الخامس
15-11-2010, 18:35
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عيد الاضحى بين القصص الدينية والتاريخ الانساني ...
نحتفل هذه الأيام بمناسبة سعيدة على كل قلوب المسلمين في العالم حيث تتداخل القصص الدينية وأحكام الشريعة مع التاريخ الانساني بنفحاته الروحية ونسائم ذكرياته الجميلة
ألا وهو عيد الاضحى المبارك الذي تميز مع مرور الزمن بالعادات والتقاليد الجميلة التي أصبحت سمة له .. نسيان الخصومة والتواصل والتراحم الانساني والتضحية والفداء والسعادة التي تطفح بالبشر على الوجوه والبسمة التي تكلل الشفاه ولسان حالها يردد:
كل عام وأنتم بخير ..
الأطفال ينتظرون العيد في لهفة وشوق يستعدون لانه عندهم يقترن بلبس الجديد من الثياب ويقترن بالعيد ركوب المراجيح والألعاب والكعك والغريبة والحلويات والتجول في الأزقة والحارات والمنتزهات ومرافقة الكبار .
أما الكبار فإنهم ينظرون للعيد نظرة مختلفة بعض الشيء فالعيد عندهم مناسبة للتواصل والتراحم وادخال البهجة على قلوب الفقراء والمحتاجين والأطفال.
احتفالات عيد الأضحى
لو ركبنا قطار الزمن وعدنا الى الماضي والى سنين خلت لنتعرف على الاحتفالات التي كانت ترافق العيد أيام أجدادنا لشاهدنا الحواري والأزقة كما يصف لنا كتاب تاريخ حلب الطبيعي الراقصين على الحبال والمصارعين والحواة والصبية بأداء عروضهم الجسمانية ويطلقون عبارات تنذر بالتهديد والوعيد لمن يتحداهم.
أما الحواة فهم حاذقون في لعب الفناجين و الكرات ويؤدون حيلا عديدة بالثعابين الى جانب مرقصي القرود .
أما علية القوم فيلتزمون بيوتهم لاستقبال الزوار معظم اليوم الاول ويطلب من فئة معينة من الزوار الجلوس بعد تقديم تهانيهم وتقدم لهم القهوة والشراب أما التابعون من الفئة الشعبية فلا يجلسون في حضرة سيدهم بل يقبلون يده او كم ثوبه وينسحبون الى / السلاملك / حيث يحتسون القهوة وتتمثل التهنئة المعتادة في القول ( عيد مبارك ) أو ( كل عام وأنت بخير ).
وتبقى بيوت اغوات وأعيان وأشراف المدينة مفتوحة خلال ايام العيد الثلاثة ويقدمون الهدايا الى اتباعهم ويوزعون أقواتاً ومالاً الى الفقراء ويتصرف المسلمون من جميع الفئات بحرية أكبر في هذا الموسم الاحتفالي.
كما تحتفل النساء بهذه المناسبة اذ ترسل النساء تهانيهن الى قريباتهن ويتبادلن الزيارات و يقدمن الهدايا الى الأطفال وغالباً ما تكون هذه الزيارات بعد انهاء العيد ويسمون ذلك (عيد النسوان).
أهازيج وأناشيد الأطفال
فور اثبات عيد الأضحى أخذ الأطفال يخرجون من بيوتهم الى الحواري والأزقة حيث يقومون بترتيل الأناشيد ويهللون يكبرون على أصوات المدافع ويشعلون المفرقعات فرحين بقدوم العيد ويهزجون:
بكره عيد ومنعيد ومندبح بقرة السيد والسيد ماعندو بقرة مندبح مرتو الشقراء
وهنالك أغنية يرددها الأطفال عند قدوم العيد
(بكرا العيد ونذبح البقرة نادوا مسعود كبير الخنفرة )
الخنفرة كبير الانف ومسعود هو الجزار الذي سينحر البقرة ليتم توزيعها على الاقرباء والفقراء وهي تتشابه مع الأغنية التي كنا نرددها أطفالاً كما ذكرت وهي اقرب الى الوضوح والفهم واذا خرجت بنت من المنزل أيام العيد تردد أمها كلمات لتحصنها من أعين الحساد بقولها :اسم الله وألف اسم الله لاتطلعين الهبرة , بتشوفك العدوة مصارينها تتلوه لاإله إلا الله.
