المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للصائم دعوة ...


عفراء
30-08-2010, 08:14
لقد منَّ الله على عباده المؤمنين من هذه الأمة المباركة بمنن كثيرة، فكان منها ما هو عام لهم ولمن سبقهم من الأمم، وكان منها ما اختصهم به من خصائص وفضائل، ومن هذه الخصائص العظيم: شهر رمضان المبارك؛ الذي جاء في فضله نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ومن هذه الفضائل أن الله - سبحانه - جعل فيه للصائم دعوة مستجابة عند فطره فقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: ((الصائم لا ترد دعوته))1، وروي في الأثر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين))2، وفي هذين الحديثين يخبرنا الصادق المصدوق - عليه الصلاة والسلام - بأن للصائم دعوة مستجابة عند فطره، وذلك في كل يوم من أيام صيامه فرضاً كان أو نفلاً.
ولعل من الحكم في أن دعوة الصائم مستجابة أن الصائم يكون منكسر القلب، ضعيف النفس، قد ذل جموحه، وانكسر طموحه، واقترب من ربه، وأطاع مولاه، وترك الطعام والشراب خيفة منه، وكف عن الشهوات طاعة له - سبحانه -، فمن دعا الله وهو بهذه الحال، وألح عليه بالسؤال؛ فإن الله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه؛ كما أخبرنا - عز وجل - في كتابه أثناء الحديث عن آيات الصيام حيث يقول - سبحانه -: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}3 يقول ابن سعدي - رحمه الله -: هذا جواب سؤال سُئله النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}؛ لأنه - تعالى - الرقيب الشهيد، المطلع على السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو قريب أيضاً من داعيه؛ بالإجابة، ولهذا قال: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}"4.
وتأمل معي - أيها المبارك - قوله - جل جلاله -: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، ولم يقل بعد قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} فقل لهم، أو فقل، بل حذف ذلك؛ مما يدل على سرعة إجابته لدعاء عبده المؤمن؛ بخلاف الآيات التي فيها سؤال للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة أو من غيرهم كسؤالهم عن الأهلة؛ فقد قال الله - تعالى -: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}5 فأتى بقل، وهكذا في كل آية فيها سؤال للنبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي في الجواب: {قل}، بخلاف آية الدعاء فهي الوحيدة في القرآن التي لم يأت فيها {قل} وفي ذلك أسرار لعلنا قد ذكرنا بعضها- والله أعلم بمراده -.
والمؤمن إذا دعا الله من قلب صادق، وتوفر في دعاءه شروط إجابة الدعاء، وانتفت الموانع من ذلك؛ استجاب الله الدعاء؛ لأن الله - سبحانه - قد وعد بأن يجيب الدعاء، ووعده صدق وحق لا مرية فيه {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}6، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا}7؛ يقول الله - سبحانه -: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}8؛ وهذا المؤمن الصادق في إيمانه، الخليفة الثاني عمر - رضي الله عنه - يقول: "إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحملُ هَمَّ الدعاء، فإذا وُفِّقْتُ للدعاء جاءت الإجابة"9؛ وهي ثقة أكيدة، وتعبير صادق؛ بأن الله سيجيب دعاء من دعاه، لكن الهمَّ الذي يحمله هو همُّ التوفيق للدعاء.
فعلى المؤمن اللبيب أن يستغل ذلك الوقت الفاضل في الدعاء، فإنه كثيراً ما ينشغل الناس عن استغلاله بتجهيز الإفطار، والاستعداد للصلاة، وما أشبه ذلك، فناج ربك، واسأل مولاك من بيده خزائن الأرض والسموات، اسأل ربك وأنت في تلك الحال قد ضمرت أحشاؤك، وخوت أمعاؤك، وجفت شفتاك، وخشع قلبك، وانكسرت نفسك، فيجيبك ربك، ويعطيك سؤلك، ويحقق مرادك.
يا رب عفوك ليس غيرك يقصد يا من له كل الخلائـق تصمد
أبواب كل مملك قد أوصـدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصد
ما أحوجنا - أخي الصائم - في هذا الزمان إلى أن نمد أيدينا إلى الله داعين لأنفسنا ولآبائنا، وأمهاتنا وأبنائنا، وأهلينا، ولجميع المسلمين في كل مكان.
نسأل الله أن يجعلنا من عباده الصالحين، وأن يتوب علينا وعلى جميع المسلمين؛ إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عفراء
30-08-2010, 08:16
الدعاء في رمضان

