المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خـلف محـمد الـتـل ( أبو هاجـم )...


عفراء
20-06-2010, 02:06
المناضل خـلف محمد الـتــل ( أبو هاجـم )

بحث موسى الكايد

حيث ان العـرب ما زالوا في بداية الوعي بمخاطر الانتدابات الأوروبية على بلادهم . . .
التقى الشرفاء وأصحاب المواقف والثوابت القومية من أجل استقلال والوطن وعروبته والدفاع عن مقدراته وسيادته ودحض المعتدي الغاشم :
من أمثال خلف التـل وعلي خلقي الشرايري ، واحمد التـل (ابو مصعب ) ومحمد علي العجلوني ، ومحمد صبحي ابو غنيمة ، مصطفى وهبي التـل ، وسعيد خـير ، ومصطفى وهبي التـل ومنور الحـديد ، وغيرهم من أبناء الأردن الأوائل ، قانعين أن الأطماع الاستعمارية لن تتوقف ، وان الأخطار تهدد الوجود الحضاري والثقافي للعرب ، كل العرب . .

وهكذا كان المناضل خـلف محمد الـتل : محارباً ، مقاتلاً ، عنيداً في قتاله ، فقد قاتل في السويس ، وبئر السبع، وغزة ، والخليل ، والقدس ، خلال الحرب العالمية الاولى سنة 1914م وفي الجولة ، ومرجعيون ، والعرقوب ، ضد القوات الفرنسية خلال ثورة الجولان الاولى عام 1919 م ، وقاتل في الموصل او تلعفر في العراق خلال الثورة الشعبية العراقية ضد الوجود البريطاني في أواسط عام 1920م ، وتصدى بقوة الى الغزوات الوهابية على الأردن عام 1922. .


كان خـلف التـل موضع الاحترام والتقدير أينما حل وارتحل ، وقد بنى خلال حياته : 57 عاماً ، علاقات مميزة مع قادة وزعماء ورؤساء ، وأصحاب رأي عام وسياسيين ومجاهدين ، من الأردن والأقطار العربية ، وكانت علاقاته مع هؤلاء ( النخبة ) دافئة ومتواصلة ، وقد ذكروه بالخير في مذكراتهم وأوراقهم الخاصة ، ونذكر منهم السادة : المجاهد احمد مريود ، والمجاهد نبيه العظمة ، والمجاهد احمد الخطيب ( من سورية ) ، تحسين بك العسكري ، جميل باشا الراوي ، جميل المدفعي ( العراق ) ، شفيق رشيدات ، حسن حشيشو ، محمود ابو غنيمة ، احمد الشرع ، سيف الدين العجلوني ، محمد علي العجلوني ، صالح التل ، يعقوب العودات وغيرهم ، هذا بالاضافة الى مكانته الكبيرة عند الملك عبدالله ، وعند رؤساء الوزارات في تلك الحقبة من تاريخ الأردن .

نســبه :

ينتسب خـلف محمد الـتل وعشيرته الى قبيلة ( بني زيدان التي جاءت من عرب الطائف في الحجاز ايام الفتح والتحرير العربي الإسلامي الصلاحي ( نسبة الى صلاح الدين ) ، ونزلت في ارض ( بني اسد) النازلين في ( معرة النعمان ) بين الشام وحلب ، وحسب ما جاء في كتاب ( الجليل والبلاد السورية ) من عام (16989- 1777م) الصادر عن ( مطبعة الحكيم ) في الناصرة عام 1979م وكتاب ( الريف السوري ) الجزء الثاني لمؤلفه المؤرخ ، الاستاذ ( احمد وصفي زكريا ) الصادر في دمشق عام 1997 م ، والمخطوط التاريخي عن قبيلة بني زيدان ، المحفوظ في مكتبه الشيخ احمد زكي باشا في القاهرة ، حسب هذه المصادرة التاريخية التي تؤكد على ان عشيرة ( آل التل ) تعود بجذورها النسبية الى الإمام الشريف ( زيد ) من أحفاد الإمام علي بن ابي طالب ( كرم الله وجهة ) ، واطلق عليهم عرب الحجاز اسم ( بني زيد ) ، وعندما كبرت العائلة وانتشرت فروعها في الجزيرة العربية وبلاد الشام اطلق عليها اسم ، ( قبيلة بني زيدان) ، وتقول المصادر : !! هجرت هذه القبيلة ديارها بسبب نزاعات قبلية وعشائرية وتفرقت ما بين الشام وحلب وبلودان ، والزبدان وتل امنين ، وتل ( المدينة) ، وبيروت ، وفي الشمال الأردني ( اربد ) ، وقد افاد المرحوم صالح مصطفى اليوسف التل ( والد الشاعر المرحوم مصطفى وهبي التل ( ابو مصطفى) في أوراقه ( مخطوط ) ان شجرة العائلة موجودة قبل مائتي سنة !! وأول جد لهذه العائلة هو الشيخ يوسف الذي خلف ( ملحم ) ، و( ملحم ) خلف أربعة اولاد هم : حسين وحسن ، وعبد الرحمن ، وعبد الرحيم ، ومنهم جاءت عائلة التـل التي تنتسب الى الأمير الظاهر عمر الزيداني شيخ وأمير قبيلة بني زيدان الذي أسس دولة مترامية الأطرف !!!