ومن الأغاني الشائعة أن يردد الاطفال وراء صاحب المرجوحة أو ( القلابة ) عندما يقول لهم : ( ياحج محمد يويو ) وهي اللازمة التي تنطلق بها حناجرهم بكل فرح وسعاة ويتابع صاحب الارجوحة عطيني حصانك – يويو- لشد وأركب- يويو- والحق اسكندر- يويو -اسكندر ما مات يويو خلف بنات- يويو- بناتو سود- يويو- شبه القرود- يويو .
وبعض المحافظات يرددونها خلف بنات يويو -عيونها سود - يويو- مثل البارود- يويو ...الى آخر الشدية .
ثم ينهي الاهزوجة بقوله هذا دور الشحمة وهذا دور اللحمة واللي مابنزل يوقع بالتشمة ( بيت الخلاء ) فينزل الأطفال عن المرجوحة.
أما في ليبيا فيهزج الأطفال ويقولون:
اليوم موسم وغدوه عيد
وافرح يا أبو ثوب جديد
اليوم موسم وغدوه عيد
وافرح يا قفطان جديد
كما يغنون مجموعة اغان يسمونها ( اللويدة ) أي المرجوحة:
يالويده لودي بينا
حنة وزغاريت علينا
يالويده لودي بينا
حنة وحدايد في أيدنا
يالويده لودي بينا
حنة ودبالج في أيدينا
الحدايد هي الأساور الرفعية والدبالج الأساور العريضة أي أيادينا محنيا ومزينة بالاساور الذهبية.
أما في مصر فكان الاطفال يغنون وهم يحملون الفوانيس أغنية يرددونها قبل وأثناء أيام العيد تقول كلماتها :
أهوا أهوا اياها
بنت السلطان اياها
لابسة قفطان اياها
ياللا نجيب له اياها
ومعناها ان الطفل الذي يردد هذه الأغنية كان يتمنى ان يحوي عنده بنت السلطان ذات الثياب الفاخرة المحلاة بالجلاجل والقلائد الذهبية وهي تتشابه في بعض مفرداتها مع الأغنية الليبية.
وكنا قديماً عندما نركب الأراجيح نهزج الأغنية التالية :
عندي وزه يويو
بتنقر الرزه يويو
والرز غالي يويو
حقه مصاري يويو
أبوكم سعيد يويو
لفته حمره وطربوشو جديد
ثم يردد صاحب الارجوحة ( الجوجحانة ) هذا دور الشحمة كما ذكرنا لينزل الأطفال من على الارجوحة ويصعد غيرهم وتعاد هذه المتلازمة بحناجر قوية وأصوات شجية طفولية تبعث الفرح والسرور في نفوس الكبار و الصغار والبسمة الماكرة تعلو شفاه صاحب الارجوحة الذي يبتز العيديات التي جمعناها من الوالدين والاقرباء.
والحقيقة ان هنالك الكثير من الأغاني والاهازيج التي تقال أيام العيد انقرض بعضها وضاع بعضها الآخر لانها لم تجمع وتبوب أو تدرس من قبل باحثين ودارسين مختصين اللهم إلا المرحوم الباحث الأسدي جمع شذرات منها في موسوعته ونحن نتمنى دراسة هذا اللون الغنائي والاهازيج ليتم معرفة دلالاتها ومعانيها التي نرددها دون معرفة مضامينها وتاريخ هذه الأغاني الذي يعتقد بعض الدارسين انها منذ عصر الفراعنة والبعض الآخر من العصر الفاطمي والبعض الآخر في العصر المملوكي التي كانت تروى على ألسنة الرواة والمداحين لينشدونها في سهراتهم كالملاحم الشعبية وقصص البطولة والمواويل.