الحمد لله الذي أمر بالدعاء، ووعد عليه الإجابة، وحث على أفعال الخير كلها، وجعل جزاءها القبول والإثابة، الحمد لله مجيب الدعوات وكاشف الكربات، فسبحانه من كريم جواد، رؤوف بالعباد، يأمر عباده بالتقرب إليه بالدعاء، ويخبرهم أن خزائنه ليس لها نفاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الرسل وخلاصة العباد، اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آله وأصحابه العلماء العبّاد، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم التناد، أما بعد:
فإن شأن الدعاء عظيم، ونفعه عميم، ومكانته عالية في الدين، فما استجلبت النعم بمثله ولا استدفعت النقم بمثله، ذلك أنه يتضمن توحيد الله، وإفراده بالعبادة دون من سواه، وهذا رأس الأمر، وأصل الدين. وإن شهرَ رمضانَ لفرصةٌ سانحة، ومناسبة كريمة مباركة يتقرب فيها العبد إلى ربه بسائر القربات، وعلى رأسها الدعاء؛ ذلكم أن مواطن الدعاء، ومظانَّ الإجابة تكثر في هذا الشهر؛ فلا غَرْوَ أن يُكْثِر المسلمون فيه من الدعاء.
أيها الناس: لعل هذا هو السر في ختم آيات الصيام بالحثّ على الدعاء، حيث يقول ربنا-عز وجل-:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
وإليكم -معشر الصائمين- هذه الوقفات اليسيرة مع مفهوم الدعاء، وفضله.
الدعاء هو أن يطلبَ الداعي ما ينفعُه وما يكشف ضُرَّه؛ وحقيقته إظهار الافتقار إلى الله، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمةُ العبوديةِ، واستشعارُ الذلةِ البشرية، وفيه معنى الثناءِ على الله -عز وجل- وإضافةِ الجود والكرم إليه.
إن للدعاء فضائل عظيمة وقد أمر الله تعالى عباده بالتوجه إليه، ودعائه والتضرع إليه، وجعل من لم تستقم نفسه إلى التوجه إلى الله والتضرع إليه من المستكبرين عن هذه العبادة العظيمة، كما قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}
. وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الدعاء هو العبادة قال ربكم : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)
، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن ربكم -تبارك وتعالى- حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا)
، عن عبادة بن الصامت قال: قال عليه الصلاة والسلام: (ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم)، فقال رجل من القوم: إذا نكثر؟ قال: (الله أكثر)
وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل). قيل: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: (يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أرَ يستجاب لي! فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء)
وقال صلى الله عليه وسلم: (القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله -أيها الناس- فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل)
أيها الصائمون: إن في ذكره تعالى هذه الآية الكريمة الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر.
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنكِ ولو بعد حين).
أيها الناس: إن للدعاء أهمية عظيمة، إذ أنه مخ العبادة، وقمة الإيمان، وسرّ المناجاة بين العبد وربه، والدعاء سهم من سهام الله، ودعاء السَّحَر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها، راغبة فيما عنده، لم يكن لها دون عرش الله مكان.
جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية، والنظر في مصالح المسلمين، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني، ووهنت قوتي، وفشت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون، واكتب لي الشهادة في سبيلك، والموت في بلد رسولك".
انظروا إلى هذا الدعاء، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء، إنها الهمم العالية، والنفوس الكبيرة، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب، ويخطب وده الجميع، حتى قال فيه القائل:
يا من يرى عمرًا تكسوه بردته

والزيت أدم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقًا

من بأسه وملوك الروم تخشاه

ماذا يرجو عمر من الله في دعائه؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته، وثقل الواجبات والأعباء، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن، والتقصير في حق الأمة، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله، والموت في بلد رسوله، فما أجمل هذه الغاية، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون مثواه بجواره.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وأتوب إليه.

