عفراء
25-08-2010, 06:47
عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوريّ رحمه الله
كنز من كنوز الادب والعلم ،
كثيراً ما ألجأ إلى رياضه أتجول بين بستان وحديقة ، وقطيفة وأيكة . فما يزال يُمدّني بالحكم والمواعظ والشعر والأدب والفكرة والخاطرة .
قرأت اليوم من إحدى روضات زهدياته ،
فأحببت أن أنقل لكم بعض حِكمها وعظاتها :
- كان زيد الرقاشي يخاطب نفسه قائلاً : ويحك يايزيد ؛ من يصوم عنك ؟ من يصلّي عنك ؟ ومنذا يترضّى لك ربك من بعدك؟ ثم يقول : يا معشرَ مَنِ الموتُ موعدُه ، والقبر بيتُه ؛ ألا تبكون؟ ! .. فيبكي حتى تسقط أشفار عينيه .
- وكان سيّار بن جعفر يقول : أخوك مَن وعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه .
- وتكلم الحسن البصري يوماً حتى أبكى مَن حوله ، فقال: عجيجٌ كعجيج النساء ، ولا عزم ، وخدعة كخدعة إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء وهم يبكون ؟ . ( والعجيج : الصياح ورفع الصوت ) .
- فقد مالك بن دينار مصحفه في مجلسه ، فنظر إليهم كلّهم يبكون ، فقال : كلّكم يبكي ! فمن سرق المصحف ؟! ... قرأت ماقاله ، فابتسمت ابتسامة الموافق تعجّبـَه ، فقد صلينا التراويح في مسجد حينا أمس الأول فلما أردت الخروج لم أجد حذائي ، وهذه ثالث مرة أو رابعها أفقده . وعدت إلى البيت حافياً .. واشتريت حذاءً يزهد الناس فيه .
- قال ابن الحواريّ : رأيت أبا سليمان الداراني يبكي ، فقلت له : ما يبكيك ؟ قال : إنما أبكي لذلك الغمّ الذي ليس فيه فرح ، وذلك الأمد الذي ليس له انقطاع .
- قال بعضهم : أتيت الشام ، فمررت بدير حَرمَلة ، وبه راهب كأن عينيه عِدلا مزاد ؛ فقلت : ما يُبكيك ؟ قال : يا مسلم ؛ أبكي على ما فرّطْتُ فيه من عمري ، وعلى يوم مضى من أجَلي لم يَحْسُن به عملي . قال : ثم مررت بعد ذلك ، فسألتُ عنه ، فقالوا : أسلمَ ، وغزا ، فقـُتـِل في بلاد الروم .
- قال ابن الحواريّ : دخلت على أبي سليمان الدارانيّ وهو يبكي ، فقلت : ما يُبكيك ؟ قال : يا أحمد ؛ إنه إذا جنّ الليل ، وهدأت العيون ، وأنِس كل خليل بخليله فرَش أهل المحبّة أقدامَهم ، وجرَتْ دموعُهم على خدودهم ، وأشرف عليهم الجليل فقال : بعيني مَنْ تلذّذ بكلامي واستراح إليّ ، فما هذا البكاء الذي أراه منكم؟ هل أخبركم أحد أن حبيباً يعذّب أحبّاءَه ؟! أم كيف أبّيِّتُ قوماً وعند البيات أجدهم وقوفاً يتملّقونني ! فبي حلفتُ أن أكشف لهم يوم القيامة عن وجهي ينظرون إليّ .
- قالت الخنساء : كنت أبكي لصخر من القتل ، فأنا أبكي له اليوم من النار.
- قال عمر بن ذدٍّ لأبيه : يا أبَتِ ؛ ما لك إذا تكلّمتَ أبكيت الناس ، وإذا تكلّم غيرُك لم يُبكِهم ؟ فقال : يا بنيّ ؛ ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة .
- قال الفضيل لأحد تلامذته وقد أخذ بيده : يا ولدي ؛ كذب مَن الدّعى محبتي وإذا جنّ ليلُه نام عنّي ، أليس كل حبيب يحبّ خَلوةَ حبيبه ؟! ها أنَذا مطّلع على أحبائي ، إذا جنّ الليل جعلتُ أبصارهم في قلوبهم ، مثّلت نفسي بين أعينهم ، فخاطبوني على المشاهدة ، وكلّموني على الحضور .
- وفي بعض ما أوحى الله إلى نبيّ من أنبيائه : هبْ لي مِن قلبك الخشوعَ ، ومن بدنك الخضوعَ ، ومن عينك الدموعَ ، وادْعُني ، فإنّي قريب .
- وكان عمر رضي الله عنه يقول : استغزِروا العيونَ بالتذكّر .