وفي ليلة العيد يتدفق الأطفال والأولاد الى الشوارع حيث يقومون بترتيل الأناشيد كماذكرنا و يهللون ويكبرون على أصوات المدافع فرحين بقدوم العيد.
بينما يقوم الرجال بالتكبير والتسبيح في المساجد و تقوم ربات البيوت بتنظيف الدور وغسلها واعداد الملابس الجديدة وتحضير أطعمة العيد الشهية لتقدم الى أفراد العائلة بعد عودتهم من صلاة العيد.
زيارة القبور والأقرباء
عند اثبات عيد الأضحى تنحر الذبائح في شتى أسواق المدينة وتوزع على الفقراء والاهل والأقرباء لكي تنعم كل عائلة بقطع من اللحم لكي تعد أطيب أنواع الطعام ويصطف الأولاد حول الجزار لمشاهدته وهو ينحر الخرفان.
وكانت تزين حوانيت الجزارين بالشموع و القناديل واليوم بمصابيح الكهرباء ومعالم الزينة وتكون الحوانيت مليئة بالمواد التموينية والفواكه والخضار والحلويات وحلل الناطف التي تخفق بهراوة غليظة من قبل الحلواني كما كنا نشاهد الحلواني( المرحوم ابو خيرو) في حي قسطل الحرامي .
ثم يتطيب الرجال والنساء والاطفال ويلبسون ألبستهم الجديدة التي اشتروها خصيصاً للعيد والتي يضعونها بجانب فراشهم من القنباز والصرماية الحمراء والكبود.
ويتوجه الرجال الى المساجد لاداء صلاة العيد وبعد الانتهاء منها يذهبون الى المقبرة فيحملون الريحان وأغصان الأشجار لوضعها فوق القبور واليوم أصبحنا نشاهد باعة لكافة أنواع الورود و الزهور وتقرأ سور من القرآن الكريم من قبل ذوي الميت أو بعض المشايخ أو الأولاد ويسمى الشخص القارئ ( مقري) وتوزع الحلوى والمعروك والسنبوسك على الفقراء وللزائرين للقبور وهذه العادات التي ذكرناها مازالت موجودة بيننا وهي عادات حسنة .
وتستمر الاحتفالات أربعة ايام تطلق فيها مدافع العيد خمس مرات في اليوم أي في أوقات الصلاة والناس في جو تسوده السعادة والمحبة والتسامح.
التوسعة على التكايا والزوايا
كانت التوسعة والمبرات تعم جميع السكان بمختلف شرائحهم الاجتماعية و المهنية وخاصة الزوايا والتكايا او الخوانق أي بيوت المتصوفة فتكثر فيها قراءة القرآن ويحتشد سكانها من الصوفية لاداء الفروض الخمسة والتراويح بخشوع ترهب له القلوب وتدمع له الاعين كما تقام فيها الموالد يتكفلون بالانفاق على ملبسهم ومأكلهم ونفقات السفر للحج وكانت هذه التكايا و الخوانق تزود بالمطابخ التي يطهى فيها اللحم وعادة ما كان لحم الضأن حسب شروط الواقفين.
وكان يقرر لكل متصوف ثلث رطل من اللحم وثلاثة ارطال من خبز القمح يومياً وإذا تعذر تقديم هذه الجعالة أي الحصة كان يتم صرف بدل نقدي لهم لتبديل ذلك الى جانب تخصيص كمية من النقود لغسل ثيابهم بالصابون وكان وقتها ترفاً لايقدر عليه إلا الاغنياء ومن هنا كان أحدهم اذا تطوع بالجيش يفتخر بأنه سوف يأكل الرز والمرق ويحصل على صابونة زرقة وكمية أخرى من النقود لدخول الحمام لشراء زيت لاضاءة القنديل ليلاً.