وعن هجرة عائلة التل من الحجاز الى بلاد الشام ، واستقرارها في الأردن اخيراً :

ذكر الأديب الراحل يعقوب العودات في كتابه ( عرار ... شاعر الأردن ) إن جد العائلة ،، هاجر من الحجاز وحل في مدينة عمان ، وأقام على المرتفع الذي بنيت عليه قلعة عمان ، ويسميه الأرادنة ( التل ) ، ثم نزحوا من عمان الى اربد وأقاموا فيها حتى الآن ،، وذكر الجنرال البريطاني ( فردريك بيك ) في كتابه تاريخ شرقي الأردن وقبائلها. ان عائلة التل بعد هجرتها من الحجاز، أقاموا نحو ثلاثين عاماً في عمان ثم نزحوا الى اربد واستوطنوها ، وذكر العلامة المرحوم '' روكس بن زايد العزيزي '' في كتابه '' معلمة التراث الأردني '' ، إن عائلة '' التل '' هاجرت من الحجاز الى بلدة '' التل '' بالقرب من دمشق 12 كم - وعندما نزلوا اربد اطلقوا عليهم اسم ( التل ) أي نسبة الى بلدة التل ، السورية -0 ، وبنوا منازلهم حول تل اربد ، وقال اللواء علي خلقي الشرايري في مذكراته ( مخطوط ) عن تاريخ العشائر الاربدية ما يلي : - '' عندما كانت اربد قرية صغيرة لم يسكن هذه القرية سوى عشيرتنا ( الشرايرى ) ، وتلاها عشيرة من طفس تكنى بالدلاقمة ( الدلقموني ) ، وتوالت عشيرة ( عبنده ) من الكورة، ثم عشيرة الرشيدات ، ثم عشيرة الخريسات ، ثم عشيرة ( التل ) .

ويعد الأمير الظاهر عمر الزيداني العميد القوي للقبيلة منذ عام 1730م ، وامتد حكمه على مساحات واسعة من الساحلين السوري واللبناني بالاضافة الى الساحل الفلسطيني الشمالي ، وبعض المناطق في جبل عجلون ، وكانت طموحاته عربية إسلامية يهدف الى إقامة دولة قوية بعيدة عن السيطرة العثمانية لذلك ، اهتم ببناء القلاع القوية ومن قلاعه ، قلعة ( تبنة ) في لواء الكورة ، وقد بناها عام 1769 م ، لتكون مركزاً لعملياته العسكرية والمناطق التي يسيطر عليها ، من عكا عاصمة ملكه الى الجليل وصفد وعجلون واربد ، ذكر كبار السن في اربد من عائلة '' التل '' '' انهم كانوا يرافقون أجدادهم صبيحة أيام الأعياد لزيارة قبور أجدادهم في ( كوكب الهوا ) وأكدوا على وجود بعض الأملاك لهم في بلدة ( عنبة ) ويعد الجامع الزيداني في لواء الكورة من مناقب أجدادهم ..

انتقلت قبيلة ( الزيادنة ) الى منطقة ( الزبداني ) شرق مدينة دمشق ( 45كم) بعد صراع استمر طويلاً بين الأمير الظاهر عمر وبين ممثل الحكومة العثمانية احمد باشا الجزار ، حيث حسم ( الجزار ) الصراع لصالحه فأسس، الشيخ عباس الأول ، إمارة الزبادنة في منطقة الزبداني عام 1807م ، وتفرعت القبيلة الى عدة فروع أهمها :

- عشيرة التل ، في الأردن ، ومناطق الزبداني .

