المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما نحن اذن ؟ (الانسان)


الخامس
10-11-2010, 14:49
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


فما نحن إذن؟ ما الإنسان؟

(1 ) الإنسان مخلوق متميز، فيه شيء من الملائكة، وشيء من الشياطين، وشيء من البهائم والوحوش، فإذا استغرق في العبادة، وصفا قلبه إلى الله عند المناجاة، وذاق حلاوة الإيمان في لحظات التجلّي، غلبت عليه في هذه الحال الصفة المَلَكية، فأشبه الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

فإذا جحد خالقه، وأنكر ربه، فكفر به، أو أشرك معه في عبادة غيره، غلبت عليه في هذه الحال الصفة الشيطانية.

وإذا عصف به الغضب، فأوتر أعصابه، وألهب دمه، وشدّ عضلاته، فلم يعد له أمنية إلا أن يتمكن من خصمه فيعضّه بأسنانه، وينشب فيه أظافره، ويطبق على عنقه بأصابعه، فيخنقه خنقاً ثم يدعسه دعساً، غلبت عليه في هذه الحال الصفة الوحشية، فلم يبق بينه وبين النمر والفهد كبير فرق.

وإذا عضّه الجوع، وبرّح به العطش، وانحصرت آماله، في رغيف يملأ معدته، وكأس تبلّ صداه، أو تملّكته الشهوة، وسيطرت على نفسه (الرغبة الجنسية)، فغلا بها دمه، واشتعلت بها عروقه، وامتلأ ذهنه بخيالات الشبق وأمانيه، غلبت عليه في هذه الحال الصفة البهيمية، فكان كالفحل أو الحصان، أو ما شئت من أصناف الحيوان.

هذه حقيقة الإنسان، فيه الاستعداد للخير، والاستعداد للشر، أعطاه الله الأمرين، ومنحه العقل الذي يميز به بينهما، والإرادة التي يستطيع بها أن يحقق أحدهما، فإن أحسن استعمال عقله في التمييز، وأحسن استعمال إرادته في التنفيذ، ونمّى استعداده للخير، حتى تخلّق به وأنجزه، كان في الآخرة من السعداء. وإن كانت الأخرى، كان من المعذّبين.

صحيح أن النفس مطبوعة على الحرية، والدين قيد، ولكن لا بدّ من هذا القيد، ولو تركناها تأتي الفواحش كما تشاء انطلاقاً من طبع الحرية فيها، لصار المجتمع (مارستاناً) كبيراً، لأن الحرية المطلقة للمجانين. المجنون يفعل كل ما يخطر على باله، يمشي في الطريق عارياً، ويركب على كَتِفَي سائق السيارة العامة، ويستحسن ثوبك فيأخذه من فوق كتفيك، وتعجبه ابنتك فيطلبها منك بحق الغرام، لا بشرعة الإسلام. (المجنون هو الحر الحرية المطلقة، وأما العاقل، فإن عقله يقيد حريته).

وما العقل؟

إنه قيد. إن لفظه مشتق من الأصل الذي اشتق منه (العقال)، أي الحبل الذي يقيد به الجمل. والحكمة، قريبة المعنى، من (حَكَمة الدابة) وهي كذلك قيد. والحضارة قيد، لأنها لا تدعك تفعل ما تريد، بل توجب عليك مراعاة حقوق الناس وأعراف المجتمع. والعدالة قيد، لأنها تضع نهاية لحريتك، حيث تبدأ حرية جارك.

ثم إن المعاصي لذيذة، لأنها توافق طبيعة النفس. إنك تجد لذة في سماع الغيبة والمشاركة فيها، لأنها تشعرك بأنك خير من هذا الذي يذكرونه بالسوء وأفضل. والسرقة لذيذة لأن فيها امتلاك المال بلا كد ولا نصب. والزنا لذيذ لأن فيه إعطاء النفس هواها، وإنالتها مشتهاها. والغش في الامتحان لذيذ، لأنه يوصل إلى النجاح بلا جهد. والهرب من الواجب –مهما كان- لذيذٌ على النفس، لأن فيه الراحة والكسل.

ولكن الإنسان حين يفكر ويستعمل عقله، يجد أن هذه الحرية المؤقتة لا تساوي ما بعدها من سجنٍ في جهنَّمَ طويل، وهذه اللذة المحرمة، لا تعدل ما بعدها من العذاب.

من يرضى أن نجعل بيننا وبينه عهداً (اتفاقية عند الكاتب العدل)، مدتها سنة، نعطيه خلالها كل ما يطلب من مال، ونسكنه في القصر الذي يريد، في البلد الذي يختار، ونزوِّجه بمن شاء من النساء، مثنى وثلاث ورباع، ولو طلق كل عشية واحدة، وتزوج كل صباح أخرى، ولا نمنع عنه شيئاً يريده، ولكنّا إذا انقضت السنة، علقناه من عنقه على المشنقة حتى يموت؟ ألا يقول: (تعساً وبُعداً للذة سنة بعدها الموت؟) ألا يتصور نفسه ساعة يعلَّق على المشنقة، فيرى أنه لم يبق في يده شيء منها؟ مع أن ألم الشنق بضع دقيقة، وعذاب الآخرة دهر طويل.