وتزداد كمية انفاق السكر بسبب الاكثار من عمل الحلوى التي كانت توزع ضمن طعام المتصوفة الى جانب توزيع الطعام الذي تحدد أصنافه أحياناً بالارز واللحم والعسل والدبس وحب الرمان الى جانب تحمل نفقات تبييض قدورهم النحاسية وتوزيع خوابي الماء عليهم.
زيارة مقام سيدنا زكريا عليه السلام
يتوافد الناس من جميع الاعمار من الرجال والنساء على الجامع الأموي الكبير في حلب لزيارة مقام سيدنا زكريا عليه السلام وخاصة في شهر رمضان لما لهذا الجامع من جمالية معمارية وأهمية تاريخية وقيمة روحية فنية( الحجرة النبوية ) التي أقيمت الى يسار المحراب وقد تضاربت الاراء حول دفينها فمن القائل انه رأس النبي يحيى بن زكريا نفسه وهي على شكل غرفة مربعة كسيت جدرانها الداخلية بأنواع القيشاني .
والعوام من الناس تقول مقام سيدنا زكريا ( اخذت الناس تطلق على الجامع جامع زكريا ) عليه السلام وتقصده الناس يوم وقفة الحجاج على جبل عرفة حيث يؤدي تلك الزيارة العديد من أهل القرى والمدينة ويعتقدون أن هناك قولاً منسوباً الى الرسول عليه السلام وهو ( إن عجزتم عن زيارتي فعليكم بابن خالتي زكريا) وهو قول لايستند الى روايات صحيحة وإنما هو من المعتقدات الشعبية حيث تبناها البعض بسبب عدم قدرتهم على تأدية فريضة الحج كما الاعتقاد الذي كان سائداً أنه من قتل (7) من "أبو بريص" تحسب له حجة وهذا الاعتقاد فيها الكثير من الدس على الاسلام.
ولكن الناس تذهب الى المقام لقراءة الفاتحة والموالد وتقدم الهبات والعطايا والنقود وخاصة في هذه الايام والنساء يقصدن المقام لوفاء النذر أو لطلب حاجة , فالعاقر تدعو ان ترزق بمولود والعزباء ان تتزوج والمطلقة ان تعود لزوجها وغير ذلك وكل حسب حاجته ومعاناته وهمومه وتبقى زيارة المقام تخلق لدى الزائر الراحة النفسية والنشوة الروحية .
عيد الأضاحي
سمي هذا العيد الذي نحتفل هذه الايام بعيد الاضحى او مايسمى عند العوام عيد الكبير لأن الاحتفال به يتم لمدة اربعة أيام وعيد الفطر سمي بالعيد الصغير لان مدته ثلاثة أيام لكنه سمي عيد الاضحى ففيه تذبح الأضاحي بمختلف مسمياتها وتيمناً بذبيحة اسماعيل عليه السلام حيث أن الله سبحانه وتعالى افتداه بكبش من الجنة وللأضحية الكثير من الدلالات الروحية والاجتماعية حيث توزع معظم لحومها على الأصدقاء والفقراء اشارة الى التعاون والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد.
وعرف الانسان القرابين والأضاحي منذ بدأ التاريخ الانساني على الأرض إذ قدم هابيل وقابيل ابني أدم قربانين لله سبحانه وتعالى فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل وبسبب ذلك قتل أخاه هابيل ويقدم القربان بعد حدوث النذر او قبله وهو عقد بين العابد والمعبود يقدم الأول قربانا للثاني لاستبعاد السوء او لكسب العطف والاسترضاء وهذا الطقس عرفته الشعوب القديمة ومنهم الساميون عموماً ومازال قائماً في المعتقدات العربية وكذلك فان النذر هو التعهد بفعل شيء ما ان تحقق أمر ما ولما كان تحقيق ذلك الأمر بيد الله فالنذر تعهد أمام الله وكثيراً ما يكون لله.
من جميل ما قرأت
كل عام وأنتم الخير كله
أدامه الله عليكم بالخير والطاعات
اللهم أمين
مع تحياتى
عيد الاضحى بين القصص الدينية والتاريخ الانساني ...