- عشيرة شهاب الدين ، في القطر اللبناني .

- عشيرة الباردوي ، في القطرين العربي السوري واللبناني

وما زالت هذه العشائر في مناطقها المذكورة منذ القرن التاسع عشر وترتبط حالياً بعلاقات نسبية ، وتعتز بجذورها التاريخية كفرع من فروع آل البيت ، ومن أشراف بلاد الشام .
أنشغلت العائلة السورية من آل التل في الزراعة والتجارة ، وتملك حالياً المساحات الشاسعة من غوطة دمشق ، الشرقية ( الزبداني - بلودان - بقين - مضايا ) ، وانشغلت عائلة البارودي في الحياة الجهادية، النضالية ضد المستعمر الفرنسي ، وأنجبت العشرات من الأدباء والشعراء ، وفي مقدمتهم الشاعر المناضل '' فخر الدين البارودي '' . .
وانشغل أبناء العائلة من آل '' التل في الأردنفي القضايا الوطنية والعلمية والسياسية منذ العهد العثماني الى تاريخ الأردن الحديث .
الدراســة
كانت المسألة التعليمية من المسائل المعقدة في الأردن خلال الحكم العثماني ، وبخاصة في منطقتي الجنوب والشمال الأردني ، ولم تؤسس المدارس في القرى الأردنية إلا بعد عام 1922م أما اول مدرسة تأسست في مدينةاربد فكانت عام 1879 ، بجهود الشيخ مصطفى صالح التل ، ولم تصل مرحلة التعليم الى اكثر من الابتدائية ، ويقسم التعليم الى مرحلتين :
- المرحلة الاولى : - التعليم الابتدائي ، ومدة الدراسة ثلاث سنوات ، وكانت المواد التي تدرس خلال تلك المرحلة هي : الديانة الإسلامية ، والتركيز فيها على القرآن الكريم ، والخط العربي ، والحسا ب وتدرس هذه المواد باللغة العربية .
- المرحلة الثانية: - التعليم الابتدائي الكامل ، ويسمى ( التعليم الرشدي ) ، ومدة الدراسة ثلاث سنوات .، ومواد الدراسة ، الهندسة والطبيعيات والتاريخ والجغرافيا وتدرس باللغة التركية.
في ظل هذه البيئة انتسب خلف التل الى المدرسة الابتدائية عام 1896م وتخرج منها عام 1899م على يد المعلم الوحيد في المدرسة الشيخ « أبو الضباع » : يسمى للتعريف ، وهو الشيخ محمد أفندي الخطيب ( أبو الضباع ) ، وفي عام 1905م حصل ( خلف ) على المنحة الدراسية السلطانية لاستكمال دراسته في مكتب عــنبر أشهر مدارس بلاد الشام وقت ذاك على الإطلاق ، لتفوقه بالدراسة خلال المرحلتين الابتدائية الاولى والابتدائية الثانية ( التعليم الرشدي ) .
سجل خلف في الصف السابع ( الأول إعدادي ) وكان من الطلاب ، المتفوقين في دراستهم ، وبنى علاقات جيدة وحميمة مع طلاب صفه ومع اساتذته ، ومع الذين يشاركونه في غرفة القسم الداخلي وتعلم الكثير ، وعرف الكثير منذ بداية العام الدراسي . .
عاشخلف الـتل تسع سنوات في دمشق ، وتخرج من( عــنـبر ) عام 1915 م ، بشهادة الدراسة الثانوية العامة ومن بين الطلاب الذين كانوا معه : الشيخ يعقوب ابراهيم ، خلف محمد التل ، عبد الرحمن الدخيل ، زيدان شرايدى ، عبد الرحمن الصويتي ، خلف احمد التل ( أبو قدري ) زايد سعد البطاينة ، سرجوس نايفة ، أ حمد التل ( أبو مصعب ) ، أحمد الروسان ، جلال القطب ، محمود ابو غنيمة ، محمد صبحي ابو غنيمة . ( وصورتهم أخذت عام 1912 موجودة لدى الأستاذ محمود عبيدات ) . .[/COLOR]
العـسكـريـة و الجـيش الـتركـي
قامت فلسفة نظام الحكم السلطاني العثماني وانطلاقاً من قانونية وشرعية (المواطنة) العثمانية ، كان قانون انتساب الشباب العربي للجيش العثماني .
وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، ودخول الأتراك الى جانب ألمانيا في محرقتها ، أخذت وزارة الحربية تجند الشباب من خريجي الثانوية العامة ، وتمنحهم رتبة ضابط بعد دراستهم ثلاثة أشهر في الكلية العسكرية ، وتسمى هذه الخدمة العسكرية بالخدمة المقصورة ، وكانت دراسة خلف التل العسكرية في كلية (بعلبك) في البقاع اللبناني ، وتمكن خلال تلك الفترة القصيرة من استيعاب العلوم العسكرية الأولى ، من تدريب على السلاح ، ومن ثقافة الضبط والربط المعروفتين في الأخلاق العسكرية ، ومنح وسام التفوق بعد تخرجه من الكلية مباشرة ، وبقي في بعلبك حوالي السبعة أشهر يخدم في سرية النقل والتموين .
وخلال خدمته في البقاع ، تولد لديه استياء وذلك نتيجة المواقف المعادية للعرب من قبل الضباط الأتراك ، الذين كانوا يكيلون اللعنات والشتائم بحق الزعماء وقادة الأحزاب الوطنية ، وبخاصة زعماء العربية الفتاة . وكان برفقته في كلية بعلبك محمد علي العجلوني ، وجلال القطب من الأردن ، ومحمد مريود من الجولان ، وعلي محمود الزعبي من حوران (درعا) ، وحسين سالم بيضون من لبنان . .
وعلى ضوء ذلك عمد المسئولين الأتراك الى تفريق الشباب القادة العرب الى الوحدات غير المحاربة في الجيش ، أما القائد خلف محمد التل فقد تم نقله الى دمشق ، وعين قائداً للسرية (80) التابعة للفرقة (17) والتي معظم ضباطها وجنودها من الولايات العربية .
ومن دمشق، انتقل مع سريته الى بئر السبع ، بينما قيادة الفرقة (17) تمركزت في سيناء بعد فشل جمال باشا في حملته على قناة السويس ، وكانت مهمة السرية التي يقودها خلف التل « تسهيل عمليات النقل والتموين ، وحشد القوات البدوية لصالح المجهود الحربي ».
بعد سقوط القدس ، وبيت لحم ، والخليل ، بيد الجيش البريطاني ، انتقل (طابور) خلف التل الى السلط « وكانت وظيفة هذا الطابور فتح الطرق والاستحكامات » ، وبقي في السلط الى ما بعد سقوطها في تشرين الثاني 1918م ، وبعد سقوط دمشق ، انضم مع بقية الضباط العرب للجيش العربي الفيصلي
في يوم 22 تشرين الأول ، أصدر الجنرال البريطاني ( اللنبي بياناً تضمن تقسيم سورية الطبيعية الى ثلاث مناطق عسكرية باعتبارها « بلاد العدو المحتلة ! ! » . المنطقة الجنوبية فلسطين
وتتولى القوات البريطانية إدارتها مباشرة.
المنطقة الشرقية سورية الداخلية وشرقي الأردن ويتولى إدارتها العليا لأمير فيصل
ويكون الحاكم العسكري العام الركابي مسئولا أمام اللبني بصفته القائد العسكري العام ، بالاضافة الى مسؤولية الركابي أمام الأمير فيصل .
المنطقة الغربية لبنان والساحل
السوري وتتولى القوات الفرنسية إدارتها مباشرة.
حـوران:
وتم اختيا رخلف التـل من قبل القائد رشيد المدفعي ليكون قائداً على القوة العسكرية في محافظة حـوران ، وكانت مهماته الأمنية تشمل : درعا - قضاء عجلون - جرش - أزرع - المسمية – بصرى .
في عام 1919م ، نقلت قيادة الفرقة الثانية من عمان الى درعا ، وتولى قيادتها القائد عبد اللطيف نوري ، الصديق الشخصي للملازم خلف الـتل
، حيث كانا معاً في بئر السبع ، وشهدا معاً سقوط السلط وعمان ، وانتسبا معاً لقوات الجـيش العـربي لذلك كان التفاهم بينهما جيداً ومميزاً ، يشهد له أهل حوران .