عفراء
30-08-2010, 08:17
يقول معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا، فات نصيبك من الآخرة، وأنت من الدنيا على خطر".
وأخيرًا..أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه، وصدق الله العظيم إذ يقول:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
فيا أيها المؤمنون: ادعوا الله واسألوه واحرصوا على الأخذ بآداب الدعاء التي تزيد في أجره، وتغلب إجابته، فإن للدعاء آداباً واجبة ومستحبة، لها أثر بالغ في تحصيل المطلوب والأمن من المرهوب.
فمن آداب الدعاء الواجبة: أن يخلص العبد في دعائه لله -تعالى- فلا يدعو معه أحداً بل يدعوه وحده لا شريك له كما أمر الله بذلك: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}
. فدعاء غير الله وسؤاله كدعاء الأموات مثلاً أو الأحياء، شرك تحبط به الأعمال ويجنى به غضب الله الواحد القهار، فاتقوا الله -عباد الله- ووحدوه بالسؤال والدعاء والطلب: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ}
أيها المؤمنون: من آداب الدعاء دعاء الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا والثناء عليه وحمده كما قال -تعالى-: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.
ثم بعد ذلك الصلاة على خاتم الرسل -صلى الله عليه وسلم- فإن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: كل دعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يصلى فيه على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن آداب الدعاء أيها الصائمون: الدعاء بالخير والبعد عن الإثم وقطيعة الرحم والاستعجال، ففي صحيح مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي)
ويقول: (قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء)
ومن آداب الدعاء أيها المؤمنون: حسن الظن بالله -تعالى- فإن الله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه قال -صلى الله عليه وسلم-: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)
قال عمر -رضي الله عنه-: أنا لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء، فمن ألهم الدعاء فإن الإجابة معه.
عباد الله: إن من الأسباب المهمة التي تحصل بها إجابة الدعاء إطابة المأكل والمشرب والملبس فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً،ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك)
ومن الأسباب أيضاً: تحري أوقات إجابة الدعاء، وذلك نحو الدعاء في شهر رمضان عامة وفي ليلة القدر خاصة، وجوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات، وبين الأذان والإقامة، وساعة من كل ليلة، وعند النداء للصلوات المكتوبة، وعند نزول الغيث، وعند زحف الصفوف في سبيل الله، وساعة من يوم الجمعة، وأرجح الأقوال فيها أنها آخر ساعة من ساعات العصر يوم الجمعة وقد تكون ساعة الخطبة والصلاة، وعند شرب ماء زمزم مع النية الصادقة، وفي السجود، وعند الاستيقاظ من النوم ليلاً والدعاء بالمأثور في ذلك، وإذا نام على طهارة ثم استيقظ من الليل ودعا، و عند الدعاء بـ"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، ودعاء الناس عقب وفاة الميت، والدعاء بعد الثناء على الله والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير، وعند دعاء الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، ودعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب، ودعا يوم عرفة في عرفة، وعند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر، وعند الدعاء في المصيبة بـ إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها"، والدعاء حالة إقبال القلب على الله واشتداد الإخلاص، ودعاء المظلوم على من ظلمه، ودعاء الوالد لولده وعلى ولده، ودعاء المسافر، ودعاء الصائم حتى يفطر، ودعاء الصائم عند فطره، ودعاء المضطر، ودعاء الإمام العادل، ودعاء الولد البار بوالديه، والدعاء عقب الوضوء إذا دعا بالمأثور في ذلك، وغير ذلك من الأوقات. والمؤمن يدعو ربه دائما أينما كان{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}ولكن هذه الأوقات والأحوال، والأماكن تخص بمزيد عناية.
اللهم اجعل هذا الشهر شاهداً علينا بالحسنات لا شاهداً علينا بالسيئات، اللهم ما من دعوة دعوناك إليها إلا استجبتها برحمتك يا أرحم الرحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعدائك أعداء الدين.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان.
اللهم صلي وسلم على أشرف خلقك محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين.