نحتفل هذه الأيام بمناسبة سعيدة على كل قلوب المسلمين في العالم حيث تتداخل القصص الدينية وأحكام الشريعة مع التاريخ الانساني بنفحاته الروحية ونسائم ذكرياته الجميلة
ألا وهو عيد الاضحى المبارك الذي تميز مع مرور الزمن بالعادات والتقاليد الجميلة التي أصبحت سمة له .. نسيان الخصومة والتواصل والتراحم الانساني والتضحية والفداء والسعادة التي تطفح بالبشر على الوجوه والبسمة التي تكلل الشفاه ولسان حالها يردد:
كل عام وأنتم بخير ..
الأطفال ينتظرون العيد في لهفة وشوق يستعدون لانه عندهم يقترن بلبس الجديد من الثياب ويقترن بالعيد ركوب المراجيح والألعاب والكعك والغريبة والحلويات والتجول في الأزقة والحارات والمنتزهات ومرافقة الكبار .
أما الكبار فإنهم ينظرون للعيد نظرة مختلفة بعض الشيء فالعيد عندهم مناسبة للتواصل والتراحم وادخال البهجة على قلوب الفقراء والمحتاجين والأطفال.
احتفالات عيد الأضحى
لو ركبنا قطار الزمن وعدنا الى الماضي والى سنين خلت لنتعرف على الاحتفالات التي كانت ترافق العيد أيام أجدادنا لشاهدنا الحواري والأزقة كما يصف لنا كتاب تاريخ حلب الطبيعي الراقصين على الحبال والمصارعين والحواة والصبية بأداء عروضهم الجسمانية ويطلقون عبارات تنذر بالتهديد والوعيد لمن يتحداهم.
أما الحواة فهم حاذقون في لعب الفناجين و الكرات ويؤدون حيلا عديدة بالثعابين الى جانب مرقصي القرود .
أما علية القوم فيلتزمون بيوتهم لاستقبال الزوار معظم اليوم الاول ويطلب من فئة معينة من الزوار الجلوس بعد تقديم تهانيهم وتقدم لهم القهوة والشراب أما التابعون من الفئة الشعبية فلا يجلسون في حضرة سيدهم بل يقبلون يده او كم ثوبه وينسحبون الى / السلاملك / حيث يحتسون القهوة وتتمثل التهنئة المعتادة في القول ( عيد مبارك ) أو ( كل عام وأنت بخير ).
وتبقى بيوت اغوات وأعيان وأشراف المدينة مفتوحة خلال ايام العيد الثلاثة ويقدمون الهدايا الى اتباعهم ويوزعون أقواتاً ومالاً الى الفقراء ويتصرف المسلمون من جميع الفئات بحرية أكبر في هذا الموسم الاحتفالي.
كما تحتفل النساء بهذه المناسبة اذ ترسل النساء تهانيهن الى قريباتهن ويتبادلن الزيارات و يقدمن الهدايا الى الأطفال وغالباً ما تكون هذه الزيارات بعد انهاء العيد ويسمون ذلك (عيد النسوان).
أهازيج وأناشيد الأطفال
فور اثبات عيد الأضحى أخذ الأطفال يخرجون من بيوتهم الى الحواري والأزقة حيث يقومون بترتيل الأناشيد ويهللون يكبرون على أصوات المدافع ويشعلون المفرقعات فرحين بقدوم العيد ويهزجون:
بكره عيد ومنعيد ومندبح بقرة السيد والسيد ماعندو بقرة مندبح مرتو الشقراء
وهنالك أغنية يرددها الأطفال عند قدوم العيد
(بكرا العيد ونذبح البقرة نادوا مسعود كبير الخنفرة )
الخنفرة كبير الانف ومسعود هو الجزار الذي سينحر البقرة ليتم توزيعها على الاقرباء والفقراء وهي تتشابه مع الأغنية التي كنا نرددها أطفالاً كما ذكرت وهي اقرب الى الوضوح والفهم واذا خرجت بنت من المنزل أيام العيد تردد أمها كلمات لتحصنها من أعين الحساد بقولها :اسم الله وألف اسم الله لاتطلعين الهبرة , بتشوفك العدوة مصارينها تتلوه لاإله إلا الله.
