عرفت ذنوبك عرفت رحمةَ الله - سبحانه وتعالى - بك ولطفه، وأنَّه لم يهلكْكَ بهذه الذنوب، ولم يؤاخذك بها، بل تركك؛ لعلك تتوب، وإذا عرفتَ تقصيرك، عرفتَ كرمَ الله ومنَّه عليك بالنعم والخيرات، التي تتتابع وتَتَوالى وأنت في غفلةٍ عنها، ولا تدري ولا تحسب لها أيَّ حساب، ولو فقدت واحدة منها، لتغيرتْ حياتُك جميعها.
روى الحافظ ابن عساكر عن مكحول قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يقول اللَّه - تعالى -: يا ابنَ آدم، قد أنعمتُ عليك نعمًا عظامًا، لا تُحصي عددَها، ولا تطيق شكرَها، وإنَّ مِمَّا أنعمتُ عليك أنْ جعلت لك عينين تنظر بهما، وجعلت لهما غطاءً، فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك، وإن رأيتَ ما حرمتُ عليك فأطبق عليهما غطاءَهما، وجعلت لك لسانًا، وجعلت له غِلافًا، فانطق بما أمرتُك وأحللت لك، فإنْ عَرَضَ لك ما حَرَّمت عليك، فأغلق عليك لسانك، وجعلت لك فرجًا، وجعلت لك سترًا، فأصب بفرجك ما أحللت لك، فإن عَرَض لك ما حرمت عليك، فأَرْخِ عليك سترك، يا ابن آدم، إنَّك لا تَحَمَّلُ سخطي، ولا تُطيق انتقامي))؛ "أخرجه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي الربيع الدمشقي".
"حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾ [البلد: 8 - 9] نِعَم من الله متظاهرة، يقررك بها؛ كيما تشكره"؛ (تفسير الطبري).
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 8 - 10].
"إنَّ الإنسان يغترُّ بقوته، والله هو المنعم عليه بهذا القَدْر من القوة، ويضنُّ بالمال، والله هو المنعم عليه بهذا المال، ولا يهتدي ولا يشكر، وقد جعل له من الحواسِّ ما يهديه في عالم المحسوسات، جعل له عينين على هذا القدر من الدِّقَّة في تركيبهما، وفي قدرتهما على الإبصار، ومَيَّزه بالنطق، وأعطاه أداته المحكمة؛ ﴿ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾ [البلد: 9]"؛ (تفسير في ظلال القرآن).
"ألَم نَجعل له عينين؟ فلينظر بهما مَن حَمل السمواتِ والأرض؟ أليس ذلك بقادرٍ على حمل أثقاله؟ فلْيُرح نفسَه مِن تعب التدبير، فما قام به عنه غيرُه لا يقوم به هو عن نفسه، وجعلنا له لسانًا يشكر به نِعَمَ مولاه، وشفتين يصمت بهما عَمَّا لا يعنيه"؛ (تفسير البحر المديد، لابن عجيبة).
جاء في تفسير الجلالين: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ ﴾ استفهام تقريري؛ أي: جعلنا له (عينين) يُبصر بهما، (ولسانًا) ينطق به، فيعبر عما في ضميره.
(وشفتين) يستعينُ بهما على الكلام، وأكل الطعام، وجمالاً لوجهه وفمه.
إنَّ هذا السؤالَ التقريريَّ يؤكد أنَّ هذه الأعضاء الخِلْقية هي مصدر التحرُّك السلوكي.
فالعينُ ليستْ وَسيلةً للمُشاهدة فقط، ولكنَّها كذلك عقلُه الذي يرى به، وعاطفته التي تحيي إليه اللَّذة، وتشكل مجموعةَ مواقف عصَبية.
في حين يبقى اللسان هو الأداة التي تنقل إلى الآخرين لغةَ العين من الناحية المرئية والتأمُّلية.
وبذلك نجد أنَّ العين في القرآن الكريم تُصْبِح حُجَّة على صاحبها يومَ القيامة؛ ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
نعمة النظر
نعمة النظر هي النِّعمة رقم واحد في أعضاء الإنسان التي جعلها الله - عزَّ وجلَّ - لنا؛ لأنَّها هي النعمة التي بها تستطيع أن تقومَ بكل أعمالك على أكمل وجه، فجعلها لنا ربُّ العباد؛ كي نرى كلَّ جميل، وكي نعمل، وكي نقوم بمسؤوليات حياتِنا كافَّة على أكمل وجه؛ بسبب هذه النعمة.
http://www.alukah.net/UserFiles/2050.JPG
• لا تعجب - أيُّها القارئ - إنْ قلت لك: إنَّ في العين الواحدة حوالَيْ 140 مليون مستقبلٍ حَسَّاس للضوء، وهي تُسمَّى بالمخاريط والعصبيَّات، وطبقة المخاريط والعصبيَّات هذه واحدة من الطبقات العَشْر التي تشكل شبكةَ العين، والتي يبلغ سُمكها بطبقاتها العشر 0.4 ملليمتر.
• ولا تعجب إذا قلت لك: إنَّ العينَ يَخرج منها نصفُ مليون ليف من العصبيات تنقل الصورة بشكل ملون (التليفزيون الملون).
• ولا تعجب إذا قلت لك: إنَّ العينَ ككاميرا تلتقط حوالَيْ 20 صورة في الثانية الواحدة، فتتكوَّن الصورةُ على الفيلم الذي هو الشبكيَّة، وتكون مقلوبةً مُصغرة، ثم تذهب إلى معمل التحميض والطبع في معمل المخ (المنطقة 18، 19)، فيعدلها ويَجعلها في حجمها الطبيعي في أقل من 1/20 من الثانية الواحدة.
ولكي تشكر الله - عزَّ وجلَّ - على هذه النعمة الجميلة يجب عليك أن:
• تكحل عينيك بقراءة القرآن يومِيًّا.
• وتكحل عينيك بقراءة السيرة العَطِرة لرسولنا الكريم، والصحابة، والتعرُّف على حياتهم، والاقتداء به وبهم.
• تكحل عينيك بقراءة قصص الأنبياء العظماء.
• تكحل عينيك بطلب العلم؛ لأَنَّ خير جليس في الأنام كتاب.
• والشكر الأكبر على هذه النعمة أنْ تغُضَّ بصرَكَ، فقد جعل الله - عزَّ وجلَّ - لنا النظر؛ لكي يكونَ نعمةً، وليس نقمة، فلا تستخدمه في رُؤية القبيح ومُشاهدة الإباحِيَّات وعمل المنكرات.
• لا تستخدم نعمَةَ البصر لرؤية القبيح من أفعالِ الناس، وهَتْك سترهم وعرضهم، فكل نعمة أنعم بها الله - عزَّ وجلَّ - نجعلها للخير، ولا نستعين بها على المعاصي.
نعمة اللسان والشفتين
اللسان عضو عضلي يوجد في الفم يشتمل تركيبه على مُستقبلات المواد الكيميائية المختلفة، التي يتناولها الإنسان عن طريق الفم في طعامه وشرابه ودوائه... إلخ، وبواسطة هذه المستقبلات نُحِس طعمَ المواد، وذلك من حيث الحلاوة، أو الملوحة، أو المرارة، أو الحموضة.
يُضيف بعضُ العلماء الإحساس بالقلوية وبطعم المعادن, أمَّا النكهات العديدة التي نعرفها للمأكولات، فهي مزيج من أنواع الأحاسيس بالحلاوة، والملوحة، والحموضة، والمرارة، وغيرها.
يَمتاز الغشاءُ المخاطي المبطن للسان بوجود بروزات دقيقة تُدْعَى الحلمات، بعضُها على شكل خيوط بسيطة تُسمَّى الحلمات الخيطية، أو على شكل خيوط متغصنة تسمَّى الحلمات التويجية، وهي حلمات تتخصص باللمس, كما توجد حلماتٌ عديدة جدًّا بشكل فطر الكمأة تدعى الحلمات الفطرية صغيرة الحجم، تتركز فيها براعمُ الذوق للمواد الحلوة والمالحة والحامضة, كذلك يوجد في قاعدة اللسان حلمات كبيرة الحجم نسبيًّا على شكل حرف V تسمى الحلمات الكأسية (العدسية)، وتوجد مترتبة تتركز في جدرانها براعمُ الذوق للمواد المرة.
http://www.alukah.net/UserFiles/2051.JPG
ويشتمل اللسان على 17 عضلة تحركه إلى كُلِّ الاتجاهات، وثلاثة أعصاب؛ لتنظيم نقل الحس، وعلى سطحه يوجد 900 نتوء ذوقي؛ لمعرفة طعم الحلو والحامض والمر والمالح؛ فالإحساسُ بالمرارة يَحصل في مُؤخرة اللسان، وبالحموضة على جانبيه، وبالملوحة على كامل سطحه، ولاسيما في مُقدمته، وبالحلاوة على رأسه، ولا تتمازج جميعُ الطعوم بعضها مع بعض، غَيْرَ أنَّ المر والحلو يَمتزجان، فيولدان إحساسًا موحدًا، كذلك الحامض والملح، فسبحان الذي خلق هذا العضو الذواق الكثير المنافع.
كما أنَّ حركةَ اللسان في أي اتجاه ينتج عنها حرفٌ مُعَين، وبذلك يستطيع الإنسان أن ينطقَ بفصاحة.
وظائف اللسان
• يساعد في مضغ الطَّعام، وذلك بدفع الطعام.
• يساعد على مزج الطَّعام مع اللُّعاب نحو الأسنان.
• هو عضو المَذَاق.
• يساعد على جعل لقمة الطعام على شكل (كرة)، ويرشد اللقمة إلى فتحة البلعوم.
• يُبقي الأسنانَ نظيفة بحمايتها من تجمُّع الحُمُوض عليها أو تسوسها.
• لا ننسى أهميته للكلام ومخارج الحروف.
• الإحساس باللمس والألم والمرارة.
صحة اللسان
هل سألت نفسَك مرة واحدة: لماذا يُصرُّ الأطباءُ أثناء زيارتنا لهم في العيادة على طلبهم الدَّائم بفتح الفم ومد اللسان... مَن مِنَّا لَم يسمعْ كلمةَ (افتح فمك)؟ أكيد لا أحد.