عفراء
30-08-2010, 08:18
دعاء الأسحار يا من أدرك رمضان

شهر رمضان هو شهر كريم، يغدق فيه على أهل الإيمان بالفضائل والمكرمات، ليتنافس فيه أهل الطاعات والقربات، ويعزمون فيه على فعل كل رشيد، فترى الكثير من المسلمين ممن يصوم نهار رمضان يجتهد فيه بالطاعات، فحيناً تالياً للقرآن، وحيناً ذاكراً لله - عز وجل - يدعوه ويستغفره، وحيناً ثالثة في بر وفعل للخير، والسعي لتفطير الصائمين إذا اقترب موعد الإفطار، وكل هذا من توفيق الله - تعالى - لهذا العبد، وهو علامة على إيمانه وصلاحه، لكن العجب كل العجب أن مثل هذه المظاهر من الأعمال الصالحة تتلاشى كلما اشتدت الظلمة، وأرخى الليل سدوله، فتجد الحريص هو من يصلي بعد العشاء التراويح، ثم ماذا؟ هذا هو السؤال الذي نريد أن نقف معه قليلاً في هذا المقام.
ماذا يفعل الكثير في الساعات المتأخرة من ليل رمضان؟ ماذا يفعل كبار السن؟ والشباب؟ وماذا تفعل النساء والفتيات؟
هذه تساؤلات لابد أن نصارح أنفسنا ونحن نجيب عليها، أين نحن في الثلث الأخير من الليل في شهر رمضان؟
لعلك تبادر بجواب تتكلم فيه عن حالة أو حالتين، لكن نريد أن نعرف حال الأكثر من أهل الإسلام، نريد أن نعرف حال الكثير ممن ضيعوا فرصاً عظيمة في شهر الرحمات، و العتق من النار.
من المسلمين من يقطعون ليالي رمضان بالسهر القاتل الذي كثر فيه الكلام عن الدنيا، والحديث عن العادات والتقاليد، وذكر فلان وعلان، والله يقول: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}1.
وآخرون يقطعون الليل أمام الشاشات، فرمضان عندهم موسم للفوازير والمسابقات، والجديد من الأفلام والمسلسلات، وما دخل في مضمار التنافس على الجنات والله - تعالى - يقول: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}2.
وتجد من رجال ونساء المسلمين من لا يعرف رمضان إلا بالأسواق، فتراه إليها سباق، وهو إليها مشتاق، وينسى هنالك أنه عن وقته مسؤول، وأنه بالنظر الحرام قد فعل ما يتلف العقول، وخالف وعصى أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
إن الساعات المتأخرة من الليل هي ساعات مخصوصة بفضائل عظيمة في كل وقت من العام، فكيف إذا كانت في رمضان، فهي ساعات النزول الإلهي كما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((ينزل ربنا - تبارك وتعالى - كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له))3.
أنها ساعات استجابة الدعاء، ساعات الأعطيات، والمغفرة من رب البريات، إنها ساعات الأسحار.
الساعات التي علمها المتقون فبادروا إليها {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}4.
فأين أصحاب الحاجات؟ وأين أصحاب الأمراض والأسقام؟ أين التائبون؟ وأصحاب الديون؟ ألا يستيقظون، ألا لمثل هذه الساعات يتنبهون!
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا وقمت أشكو إلى مولاي مـا أجـد
وقلت يا عُدتي فـي كـل نائبــة ومـن عليـه لكشف الضـر أعتمد
أشكو إليك أمـوراً أنـت تعلمهـا مــالي على حملها صبرٌ ولا جلـدُ
وقد مددت يـدي بالـذل مبتهـلاً إليك يا خير من مُـدتْ إليـه يـد
فـلا تردَّنَّهـا يـا رب خائـبـةً فبحر جودك يروي كل مـا يـردُ
جاء عن جابر - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة))5.
ألم يقل الله - جل شأنه - في كتابه الكريم بين آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}6.
فإلى كل من أدرك رمضان .. الله الله في دعاء الأسحار، احذر أنه تسرقه منك القنوات، إياك أن تخطفه من بين يديك الأسواق، لا يذهبن ليلك إلا وقد ناجيت ملك الملوك الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، الذي بيده خزائن السماوات والأرض، الذي يقول في الحديث القدسي: ((... يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً؛ فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم؛ كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم؛ كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم؛ قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته؛ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر))7.
ألست تريد الهداية؟ ألست تريد أن يتوب الله عليك؟ ألست تتمنى أن يصلح الله دنياك وآخرتك؟ ألا ترجو أن يغفر الله ذنبك؟ ألست تسعى لأن يقضى دينك؟ أولست تفكر في الفردوس الأعلى؟ إذاً عليك بالأسحار.
اللهم يا مجيب الدعاء استجب دعاءنا، وتقبل أعمالنا، وبارك لنا في أعمارنا، ووفقنا لدعوة مستجابة تغفر بها ذنوبنا، وتصلح بها قلوبنا، وتقضي بها ديوننا .. اللهم آمين.