ومن الأغاني الشائعة أن يردد الاطفال وراء صاحب المرجوحة أو ( القلابة ) عندما يقول لهم : ( ياحج محمد يويو ) وهي اللازمة التي تنطلق بها حناجرهم بكل فرح وسعاة ويتابع صاحب الارجوحة عطيني حصانك – يويو- لشد وأركب- يويو- والحق اسكندر- يويو -اسكندر ما مات يويو خلف بنات- يويو- بناتو سود- يويو- شبه القرود- يويو .
وبعض المحافظات يرددونها خلف بنات يويو -عيونها سود - يويو- مثل البارود- يويو ...الى آخر الشدية .
ثم ينهي الاهزوجة بقوله هذا دور الشحمة وهذا دور اللحمة واللي مابنزل يوقع بالتشمة ( بيت الخلاء ) فينزل الأطفال عن المرجوحة.
أما في ليبيا فيهزج الأطفال ويقولون:
اليوم موسم وغدوه عيد
وافرح يا أبو ثوب جديد
اليوم موسم وغدوه عيد
وافرح يا قفطان جديد
كما يغنون مجموعة اغان يسمونها ( اللويدة ) أي المرجوحة:
يالويده لودي بينا
حنة وزغاريت علينا
يالويده لودي بينا
حنة وحدايد في أيدنا
يالويده لودي بينا
حنة ودبالج في أيدينا
الحدايد هي الأساور الرفعية والدبالج الأساور العريضة أي أيادينا محنيا ومزينة بالاساور الذهبية.
أما في مصر فكان الاطفال يغنون وهم يحملون الفوانيس أغنية يرددونها قبل وأثناء أيام العيد تقول كلماتها :
أهوا أهوا اياها
بنت السلطان اياها
لابسة قفطان اياها
ياللا نجيب له اياها
ومعناها ان الطفل الذي يردد هذه الأغنية كان يتمنى ان يحوي عنده بنت السلطان ذات الثياب الفاخرة المحلاة بالجلاجل والقلائد الذهبية وهي تتشابه في بعض مفرداتها مع الأغنية الليبية.
وكنا قديماً عندما نركب الأراجيح نهزج الأغنية التالية :
عندي وزه يويو
بتنقر الرزه يويو
والرز غالي يويو
حقه مصاري يويو
أبوكم سعيد يويو
لفته حمره وطربوشو جديد
ثم يردد صاحب الارجوحة ( الجوجحانة ) هذا دور الشحمة كما ذكرنا لينزل الأطفال من على الارجوحة ويصعد غيرهم وتعاد هذه المتلازمة بحناجر قوية وأصوات شجية طفولية تبعث الفرح والسرور في نفوس الكبار و الصغار والبسمة الماكرة تعلو شفاه صاحب الارجوحة الذي يبتز العيديات التي جمعناها من الوالدين والاقرباء.
والحقيقة ان هنالك الكثير من الأغاني والاهازيج التي تقال أيام العيد انقرض بعضها وضاع بعضها الآخر لانها لم تجمع وتبوب أو تدرس من قبل باحثين ودارسين مختصين اللهم إلا المرحوم الباحث الأسدي جمع شذرات منها في موسوعته ونحن نتمنى دراسة هذا اللون الغنائي والاهازيج ليتم معرفة دلالاتها ومعانيها التي نرددها دون معرفة مضامينها وتاريخ هذه الأغاني الذي يعتقد بعض الدارسين انها منذ عصر الفراعنة والبعض الآخر من العصر الفاطمي والبعض الآخر في العصر المملوكي التي كانت تروى على ألسنة الرواة والمداحين لينشدونها في سهراتهم كالملاحم الشعبية وقصص البطولة والمواويل.