يسألُك الطبيب أنْ تُخرج لسانَك عند الفحص، وذلك للأسباب التالية: لأنَّه إذا كان لونُ لسانك يَميل إلى الاصفرار، فهذا دليلٌ على أنَّ نسبة الصفراء عالية في الدم، أمَّا إذا كان لون لسانك يَميل إلى الزُّرقة، فهذا يدُلُّ على وجود مرضٍ بالقلب أو الجهاز التنفسي.
إذا كان لونُ اللسان أحمر ورديًّا، فهذا يدل على الصحة.
إذا كان لونُ اللسان باهتًا، فذلك يدُلُّ على وجود أنيميا، أمَّا إذا كان يكسو اللسان طبقةٌ بيضاء، فهذا يدل على وجود حُمَّى واضطراب في الهضم، أمَّا إذا كان هنالك رَعْشَة في اللسان عند إخراجه من الفم، فهذا يدُلُّ على وجود تسمُّم أو توتر عصبي.
واللسان هو أخطرُ جارحة في الإنسان، فهو ترجمان قلبه، وكاشف صلاحه أو عَيْبه؛ ولذا حَذَّر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أحاديثَ كثيرة من شرور اللسان، ونصح أمته من أعطابه ومهالكه، وجعل إمساكه هو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، فعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسولَ الله، ما النجاة؟ قال: ((أمسك عليك لسانَك، وليسعْك بيتك، وابكِ على خطيئتك))؛ (رواه الترمذي وحسنه).
فما شرور اللسان؟ وكيف للمسلم أن يتخطاها؟
مهالك اللسان:
الغِيبة:
وهي أن تذكرَ المسلم بما يكره في غَيْبَته، وتَحريمها مما يستوي في العلم بين العامَّة والخاصَّة، والجاهل والمتعلم، كما أنَّها من الكبائر التي قَلَّ مَن يسلم من مَغبَّاتِها، نسأل الله العفو والعافية، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أتدرون ما الغِيبة؟)) قالوا: الله ورسولُه أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره، وإن لم يكن فيه ما تقول، فقد بَهتَّه))؛ (رواه مسلم).
وهي من أمراض القلوب وأسقامها، ومن العادات السيئة التي تُعَدُّ من الأمراض النفسية أو التربوية، فكثيرٌ مِمَّن يقَعون في أعراضِ الناس بالغِيبة والبُهتان يكون دافعهم لذلك البُغْض والحسد، أو الانتقام للنَّفس، وقَلَّ أن يكون ذلك عارضًا لسوء التربية ومَساوئ الأخلاق.
ومهما يكن دافع الغِيبة، فهي كبائر نَهى الله عنها، فقال: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12].
النميمة:
فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يدخل الجنة نَمَّام))؛ (رواه البخاري ومسلم).
والنميمة هي القالة بين الناس، ونقل الأخبار بينهم على جهة الإفساد، ولا يُبتلى بها أحد إلاَّ كان عاقبته ذلاًّ وهوانًا بين الخلق.
القذف:
وهو من أخطر الكبائر التي يعجل الله عليها العقوبة، فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، فقوله - سبحانه -: ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ دليلٌ على أنَّ قذفَ المسلم واتِّهامه بما هو بريء منه، أو إشاعة ما تاب منه من السيئات، وكشفها، ونشرها بين الناس - من أسباب نُزُول العذاب المؤلم الغليظ العنيف، والعاقل الذي يطلُب السلامةَ في الدُّنيا، والنجاةَ في الآخرة هو مَن كفَّ لسانَه عن خَلْقِ الله، فلا يتتبع عَوْرَاتِهم، ولا يَجرؤ على اتِّهامهم، بل يذود عن كلِّ مَن يسمع عنه من السوء بغير موجب ولا دليل؛ ليُرَدَّ عنه في موطن يُحِبُّ أن يُنْصَر هو فيه، كما أخبر بذلك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن رَدَّ عن عِرْض أخيه، رَدَّ الله عن وجهه النارَ يومَ القيامة))؛ (رواه الترمذي وحسنه).
ولطالما أوقع إبليسُ الكثيرَ من الناس في الوقوع في أعراض المسلمين، والنَّيل منهم في دينهم وعرضهم، حتى في شكلهم وأحوال بيوتهم، وهذا لا يعجب منه من نَوَّره الله بالفقه في دِينه، فإنَّ عامَّةَ أهلِ النار إنَّما دخلوها بغَفْلتِهم عن خُطُورة اللسان وآفاتِ الكلام والبُهتان.
الهمز:
وقد نهى الله - جَلَّ وعلا - عنه بقوله: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1]، والهمز أيضًا يُطْلَق على الغيبة، والجامع بين الهمز والغيبة هو ذكر المعايب، بينما يَفترقان في طريقة عَرض تلك المعايب؛ ولذلك فإنَّ الهمزَ واللمز نوعٌ من أنواعِ الغيبة، وكلاهما في الويل يومَ القيامة، والويلُ وادٍ في جهنم.
والرجل الهُمَزَة رجلٌ مغرور بفطنةٍ جوفاء، يظل يتمرس على أسلوب الغيبة بالإشارة، وإدخال المعاني في قوالب المباني، ويُجهد نفسَه في اختيارِ الأمثال؛ ليظفَرَ بإيذاء الناس في المجالس مع طلب براءة الحال، وهو في كلِّ ذلك يطلُب لنفسه الشقاوة، ويَجلب لنفسه التَّعاسة والندامة، فهو الموعود بالويل، ولا فطنةَ لمن يطرقُ أسبابَ الويل؛ ولذا أخي الكريم، احذر من الغرور... وتذكَّر أنَّ الفطنةَ كل الفطنة في أنْ تكفَّ عليك لسانك، وألا توظف رموش عينيك في إيذاء خلق الله، ولا أطراف أصابعك في تعيُّبهم، ولا صفحات وجهك في التنقيص من شأنِهم.
الكذِب وشهادة الزور:
فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "((أربع مَن كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خَصلة منهم، كانت فيه خَصلة من نفاق حتى يدعَها: إذا اؤتُمن خان، وإذا حَدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))؛ (متفق عليه)، وعن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألاَ أنبئكم بأكبرِ الكبائر؟))، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراكُ بالله وعقوقُ الوالدين))، وكان متكئًا فجلس، فقال: ((ألاَ وقول الزور))، فما زال يُكررها حتى قلنا: ليته سكت"؛ (متفق عليه).
الفحش والكلام الباطل:
فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يومَ القيامة من حُسن الخلق، وإنَّ الله يبغض الفاحش البذيء))؛ (رواه الترمذي)، والفاحش البذيء هو الذي يتكلم بالفُحش ورَديء الكلام، فهذه أخطرُ آفات اللسان وأشدها فتكًا بدين المسلم، وخلقه، وعاقبته.
فاحذر - أخي المسلم - من الوقوع في براثنها، وتَذَكَّر أنَّ الله وَهَبك نعمةَ اللسان؛ لكي تسخرها في عبادته وطاعته، وتستثمرها في أعمالِ الخير والبركة؛ لتكونَ لك نَجاة يومَ القيامة، فكيف يتقي المسلم شَرَّ لسانه؟ وكيف يوظفه لصالحه؟
عبادات اللسان:
الصمت:
فالصمت بنية الإمساك عن الشرِّ عبادة يتقرب بها المسلم إلى رَبِّه، ويرجو بها عتق نفسه من النار، ففي الحديث قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت))، فقَرَن رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بين أصلٍ من أصول الإيمان العظيمة، وأصل من أصول النَّجاة في الحياة وهو الصمت.
والصمتُ المحمود ليس الصمت مُطلقًا، وإنَّما ما كان بديلاً عن الكلام بالشرِّ، وما يلحق الأذى بالخلق، أمَّا الصمتُ عن كلام الخير والقول الحسن والكلمة الطيبة، كالنَّصيحة، والإرشاد إلى الخير، فالصمت عنه من خصال الجاهلية، وليس من الخير في شيء.
ذكر الله - عزَّ وجلَّ -:
فهو من أفضلِ الأعمال وأزكاها عند الله: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))؛ (رواه البخاري ومسلم)، ولو تأملت - أخي الكريم - في كثيرٍ من الأذكار، ومدى خِفَّتها على اللسان، وما أعَدَّه الله لأهلها من الثَّواب، لعلمت أنَّ توظيفَ اللسان في ذكر الله من أعظمِ النعم، التي ينبغي للعاقل الحرصُ عليها، وهذا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((أيَعْجِز أحدُكم أن يكسبَ في كل يومٍ ألفَ حسنة؟))، فسأله سائلٌ من جُلسائه: كيف يكسب ألفَ حسنة؟ قال: ((يسبح مائة تسبيحة، فيُكْتَبُ له ألف حسنة، أو يحطّ عنه ألف خطيئة))؛ (رواه مسلم).
الكلمة الطيبة:
وتشمل حُسْنَ الكلام وانتقاءَه، كما يُنتقى التمر الطيبُ من بين التمور، وقد أمر الله - جَلَّ وعلا - به، فقال: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الكلمة الطيبة صدقة)).
ويدخل في الكلمة الطيبة الأمرُ بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس، وذكرهم بالخير، والصِّدْق في الكلام والمعاملات، والنَّصيحة، والتناجي بالخير، وإرشاد الضَّال، وتعليم العلم النافع.
حقًّا إنَّ كل شيء داخلَ الجسم البشري ينطق ويشهد بوجود الله وقُدرته.
ولو تابعنا التعرُّف على دقائق جسم الإنسان، وما فيه من عجائب وغرائب، لأَصَابَتْنا الدَّهشة، وانتابنا الذُّهول.
وعلينا أنْ نتلوَ ونُردِّد بعضَ الآيات القرآنية، التي تَصِفُ خلق الإنسان الباهر، والكون العجيب؛ لعلنا نقدر اللهَ حَقَّ قدره، مثل قوله - تعالى -: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53].
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [لقمان: 11].
﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 4].
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].
م/ن للأمانة
ألم نجعل له عينين؟ ولسانًا وشفتين؟
أمرنا الله - تعالى - في آياتٍ كثيرة بأنْ نتفكرَ، وأن نتدبر في أنفسنا، وفي الآفاق، وفي الأحياء والأموات، وكل ما نراه أمامنا هو موضع عِبْرة، وموضع تفكُّر، ولو تفكَّر الإنسَان، لازدادَ يَقينًا، وازداد توحيدًا، وطاعة لله - سبحانه وتعالى، ولو تفكَّر الإنسان في ربه - سبحانه وتعالى - لآمن به، وازداد به يقينًا ومَعرفة.