ليس منا أحد لم يقارف في عمره معصية، ولم يجد لهذه المعصية لذة، أقلها أنه آثر متعة الفراش مرة على القيام لصلاة الفجر، فماذا بقي في أيدينا الآن من هذه اللذة التي أحسسنا بها قبل عشر سنين؟ وليس منا أحد لم يكره نفسه على أداء طاعة، ولم يحمل لهذه الطاعة ألماً، أقله الجوع والعطش في رمضان، فماذا بقي في نفوسنا الآن، من ألم الجوع في رمضان، الذي جاء من عشر سنين؟ لا شيء.

ذهبت لذات المعاصي وبقيت عقابها، وذهبت آلام الطاعات وبقي ثوابها.

وساعة الموت، ما الذي يبقى لنا –تلك الساعة- من جميع اللذائذ التي ذقناها، والآلام التي حملناها؟

إن كل مؤمن يريد أن يتوب ويرجع إلى الله، ولكنه يؤجل ويسوّف. أنا كنت أقول: إذا حججتُ تبتُ وأنبت، ثم رأيت أني حججت وما تبت. وكنت أقول إذا بلغت الأربعين تبتُ وأنبت، فبلغتها وما تبت، وجاوزت الستين وما تبت، وشبت وما تبت. ليس معنى هذا أني مقيم على المحرمات، مرتكب للفواحش، لا وبحمد الله. ولكن معناه، أن الإنسان يرجو لنفسه الصلاح، ولكنه يسوّف، يظن أن في الأجل فسحة، يحسب أن العمر طويل، فيرى الموت قد طرقه فجأة. وقد رأيت أنا الموت مرتين، وعرفت ما شعور الميت، لقد ندمت على كل دقيقة أضعتها في غير طاعة … أي والله. فلما نجوت، بقيت على هذا الشعور شهوراً، صرت فيها صالحاً، ثم انغمست مرة ثانية في غمرة الحياة، ونسيت .. نسيت الموت.

كلنا ننسى الموت، نرى الأموات يمرون بنا كل يوم، ولكن لا نتصور أننا سنموت. نقف في صلاة الجنازة ونحن نفكر في الدنيا، يظن كل واحد منا أن الموت كُتب على الناس كلهم إلا عليه، مع أن الإنسان يعلم أن الدنيا مولّية عنه، وأنه مُوَلٍّ عنها.

مهما عاش الإنسان فهو ميت. ليعش ستين سنة، ليعش سبعين، ليعش مئة سنة، ألا تنقضي؟ ألا تعرفون من عاش مئة سنة ثم مات؟ نوح لبث يدعو قومه تسعمئة وخمسين سنة. فأين نوح الآن؟ هل بقيت له الدنيا؟ هل سلم من الموت؟ فلماذا لا نفكر في الموت، ونستعد له، إن كان لا بد منه؟

من كانت أمامه سَفرة لا يعرف موعدها ألا يتهيأ لها، حتى يكون جاهزاً، فإذا دُعي أجاب؟ رأيت (وكنت الصيف الماضي في عمان) المعلمين الأردنيين، الذين تعاقدوا مع المملكة العربية السعودية للعمل فيها، وقد خبّروهم أن الطيارات تنقلهم تباعاً، فليستعدوا، فمن أنجز جواز سفره، وأكمل حزم متاعه، وودّع أهله، ووضع إلى جنبه ثيابه؛ فإنه يلبي في أي ساعة يُدعى فيها، فيلبس ثيابه ويمضي إلى المطار. ومن أهمل وأجّل، حتى إذا دُعي قال لهم: أمهلوني حتى أنزل إلى السوق فأشتري متاعي، وأذهب إلى القرية فأودع أهلي، وأراجع الحكومة لاستخراج جوازي، لم يمهلوه، بل ذهبوا وتركوه. ولكن ملك الموت إذا جاء لا يتركه ويذهب، بل يأخذه كُرهاً، يأخذه ولو كان آبياً، لا يمهله ساعة، ولا دقيقة، ولا لمحة، ولا يملك أن يمهله. وليس يعرف أحد منا متى يأتي ليأخذه ملك الموت.

( 2) إعتبر كانط في كتاب المنطق أنّ سؤال ما الإنسان؟ هو السؤال المحوري الذي تدور حوله كلّ الفلسفة. وباعتبار اّنّه مفهوم مركزي، قد يعسر تحديده تحديدا نهائيّا. فمن جهة يمكن أن نعتبر أنّ كلّ فيلسوف يحدّده إنطلاقا من منطلقات فلسفته الأنطولوجيّة أو المعرفيّة، ومن جهة ثانية قد يكون الأصل في اختلاف الفلسفات هو الإختلاف في تحديد مفهوم الإنسان.