وفي ليلة العيد يتدفق الأطفال والأولاد الى الشوارع حيث يقومون بترتيل الأناشيد كماذكرنا و يهللون ويكبرون على أصوات المدافع فرحين بقدوم العيد.
بينما يقوم الرجال بالتكبير والتسبيح في المساجد و تقوم ربات البيوت بتنظيف الدور وغسلها واعداد الملابس الجديدة وتحضير أطعمة العيد الشهية لتقدم الى أفراد العائلة بعد عودتهم من صلاة العيد.
زيارة القبور والأقرباء
عند اثبات عيد الأضحى تنحر الذبائح في شتى أسواق المدينة وتوزع على الفقراء والاهل والأقرباء لكي تنعم كل عائلة بقطع من اللحم لكي تعد أطيب أنواع الطعام ويصطف الأولاد حول الجزار لمشاهدته وهو ينحر الخرفان.
وكانت تزين حوانيت الجزارين بالشموع و القناديل واليوم بمصابيح الكهرباء ومعالم الزينة وتكون الحوانيت مليئة بالمواد التموينية والفواكه والخضار والحلويات وحلل الناطف التي تخفق بهراوة غليظة من قبل الحلواني كما كنا نشاهد الحلواني( المرحوم ابو خيرو) في حي قسطل الحرامي .
ثم يتطيب الرجال والنساء والاطفال ويلبسون ألبستهم الجديدة التي اشتروها خصيصاً للعيد والتي يضعونها بجانب فراشهم من القنباز والصرماية الحمراء والكبود.
ويتوجه الرجال الى المساجد لاداء صلاة العيد وبعد الانتهاء منها يذهبون الى المقبرة فيحملون الريحان وأغصان الأشجار لوضعها فوق القبور واليوم أصبحنا نشاهد باعة لكافة أنواع الورود و الزهور وتقرأ سور من القرآن الكريم من قبل ذوي الميت أو بعض المشايخ أو الأولاد ويسمى الشخص القارئ ( مقري) وتوزع الحلوى والمعروك والسنبوسك على الفقراء وللزائرين للقبور وهذه العادات التي ذكرناها مازالت موجودة بيننا وهي عادات حسنة .
وتستمر الاحتفالات أربعة ايام تطلق فيها مدافع العيد خمس مرات في اليوم أي في أوقات الصلاة والناس في جو تسوده السعادة والمحبة والتسامح.
التوسعة على التكايا والزوايا
كانت التوسعة والمبرات تعم جميع السكان بمختلف شرائحهم الاجتماعية و المهنية وخاصة الزوايا والتكايا او الخوانق أي بيوت المتصوفة فتكثر فيها قراءة القرآن ويحتشد سكانها من الصوفية لاداء الفروض الخمسة والتراويح بخشوع ترهب له القلوب وتدمع له الاعين كما تقام فيها الموالد يتكفلون بالانفاق على ملبسهم ومأكلهم ونفقات السفر للحج وكانت هذه التكايا و الخوانق تزود بالمطابخ التي يطهى فيها اللحم وعادة ما كان لحم الضأن حسب شروط الواقفين.
وكان يقرر لكل متصوف ثلث رطل من اللحم وثلاثة ارطال من خبز القمح يومياً وإذا تعذر تقديم هذه الجعالة أي الحصة كان يتم صرف بدل نقدي لهم لتبديل ذلك الى جانب تخصيص كمية من النقود لغسل ثيابهم بالصابون وكان وقتها ترفاً لايقدر عليه إلا الاغنياء ومن هنا كان أحدهم اذا تطوع بالجيش يفتخر بأنه سوف يأكل الرز والمرق ويحصل على صابونة زرقة وكمية أخرى من النقود لدخول الحمام لشراء زيت لاضاءة القنديل ليلاً.