ولهذا قال من قال من السلف: "اعرف نفسك، تعرف ربك"، فإذا عرفت ضعفَك عرفت قوة الله - سبحانه وتعالى، وإذا عرفت جهلَك عرفت علمَ الله - سبحانه تعالى، وإذا عرفت ذنوبك عرفت رحمةَ الله - سبحانه وتعالى - بك ولطفه، وأنَّه لم يهلكْكَ بهذه الذنوب، ولم يؤاخذك بها، بل تركك؛ لعلك تتوب، وإذا عرفتَ تقصيرك، عرفتَ كرمَ الله ومنَّه عليك بالنعم والخيرات، التي تتتابع وتَتَوالى وأنت في غفلةٍ عنها، ولا تدري ولا تحسب لها أيَّ حساب، ولو فقدت واحدة منها، لتغيرتْ حياتُك جميعها.
روى الحافظ ابن عساكر عن مكحول قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يقول اللَّه - تعالى -: يا ابنَ آدم، قد أنعمتُ عليك نعمًا عظامًا، لا تُحصي عددَها، ولا تطيق شكرَها، وإنَّ مِمَّا أنعمتُ عليك أنْ جعلت لك عينين تنظر بهما، وجعلت لهما غطاءً، فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك، وإن رأيتَ ما حرمتُ عليك فأطبق عليهما غطاءَهما، وجعلت لك لسانًا، وجعلت له غِلافًا، فانطق بما أمرتُك وأحللت لك، فإنْ عَرَضَ لك ما حَرَّمت عليك، فأغلق عليك لسانك، وجعلت لك فرجًا، وجعلت لك سترًا، فأصب بفرجك ما أحللت لك، فإن عَرَض لك ما حرمت عليك، فأَرْخِ عليك سترك، يا ابن آدم، إنَّك لا تَحَمَّلُ سخطي، ولا تُطيق انتقامي))؛ "أخرجه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي الربيع الدمشقي".
"حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾ [البلد: 8 - 9] نِعَم من الله متظاهرة، يقررك بها؛ كيما تشكره"؛ (تفسير الطبري).
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 8 - 10].
"إنَّ الإنسان يغترُّ بقوته، والله هو المنعم عليه بهذا القَدْر من القوة، ويضنُّ بالمال، والله هو المنعم عليه بهذا المال، ولا يهتدي ولا يشكر، وقد جعل له من الحواسِّ ما يهديه في عالم المحسوسات، جعل له عينين على هذا القدر من الدِّقَّة في تركيبهما، وفي قدرتهما على الإبصار، ومَيَّزه بالنطق، وأعطاه أداته المحكمة؛ ﴿ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾ [البلد: 9]"؛ (تفسير في ظلال القرآن).
"ألَم نَجعل له عينين؟ فلينظر بهما مَن حَمل السمواتِ والأرض؟ أليس ذلك بقادرٍ على حمل أثقاله؟ فلْيُرح نفسَه مِن تعب التدبير، فما قام به عنه غيرُه لا يقوم به هو عن نفسه، وجعلنا له لسانًا يشكر به نِعَمَ مولاه، وشفتين يصمت بهما عَمَّا لا يعنيه"؛ (تفسير البحر المديد، لابن عجيبة).
جاء في تفسير الجلالين: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ ﴾ استفهام تقريري؛ أي: جعلنا له (عينين) يُبصر بهما، (ولسانًا) ينطق به، فيعبر عما في ضميره.
(وشفتين) يستعينُ بهما على الكلام، وأكل الطعام، وجمالاً لوجهه وفمه.
إنَّ هذا السؤالَ التقريريَّ يؤكد أنَّ هذه الأعضاء الخِلْقية هي مصدر التحرُّك السلوكي.
فالعينُ ليستْ وَسيلةً للمُشاهدة فقط، ولكنَّها كذلك عقلُه الذي يرى به، وعاطفته التي تحيي إليه اللَّذة، وتشكل مجموعةَ مواقف عصَبية.
في حين يبقى اللسان هو الأداة التي تنقل إلى الآخرين لغةَ العين من الناحية المرئية والتأمُّلية.
وبذلك نجد أنَّ العين في القرآن الكريم تُصْبِح حُجَّة على صاحبها يومَ القيامة؛ ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
نعمة النظر
نعمة النظر هي النِّعمة رقم واحد في أعضاء الإنسان التي جعلها الله - عزَّ وجلَّ - لنا؛ لأنَّها هي النعمة التي بها تستطيع أن تقومَ بكل أعمالك على أكمل وجه، فجعلها لنا ربُّ العباد؛ كي نرى كلَّ جميل، وكي نعمل، وكي نقوم بمسؤوليات حياتِنا كافَّة على أكمل وجه؛ بسبب هذه النعمة.
http://www.alukah.net/UserFiles/2050.JPG
• لا تعجب - أيُّها القارئ - إنْ قلت لك: إنَّ في العين الواحدة حوالَيْ 140 مليون مستقبلٍ حَسَّاس للضوء، وهي تُسمَّى بالمخاريط والعصبيَّات، وطبقة المخاريط والعصبيَّات هذه واحدة من الطبقات العَشْر التي تشكل شبكةَ العين، والتي يبلغ سُمكها بطبقاتها العشر 0.4 ملليمتر.