اعتبر أفلاطون أنّ الإنسان هو النّفس العاقلة الخالدة والأزليّة التي لا تلتحق بالجسد إلاّ عرضا (أنظر أفلاطون). في حين إعتبر أرسطو أنّ الإنسان "حيوان ناطق" أي عاقل وهو بتعريفه هذا يعتبر أنّ العقل صفة مميّزة للإنسان تجعله يختلف جوهريّا عن بقيّة الحيوانات(أنظر أرسطو).وذهب إبن سينا إلى أنّ إنّية الإنسان أي ما يمثّل جوهر ذاته تكمن في النّفس المجرّدة التي يمكن أن نتصوّر وجودها ويمكن أن توجد بالفعل دون الجسد وبالإنفصال عنه (أنظر إبن سينا). أمّا ديكارت فالذّات الإنسانيّة بالنّسبة له تكمن في الحقيقة في الجوهر المفكّر، والإنسان ثنائيّة نفس وجسد أي جوهر مفكّر وجوهر ممتدّ. وقد اعتبر سبينوزا أنّ القول بهذه الثّنائيّة هو أمر لا يمكن تصوّره كما لا تصدّقه التّجربة والوقائع وإنّما الإنسان ينتمي في وجوده إلى وحدة الوجود ككلّ إنّ ماهيّته تكمن في المجهود الذي به بقاؤه.

وقد كان على الفلسفة التي تختلف في توجّهاتها عن الفلسفة المثاليّة أن تحدّد الإنسان إعتمادا على أسس أنطولوجيّة أخرى. ويأخذ الجسد عندئذ الموقع المركزي ويصبح الفكر عرضا من أعراضه أو تأخذ النّفس صبغة مادّيّة لا تختلف جوهريّا عن الأجسام الطّبيعيّة. ويصبح الفكر إفرازا من إفرازات المادّة أو وظيفة من وظائف الكائن العضوي الذي هو الإنسان. وقد كان للإكتشافات في مجال البيولوجيا وما قبل التّاريخ دورا أساسيّا في تشكّل مفهوم الإنسان فظهرت مفاهيم مثل:



- البشريّات :Hominiens (الإنسان باعتباره رتبة من رتب الرّئيسات).

- الإنسان الماهر : Homo habilis.

- الإنسان القائم: Homo erectus .

- الإنسان الذّكيّ : Homo sapiens.

- الإنسان الذّكيّ المعاصر : Homo sapiens sapiens. وهو النّوع من البشريّات الذي ينتمي إليه الإنسان المعاصر.



لقد أدّت نظريّة التّطوّر إلى اعتبار أنّ الإنسان قد تحقّق تميّزه عبر مراحل تطوّره وأنّ الوعي أو العقل هو نتيجة من نتائج تطوّره ككائن حيّ. وفي هذا الإتّجاه سار ماركس إذ رأى أنّ وعي الإنسان يتحقّق عبر التّاريخ ومن خلال فعله في الطّبيعة واحتكاكه بها عبر أدوات الإنتاج وفي إطار علاقات الإنتاج (الإنسان كائن إجتماعي).

وفي هذا المنحى الإنتروبولوجي يتحدّد الإنسان باعتباره صانع أدوات أي أنّ تميّزه وخصوصيّته نتجت عن إستعماله للأدات وعمله في الطّبيعة من خلالها يبدو العمل عندئذ كمؤسّس للإنسانيّة الإنسان. إلاّ أنّ هذه الخصوصيّة قد تتحدّد بالنّسبة للبعض من خلال معطى آخر هو اللّغة فيتحدّد الإنسان عندئذ كـ "حيوان رامز" (كاسيرار)، فالذي يصنع الإنسان هو ملكة التّرميز التي تمكّنه من اكتساب اللّغة وهي التي تجعل منه كائنا عاقلا وواع.

وقد يُنظر للإنسان باعتباره نتاجا للتّفاعل بين ما يوجد بالطّبيعة فيه وما يكتسبه نتيجة لوجوده الإجتماعي. غير أنّ تحديد أين ينتهي الطّبيعي وأين يبدأ الثّقافي هو موضع إشكال.

وفي توجّهات أخرى يتحدّد الإنسان باعتباره كائن الرّغبة أو كائن الإرادة.(نيتشة، شبنهاور، فرويد).

وأخيرا إعتبر الوجوديّون أنّ طبيعة الإنسان غير قابلة للتّحديد وأنّه ليس هنالك ماهيّة تحدّد مسبّقا وجود الإنسان وإنّما وجوده يسبق ماهيّته وبالتّالي تكون الحرّيّة أخصّ خصائص الإنسان.



أنظر أيضا : الأنا – الأنتروبولوجيا.




منقول

مع تحياتى