وتزداد كمية انفاق السكر بسبب الاكثار من عمل الحلوى التي كانت توزع ضمن طعام المتصوفة الى جانب توزيع الطعام الذي تحدد أصنافه أحياناً بالارز واللحم والعسل والدبس وحب الرمان الى جانب تحمل نفقات تبييض قدورهم النحاسية وتوزيع خوابي الماء عليهم.
زيارة مقام سيدنا زكريا عليه السلام
يتوافد الناس من جميع الاعمار من الرجال والنساء على الجامع الأموي الكبير في حلب لزيارة مقام سيدنا زكريا عليه السلام وخاصة في شهر رمضان لما لهذا الجامع من جمالية معمارية وأهمية تاريخية وقيمة روحية فنية( الحجرة النبوية ) التي أقيمت الى يسار المحراب وقد تضاربت الاراء حول دفينها فمن القائل انه رأس النبي يحيى بن زكريا نفسه وهي على شكل غرفة مربعة كسيت جدرانها الداخلية بأنواع القيشاني .
والعوام من الناس تقول مقام سيدنا زكريا ( اخذت الناس تطلق على الجامع جامع زكريا ) عليه السلام وتقصده الناس يوم وقفة الحجاج على جبل عرفة حيث يؤدي تلك الزيارة العديد من أهل القرى والمدينة ويعتقدون أن هناك قولاً منسوباً الى الرسول عليه السلام وهو ( إن عجزتم عن زيارتي فعليكم بابن خالتي زكريا) وهو قول لايستند الى روايات صحيحة وإنما هو من المعتقدات الشعبية حيث تبناها البعض بسبب عدم قدرتهم على تأدية فريضة الحج كما الاعتقاد الذي كان سائداً أنه من قتل (7) من "أبو بريص" تحسب له حجة وهذا الاعتقاد فيها الكثير من الدس على الاسلام.
ولكن الناس تذهب الى المقام لقراءة الفاتحة والموالد وتقدم الهبات والعطايا والنقود وخاصة في هذه الايام والنساء يقصدن المقام لوفاء النذر أو لطلب حاجة , فالعاقر تدعو ان ترزق بمولود والعزباء ان تتزوج والمطلقة ان تعود لزوجها وغير ذلك وكل حسب حاجته ومعاناته وهمومه وتبقى زيارة المقام تخلق لدى الزائر الراحة النفسية والنشوة الروحية .
عيد الأضاحي
سمي هذا العيد الذي نحتفل هذه الايام بعيد الاضحى او مايسمى عند العوام عيد الكبير لأن الاحتفال به يتم لمدة اربعة أيام وعيد الفطر سمي بالعيد الصغير لان مدته ثلاثة أيام لكنه سمي عيد الاضحى ففيه تذبح الأضاحي بمختلف مسمياتها وتيمناً بذبيحة اسماعيل عليه السلام حيث أن الله سبحانه وتعالى افتداه بكبش من الجنة وللأضحية الكثير من الدلالات الروحية والاجتماعية حيث توزع معظم لحومها على الأصدقاء والفقراء اشارة الى التعاون والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد.
وعرف الانسان القرابين والأضاحي منذ بدأ التاريخ الانساني على الأرض إذ قدم هابيل وقابيل ابني أدم قربانين لله سبحانه وتعالى فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل وبسبب ذلك قتل أخاه هابيل ويقدم القربان بعد حدوث النذر او قبله وهو عقد بين العابد والمعبود يقدم الأول قربانا للثاني لاستبعاد السوء او لكسب العطف والاسترضاء وهذا الطقس عرفته الشعوب القديمة ومنهم الساميون عموماً ومازال قائماً في المعتقدات العربية وكذلك فان النذر هو التعهد بفعل شيء ما ان تحقق أمر ما ولما كان تحقيق ذلك الأمر بيد الله فالنذر تعهد أمام الله وكثيراً ما يكون لله.
من جميل ما قرأت
كل عام وأنتم الخير كله
أدامه الله عليكم بالخير والطاعات
اللهم أمين
مع تحياتى