• ولا تعجب إذا قلت لك: إنَّ العينَ يَخرج منها نصفُ مليون ليف من العصبيات تنقل الصورة بشكل ملون (التليفزيون الملون).
• ولا تعجب إذا قلت لك: إنَّ العينَ ككاميرا تلتقط حوالَيْ 20 صورة في الثانية الواحدة، فتتكوَّن الصورةُ على الفيلم الذي هو الشبكيَّة، وتكون مقلوبةً مُصغرة، ثم تذهب إلى معمل التحميض والطبع في معمل المخ (المنطقة 18، 19)، فيعدلها ويَجعلها في حجمها الطبيعي في أقل من 1/20 من الثانية الواحدة.
ولكي تشكر الله - عزَّ وجلَّ - على هذه النعمة الجميلة يجب عليك أن:
• تكحل عينيك بقراءة القرآن يومِيًّا.
• وتكحل عينيك بقراءة السيرة العَطِرة لرسولنا الكريم، والصحابة، والتعرُّف على حياتهم، والاقتداء به وبهم.
• تكحل عينيك بقراءة قصص الأنبياء العظماء.
• تكحل عينيك بطلب العلم؛ لأَنَّ خير جليس في الأنام كتاب.
• والشكر الأكبر على هذه النعمة أنْ تغُضَّ بصرَكَ، فقد جعل الله - عزَّ وجلَّ - لنا النظر؛ لكي يكونَ نعمةً، وليس نقمة، فلا تستخدمه في رُؤية القبيح ومُشاهدة الإباحِيَّات وعمل المنكرات.
• لا تستخدم نعمَةَ البصر لرؤية القبيح من أفعالِ الناس، وهَتْك سترهم وعرضهم، فكل نعمة أنعم بها الله - عزَّ وجلَّ - نجعلها للخير، ولا نستعين بها على المعاصي.
نعمة اللسان والشفتين
اللسان عضو عضلي يوجد في الفم يشتمل تركيبه على مُستقبلات المواد الكيميائية المختلفة، التي يتناولها الإنسان عن طريق الفم في طعامه وشرابه ودوائه... إلخ، وبواسطة هذه المستقبلات نُحِس طعمَ المواد، وذلك من حيث الحلاوة، أو الملوحة، أو المرارة، أو الحموضة.
يُضيف بعضُ العلماء الإحساس بالقلوية وبطعم المعادن, أمَّا النكهات العديدة التي نعرفها للمأكولات، فهي مزيج من أنواع الأحاسيس بالحلاوة، والملوحة، والحموضة، والمرارة، وغيرها.
يَمتاز الغشاءُ المخاطي المبطن للسان بوجود بروزات دقيقة تُدْعَى الحلمات، بعضُها على شكل خيوط بسيطة تُسمَّى الحلمات الخيطية، أو على شكل خيوط متغصنة تسمَّى الحلمات التويجية، وهي حلمات تتخصص باللمس, كما توجد حلماتٌ عديدة جدًّا بشكل فطر الكمأة تدعى الحلمات الفطرية صغيرة الحجم، تتركز فيها براعمُ الذوق للمواد الحلوة والمالحة والحامضة, كذلك يوجد في قاعدة اللسان حلمات كبيرة الحجم نسبيًّا على شكل حرف V تسمى الحلمات الكأسية (العدسية)، وتوجد مترتبة تتركز في جدرانها براعمُ الذوق للمواد المرة.
http://www.alukah.net/UserFiles/2051.JPG
ويشتمل اللسان على 17 عضلة تحركه إلى كُلِّ الاتجاهات، وثلاثة أعصاب؛ لتنظيم نقل الحس، وعلى سطحه يوجد 900 نتوء ذوقي؛ لمعرفة طعم الحلو والحامض والمر والمالح؛ فالإحساسُ بالمرارة يَحصل في مُؤخرة اللسان، وبالحموضة على جانبيه، وبالملوحة على كامل سطحه، ولاسيما في مُقدمته، وبالحلاوة على رأسه، ولا تتمازج جميعُ الطعوم بعضها مع بعض، غَيْرَ أنَّ المر والحلو يَمتزجان، فيولدان إحساسًا موحدًا، كذلك الحامض والملح، فسبحان الذي خلق هذا العضو الذواق الكثير المنافع.
كما أنَّ حركةَ اللسان في أي اتجاه ينتج عنها حرفٌ مُعَين، وبذلك يستطيع الإنسان أن ينطقَ بفصاحة.
وظائف اللسان
• يساعد في مضغ الطَّعام، وذلك بدفع الطعام.
• يساعد على مزج الطَّعام مع اللُّعاب نحو الأسنان.
• هو عضو المَذَاق.
• يساعد على جعل لقمة الطعام على شكل (كرة)، ويرشد اللقمة إلى فتحة البلعوم.
• يُبقي الأسنانَ نظيفة بحمايتها من تجمُّع الحُمُوض عليها أو تسوسها.
• لا ننسى أهميته للكلام ومخارج الحروف.
• الإحساس باللمس والألم والمرارة.