- ومسك الختام قول النبي صلى الله عليه وسلم : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله " .
كنز من كنوز الادب والعلم ،
كثيراً ما ألجأ إلى رياضه أتجول بين بستان وحديقة ، وقطيفة وأيكة . فما يزال يُمدّني بالحكم والمواعظ والشعر والأدب والفكرة والخاطرة .
قرأت اليوم من إحدى روضات زهدياته ،
فأحببت أن أنقل لكم بعض حِكمها وعظاتها :
- كان زيد الرقاشي يخاطب نفسه قائلاً : ويحك يايزيد ؛ من يصوم عنك ؟ من يصلّي عنك ؟ ومنذا يترضّى لك ربك من بعدك؟ ثم يقول : يا معشرَ مَنِ الموتُ موعدُه ، والقبر بيتُه ؛ ألا تبكون؟ ! .. فيبكي حتى تسقط أشفار عينيه .
- وكان سيّار بن جعفر يقول : أخوك مَن وعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه .
- وتكلم الحسن البصري يوماً حتى أبكى مَن حوله ، فقال: عجيجٌ كعجيج النساء ، ولا عزم ، وخدعة كخدعة إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء وهم يبكون ؟ . ( والعجيج : الصياح ورفع الصوت ) .
- فقد مالك بن دينار مصحفه في مجلسه ، فنظر إليهم كلّهم يبكون ، فقال : كلّكم يبكي ! فمن سرق المصحف ؟! ... قرأت ماقاله ، فابتسمت ابتسامة الموافق تعجّبـَه ، فقد صلينا التراويح في مسجد حينا أمس الأول فلما أردت الخروج لم أجد حذائي ، وهذه ثالث مرة أو رابعها أفقده . وعدت إلى البيت حافياً .. واشتريت حذاءً يزهد الناس فيه .
- قال ابن الحواريّ : رأيت أبا سليمان الداراني يبكي ، فقلت له : ما يبكيك ؟ قال : إنما أبكي لذلك الغمّ الذي ليس فيه فرح ، وذلك الأمد الذي ليس له انقطاع .
- قال بعضهم : أتيت الشام ، فمررت بدير حَرمَلة ، وبه راهب كأن عينيه عِدلا مزاد ؛ فقلت : ما يُبكيك ؟ قال : يا مسلم ؛ أبكي على ما فرّطْتُ فيه من عمري ، وعلى يوم مضى من أجَلي لم يَحْسُن به عملي . قال : ثم مررت بعد ذلك ، فسألتُ عنه ، فقالوا : أسلمَ ، وغزا ، فقـُتـِل في بلاد الروم .
- قال ابن الحواريّ : دخلت على أبي سليمان الدارانيّ وهو يبكي ، فقلت : ما يُبكيك ؟ قال : يا أحمد ؛ إنه إذا جنّ الليل ، وهدأت العيون ، وأنِس كل خليل بخليله فرَش أهل المحبّة أقدامَهم ، وجرَتْ دموعُهم على خدودهم ، وأشرف عليهم الجليل فقال : بعيني مَنْ تلذّذ بكلامي واستراح إليّ ، فما هذا البكاء الذي أراه منكم؟ هل أخبركم أحد أن حبيباً يعذّب أحبّاءَه ؟! أم كيف أبّيِّتُ قوماً وعند البيات أجدهم وقوفاً يتملّقونني ! فبي حلفتُ أن أكشف لهم يوم القيامة عن وجهي ينظرون إليّ .
- قالت الخنساء : كنت أبكي لصخر من القتل ، فأنا أبكي له اليوم من النار.
- قال عمر بن ذدٍّ لأبيه : يا أبَتِ ؛ ما لك إذا تكلّمتَ أبكيت الناس ، وإذا تكلّم غيرُك لم يُبكِهم ؟ فقال : يا بنيّ ؛ ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة .
- قال الفضيل لأحد تلامذته وقد أخذ بيده : يا ولدي ؛ كذب مَن الدّعى محبتي وإذا جنّ ليلُه نام عنّي ، أليس كل حبيب يحبّ خَلوةَ حبيبه ؟! ها أنَذا مطّلع على أحبائي ، إذا جنّ الليل جعلتُ أبصارهم في قلوبهم ، مثّلت نفسي بين أعينهم ، فخاطبوني على المشاهدة ، وكلّموني على الحضور .
- وفي بعض ما أوحى الله إلى نبيّ من أنبيائه : هبْ لي مِن قلبك الخشوعَ ، ومن بدنك الخضوعَ ، ومن عينك الدموعَ ، وادْعُني ، فإنّي قريب .
- وكان عمر رضي الله عنه يقول : استغزِروا العيونَ بالتذكّر .
- ومسك الختام قول النبي صلى الله عليه وسلم : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله " .