المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ليلة القدر خير من ألف شهر ...


عفراء
30-08-2010, 07:12
من فضائل هذه الأمة أن جعل الله - تعالى - لها مواسم للطاعات والأعمال الصالحات؛ ليتفضل عليهم بالرحمة والغفران والعتق من النيران, ومن هذه المواسم شهر رمضان, ومن أعظم فضائل شهر رمضان اشتماله على ليلة القدر التي باركها الله وشرفها على غيرها من الليالي فقال تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
ليلة القدر: خير من ألف شهر في الخيرات والأجور. عملٌ صالح في ليلة القدر خير من عَمِل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: "ليلة القدر مختصة بهذه الأمة، زادها الله شرفاً، فلم تكن لمن قبلها..."، وقال أيضاً: "ليلة القدر باقية إلى يوم القيامة، ويستحب طلبها والاجتهاد في إدراكها ".
ما أدركها داع إلا وظفر بتعجيل الإجابة، ولا سأل فيها سائل إلا أعطاه سؤاله وأثابه، ولا استجاره فيها مستجير إلا أجاره الله وكفاه، ولا أناب إليه فيها منيب إلا قبله واجتباه، ولا تعرض لمعروفه طالب إلا جاد عليه وحباه.
قال سفيان الثوري - رحمه الله -: "الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة، قال: وإذا كان يقرأ وهو يدعو ويرغب إلى الله في الدعاء والمسألة لعله يوافق"، وقال ابن رجب رحمه الله: "ومراده - أي سفيان - أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسناً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمرُّ بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة، والدعاء والتفكر، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها، والله أعلم؛ وقد قال الشعبي في ليلة القدر: ليلها كنهارها؛ وقال الشافعي في القديم: "أستحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها" طلائع السلوان في فضائل رمضان لحمزة بن فايع الفتحي (1/158). .
وما سميت بليلة القدر إلا لأنها ذات قدر وشرف عظيم، ولو لم يكن لها من القدر إلا أن الله أنزل فيها القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا؛ لكفى تعظيماً وشرفاً، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) رواه البخاري. فقوله "إيماناً واحتساباً" يعني إيماناً بالله, وبما أعد الله من الثواب للقائمين فيها, واحتساباً للأجر وطلب الثواب.
وقد أخفى الله سبحانه وتعالى علمها على العباد رحمة بهم, ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة، والذكر، والدعاء, فيزدادوا قربة من الله وثواباً, واختباراً لهم أيضاً ليتبين بذلك من كان جاداً في طلبها، حريصاً عليها؛ ممن كان ممن كسلان متهاوناً.
وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم مقدار خيريتها كما صح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم)) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني
وقد يتساءل كثير من المسلمين: كيف نعرف ليلة القدر؟ وهل لها علامات تعرف بها؟ ما صفاتها؟
فإن من علامات ليلة القدر:
1- أنها ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة: فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ليلة القدر ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء)) أخرجه الطيالسي وصححه الألباني.
2- أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها وتصبح ضعيفة حمراء: فعن زر بن حبيش رضي الله عنه قال: سمعت أبيَّ بن كعب يقول - وقيل له إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر - فقال أُبيّ: "والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني -، ووالله إني لأعلم أي ليلة هي: هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتها: أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها" رواه مسلم. ولا بأس أن يجمع بين هذا الأثر، وبين الحديث السابق ((تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء)) بأن يقال: أتها أول ما تبدو ضعيفة حمراء، ثم تكون بيضاء لا شعاع لها إلى ما شاء الله، ثم تعود على طبيعتها.
3- ليلة لا يُرمى فيها بنجم: فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليلة القدر بلجة، لا حارة ولا باردة، ولا يرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها)) رواه الطبراني وصحح الألباني هذا الجزء من الحديث.
وذكر بعض العلماء علامات أخرى - منها -:
4- زيادة النور في تلك الليلة وطمأنينة القلب وانشراح الصدر من المؤمن.
5- أنها أرجى في الأوتار من العشر الأواخر: وقد دل على ذلك أحاديث كثيرة منها حديث أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر)) رواه البخاري ومسلم. قال ابن تيمية رحمه الله : "ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((هي في العشر الأواخر )) رواه البخاري . وتكون في الوتر منها، لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين " الفتاوى الكبرى (2/475).

فالله الله في الاجتهاد في هذه الليلة، وتحريها كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يتحرونها؛ لأنها أفضل الليالي وفيها من الخيرات والبركات والمسرات ما ليس في غيرها.
وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ قال: (( تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )) صحيح ابن ماجه.
شمر أخي عن ساعد الجد، وقم لله حتى تتفطر قدماك كما قام نبيك - صلى الله عليه وسلم -، وأعلن التوبة والرجوع إلى الله في ثلث الليل الآخر رافعاً أكف الضراعة، ودموعك تجري على خديك، وقلبك حاضر منكسر، وقف بباب مولاك ، ولُذ بجنابه. فإذا ما تعلقت الروح بالملكوت الأعلى؛ فحينها ناجه بخضوع وخشوع، وناده منيباً مخبتاً : يا وهاب، يا منان، يا رحمن، يا غافر الذنب، يا كاشف الكرب، أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى "أن تعتقني من النار"، ثم اطرح جبهتك على عتبة باب المحبة، وتلطف في الدعاء، واهتف بذل وانكسار، وخوف واضطرار، ورجاء واستسلام، واسأل وأنت موقن بالإجابة ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ). فحينها يأتيك الجواب ممن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء: "عبدي قد غفرت وسامحت، وسترت وصفحت".
اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً. واغفر لنا ما تقدم من ذنوبنا، وأعتقنا من النار، وأسعدنا سعادة لا نشقى بعدها أبداً.

عفراء
30-08-2010, 08:20
دعاء ليلة القدر

قال الله - تعالى - عن فضل ليلة القدر {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}1، وجدير بنا أن نتفكر في قدر هذا الفضل الكبير الذي منحه الله - تعالى - لعباده في هذه الليلة المباركة، وأن نستجلي ما فيه من جوانب الرحمة والإنعام حتى نستقبله بما يليق به من السعي في تحصيله، والشكر على تقديره.
ولكل عبادة مميزات تخصها، وميزة الدعاء أنه من أعظم العبادات حتى جاء في الحديث: ((الدعاء هو العبادة))2 أي: من أعظم العبادة؛ لأن الدعاء يستلزم أن يوطن العبد نفسه فيه على معاني العبادة من الذل والخضوع والمسكنة، قال مطرف بن عبد الله: "تذاكرت: ما جماع الخير؟ فإذا الخير كثير الصيام والصلاة، وإذا هو في يد الله - تعالى -، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إلا أن تسأله فيعطيك، فإذا جماع الخير الدعاء".
وشرف الدعاء متعلق بشرف الزمان والمكان لذا حرصت عائشة - رضي الله عنها - على سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن دعاء ليلة القدر فكان الجواب: ((قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني))3، قال بعض العلماء:"والله لقد نظرت في هذا الأثر فإذا به جمع خيري الدنيا والآخرة"؛ لأن من عوفي في بدنه، ومن عوفي في دينه، ومن عوفي في كل أحواله في الدنيا، وعوفي يوم القيامة من الحساب؛ لم يبق بعد ذلك شيء يطلبه"4.
والسبب أن دعاء ليلة القدر ينبغي أن تتوفر فيه مواصفات مخصوصة تجمع للمرء حاجاته الدينية والدنيوية كلها، وقد ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء؛ فإذا ألهمت الدعاء علمت أن الإجابة معه"؛ إشارة منه - رضي الله عنه - إلى أهمية اختيار الدعاء المناسب الذي تتوفر فيه الصفات المؤهلة للقبول والإجابة، ومن ذلك الثناء على الله، والتوسل إليه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى؛ المناسبين لمعنى الدعاء، قال ابن القيم: "قاعدة قد أشرنا إليها مراراً، وهي أن من دعا الله - تعالى - بأسمائه الحسنى؛ أن يسأل في كل مطلوب، ويتوسل إليه بالاسم المقتضي لذلك المطلوب المناسب لحصوله".
وكذلك اختيار الدعاء الجامع للمعاني، المناسب لحال الداعي كما جاء من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الجوامع من الدعاء، ويدع ما بين ذلك"، والمعنى المقصود من الدعاء الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - هو الجمع بين صفة الثناء على الله في قوله: ((عفو كريم تحب العفو)) وكونه جامعاً في قوله: ((فاعف عني))، وكذلك مناسبته لحال الداعي في إظهار العجز والتقصير، وأنه لا حول لي ولا قوة ولا نجاة إلا أن تعفو عن ذنبي وتقصيري، وتفريطي وعجزي.
ولذا لمَّا عرف العارفون بجلاله خضعوا، ولما سمع المذنبون بعفوه طمعوا، ما ثمَّ إلا عفو الله أو النار، ولولا طمع المذنبين في العفو لاحترقت قلوبهم باليأس من الرحمة، ولكن إذا ذكرت عفو الله استروحت إلى برد عفوه.
كان بعض المتقدمين يقول في دعائه: "اللهم إن ذنوبي قد عظمت فجلَّت عن الصفة، وإنها صغيرة في جنب عفوك، فاعف عني، وقال آخر منهم: "جرمي عظيم، وعفوك كثير؛ فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم".
يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر أكبر الأوزار في جنب عفو الله يصغر
اللهم إنا نسألك التوفيق لليلة القدر، وقيامها إيماناً واحتساباً، والحمد لله أولاً وآخراً.