صحة اللسان
هل سألت نفسَك مرة واحدة: لماذا يُصرُّ الأطباءُ أثناء زيارتنا لهم في العيادة على طلبهم الدَّائم بفتح الفم ومد اللسان... مَن مِنَّا لَم يسمعْ كلمةَ (افتح فمك)؟ أكيد لا أحد.
يسألُك الطبيب أنْ تُخرج لسانَك عند الفحص، وذلك للأسباب التالية: لأنَّه إذا كان لونُ لسانك يَميل إلى الاصفرار، فهذا دليلٌ على أنَّ نسبة الصفراء عالية في الدم، أمَّا إذا كان لون لسانك يَميل إلى الزُّرقة، فهذا يدُلُّ على وجود مرضٍ بالقلب أو الجهاز التنفسي.
إذا كان لونُ اللسان أحمر ورديًّا، فهذا يدل على الصحة.
إذا كان لونُ اللسان باهتًا، فذلك يدُلُّ على وجود أنيميا، أمَّا إذا كان يكسو اللسان طبقةٌ بيضاء، فهذا يدل على وجود حُمَّى واضطراب في الهضم، أمَّا إذا كان هنالك رَعْشَة في اللسان عند إخراجه من الفم، فهذا يدُلُّ على وجود تسمُّم أو توتر عصبي.
واللسان هو أخطرُ جارحة في الإنسان، فهو ترجمان قلبه، وكاشف صلاحه أو عَيْبه؛ ولذا حَذَّر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أحاديثَ كثيرة من شرور اللسان، ونصح أمته من أعطابه ومهالكه، وجعل إمساكه هو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، فعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسولَ الله، ما النجاة؟ قال: ((أمسك عليك لسانَك، وليسعْك بيتك، وابكِ على خطيئتك))؛ (رواه الترمذي وحسنه).
فما شرور اللسان؟ وكيف للمسلم أن يتخطاها؟
مهالك اللسان:
الغِيبة:
وهي أن تذكرَ المسلم بما يكره في غَيْبَته، وتَحريمها مما يستوي في العلم بين العامَّة والخاصَّة، والجاهل والمتعلم، كما أنَّها من الكبائر التي قَلَّ مَن يسلم من مَغبَّاتِها، نسأل الله العفو والعافية، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أتدرون ما الغِيبة؟)) قالوا: الله ورسولُه أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره، وإن لم يكن فيه ما تقول، فقد بَهتَّه))؛ (رواه مسلم).
وهي من أمراض القلوب وأسقامها، ومن العادات السيئة التي تُعَدُّ من الأمراض النفسية أو التربوية، فكثيرٌ مِمَّن يقَعون في أعراضِ الناس بالغِيبة والبُهتان يكون دافعهم لذلك البُغْض والحسد، أو الانتقام للنَّفس، وقَلَّ أن يكون ذلك عارضًا لسوء التربية ومَساوئ الأخلاق.
ومهما يكن دافع الغِيبة، فهي كبائر نَهى الله عنها، فقال: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12].
النميمة:
فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يدخل الجنة نَمَّام))؛ (رواه البخاري ومسلم).
والنميمة هي القالة بين الناس، ونقل الأخبار بينهم على جهة الإفساد، ولا يُبتلى بها أحد إلاَّ كان عاقبته ذلاًّ وهوانًا بين الخلق.
القذف:
وهو من أخطر الكبائر التي يعجل الله عليها العقوبة، فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، فقوله - سبحانه -: ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ دليلٌ على أنَّ قذفَ المسلم واتِّهامه بما هو بريء منه، أو إشاعة ما تاب منه من السيئات، وكشفها، ونشرها بين الناس - من أسباب نُزُول العذاب المؤلم الغليظ العنيف، والعاقل الذي يطلُب السلامةَ في الدُّنيا، والنجاةَ في الآخرة هو مَن كفَّ لسانَه عن خَلْقِ الله، فلا يتتبع عَوْرَاتِهم، ولا يَجرؤ على اتِّهامهم، بل يذود عن كلِّ مَن يسمع عنه من السوء بغير موجب ولا دليل؛ ليُرَدَّ عنه في موطن يُحِبُّ أن يُنْصَر هو فيه، كما أخبر بذلك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن رَدَّ عن عِرْض أخيه، رَدَّ الله عن وجهه النارَ يومَ القيامة))؛ (رواه الترمذي وحسنه).
ولطالما أوقع إبليسُ الكثيرَ من الناس في الوقوع في أعراض المسلمين، والنَّيل منهم في دينهم وعرضهم، حتى في شكلهم وأحوال بيوتهم، وهذا لا يعجب منه من نَوَّره الله بالفقه في دِينه، فإنَّ عامَّةَ أهلِ النار إنَّما دخلوها بغَفْلتِهم عن خُطُورة اللسان وآفاتِ الكلام والبُهتان.
الهمز:
وقد نهى الله - جَلَّ وعلا - عنه بقوله: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1]، والهمز أيضًا يُطْلَق على الغيبة، والجامع بين الهمز والغيبة هو ذكر المعايب، بينما يَفترقان في طريقة عَرض تلك المعايب؛ ولذلك فإنَّ الهمزَ واللمز نوعٌ من أنواعِ الغيبة، وكلاهما في الويل يومَ القيامة، والويلُ وادٍ في جهنم.
والرجل الهُمَزَة رجلٌ مغرور بفطنةٍ جوفاء، يظل يتمرس على أسلوب الغيبة بالإشارة، وإدخال المعاني في قوالب المباني، ويُجهد نفسَه في اختيارِ الأمثال؛ ليظفَرَ بإيذاء الناس في المجالس مع طلب براءة الحال، وهو في كلِّ ذلك يطلُب لنفسه الشقاوة، ويَجلب لنفسه التَّعاسة والندامة، فهو الموعود بالويل، ولا فطنةَ لمن يطرقُ أسبابَ الويل؛ ولذا أخي الكريم، احذر من الغرور... وتذكَّر أنَّ الفطنةَ كل الفطنة في أنْ تكفَّ عليك لسانك، وألا توظف رموش عينيك في إيذاء خلق الله، ولا أطراف أصابعك في تعيُّبهم، ولا صفحات وجهك في التنقيص من شأنِهم.
الكذِب وشهادة الزور:
فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "((أربع مَن كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خَصلة منهم، كانت فيه خَصلة من نفاق حتى يدعَها: إذا اؤتُمن خان، وإذا حَدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))؛ (متفق عليه)، وعن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألاَ أنبئكم بأكبرِ الكبائر؟))، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراكُ بالله وعقوقُ الوالدين))، وكان متكئًا فجلس، فقال: ((ألاَ وقول الزور))، فما زال يُكررها حتى قلنا: ليته سكت"؛ (متفق عليه).
الفحش والكلام الباطل:
فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يومَ القيامة من حُسن الخلق، وإنَّ الله يبغض الفاحش البذيء))؛ (رواه الترمذي)، والفاحش البذيء هو الذي يتكلم بالفُحش ورَديء الكلام، فهذه أخطرُ آفات اللسان وأشدها فتكًا بدين المسلم، وخلقه، وعاقبته.
فاحذر - أخي المسلم - من الوقوع في براثنها، وتَذَكَّر أنَّ الله وَهَبك نعمةَ اللسان؛ لكي تسخرها في عبادته وطاعته، وتستثمرها في أعمالِ الخير والبركة؛ لتكونَ لك نَجاة يومَ القيامة، فكيف يتقي المسلم شَرَّ لسانه؟ وكيف يوظفه لصالحه؟
عبادات اللسان:
الصمت:
فالصمت بنية الإمساك عن الشرِّ عبادة يتقرب بها المسلم إلى رَبِّه، ويرجو بها عتق نفسه من النار، ففي الحديث قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت))، فقَرَن رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بين أصلٍ من أصول الإيمان العظيمة، وأصل من أصول النَّجاة في الحياة وهو الصمت.
والصمتُ المحمود ليس الصمت مُطلقًا، وإنَّما ما كان بديلاً عن الكلام بالشرِّ، وما يلحق الأذى بالخلق، أمَّا الصمتُ عن كلام الخير والقول الحسن والكلمة الطيبة، كالنَّصيحة، والإرشاد إلى الخير، فالصمت عنه من خصال الجاهلية، وليس من الخير في شيء.
ذكر الله - عزَّ وجلَّ -:
فهو من أفضلِ الأعمال وأزكاها عند الله: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))؛ (رواه البخاري ومسلم)، ولو تأملت - أخي الكريم - في كثيرٍ من الأذكار، ومدى خِفَّتها على اللسان، وما أعَدَّه الله لأهلها من الثَّواب، لعلمت أنَّ توظيفَ اللسان في ذكر الله من أعظمِ النعم، التي ينبغي للعاقل الحرصُ عليها، وهذا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((أيَعْجِز أحدُكم أن يكسبَ في كل يومٍ ألفَ حسنة؟))، فسأله سائلٌ من جُلسائه: كيف يكسب ألفَ حسنة؟ قال: ((يسبح مائة تسبيحة، فيُكْتَبُ له ألف حسنة، أو يحطّ عنه ألف خطيئة))؛ (رواه مسلم).
الكلمة الطيبة:
وتشمل حُسْنَ الكلام وانتقاءَه، كما يُنتقى التمر الطيبُ من بين التمور، وقد أمر الله - جَلَّ وعلا - به، فقال: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الكلمة الطيبة صدقة)).
ويدخل في الكلمة الطيبة الأمرُ بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس، وذكرهم بالخير، والصِّدْق في الكلام والمعاملات، والنَّصيحة، والتناجي بالخير، وإرشاد الضَّال، وتعليم العلم النافع.
حقًّا إنَّ كل شيء داخلَ الجسم البشري ينطق ويشهد بوجود الله وقُدرته.
ولو تابعنا التعرُّف على دقائق جسم الإنسان، وما فيه من عجائب وغرائب، لأَصَابَتْنا الدَّهشة، وانتابنا الذُّهول.
وعلينا أنْ نتلوَ ونُردِّد بعضَ الآيات القرآنية، التي تَصِفُ خلق الإنسان الباهر، والكون العجيب؛ لعلنا نقدر اللهَ حَقَّ قدره، مثل قوله - تعالى -: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53].
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [لقمان: 11].
﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 4].
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].
م/ن للأمانة