لقد بنى القائد خلف محمد التـل خلال خدمته العسكرية والأمنية في حوران ، علاقات جيدة مع زعماء حوران ، وعقد معهم عدة لقاءات واجتماعات وبخاصة بعد إنذار غورو للأمير فيصل ، ونظم وإياهم حملة لدعم ثورة الجولان الأولى (1919 - 1920)، حيث كان اللواء علي خلقي الشرايري يشغل وظيفة الحاكم العسكري للقنطيرة ، وهو الذي قاد الثورة بالتعاون مع المجاهدين أحمد مريود والأمير محمود الفاعور . وهذا يثبت الدور المميز للقائد خلف الـتل في العلاقات مع زعماء حـوران ومنهم :
- فاضل المحاميد ، شيخ مشايخ درعا.
- اسماعيل الحريري ، شيخ مشايخ حوران.
- مصطفى الخليلي ، قائد الثورة الحورانية.
- فارس أحمد الزعبي ، شيخ منطقة دير البخيت.
- طلعت الأحمر، شيخ منطقة اللجاة.
- موسى العقلة ، شيخ الغاربة الشرقية.
- سالم عكاش ، شيخ منطقة الزوبة.
وكانت المؤامرة البريطانية - الفرنسية أكبر من مقدرات الدولة الفتية ، فسقط الحكم العربي بعد معركة ميسلون ، وغادر الملك فيصل سورية الى فلسطين ومنها الى العراق ، وغادر خلف التل حوران ، ومنها أيضاً الى العراق ، ولكن الى أرض المعركة في تلعـفـر، حيث انطلقت الثورة العراقـية ضد الاحتلال البريطاني ، وكان خلف الـتل أحد فرسانها كما يشهد له بذلك قادة الثورة العراقـية
خـلف الـتـل والثـورة العـراقـيــة ( 1920م )
عشية الحرب العالمية الأولى ، كان التنافس الأوروبي على وطننا العربي - وبخاصة بلاد الشام والعراق - قد بلغ حد الحـرب الخفية ، مع تطور التقنيات وتضخم المصالح ، وبروز عوالم جديدة ، قد يكون أهمها اكتشاف النفط في العراق ، وسرعة التطويق ، البريطاني للوجود الألماني في البصرة ، عبر بسط الحماية على الكويت والتدخل المباشر في الأهواز .
ولما كان لموقع بلادنا العـربـية الأهمية العظمى من حيث أنها المتحكم بطرق المواصلات العالمية بين المتوسط والخليج العربي ، فقد حرصت أعـين أوروبا على التوافق في الاشتراك بالسيطرة غير المباشرة على الوطن العربي وتقسيمه ، وقد كان نظام الامتيازات العثماني وفساد الإدارة كفيلان بتحقيق هذه الغاية ، ومن جهة كانت الحركة الصهيونية قدمت نفسها منذ الربع الثاني من القرن التاسع عشر كعامل مساعد لإحكام القبضة الغربية على الوطن العربي . .
انتهت معارك الحرب العالمية ، ومعها انتهت معارك الثورة العربية الكبرى ، وتحـررت الحجاز وبلاد الشام والعراق ، وبويع الأمـير عـبد الله أمـيراً على العراق
من قبل الضباط العراقيين ، والفعاليات السياسية والاجتماعية في العراق ، وقــــــررت ( جمعية العهد فرع الموصل استدعاء الأمير ، لسد الفراغ السياسي بعد خروج الأتراك من البلاد ، وللتفاهم مع الانكليز حول الاستقلال والسيادة الوطنية . وقام زعماء العراق بتحريض الشعب على المطالبة بخروج الإنكليز من البلاد حتى ولو بقوة الثورة المسلحة ، وقد كتب الكولونيل البريطاني( لورنس ) مقالة في صحيفة ( الأوبزرفر) البريطانية بتاريخ 8 آب 1920 م قال فيها :'' قبل بضعة أسابيع طلب عدد من الشخصيات العربية، المعروفة في العراق ... مواجهة مع رئيس الجهاز الإداري البريطاني في بغداد، ليعرضوا عليه مطالبهم في الحكم الذاتي . . .
كان جواب الحاكم البريطاني أن وقتاً طويلاً سيمضي قبل أن يكون الشعب العراقي قد تأهل لتحمل مسؤوليات الحكم . . . إنها كلمات جريئة دون شك إلا أن نتيجتها كانت وخيمة على الجنود البريطانيين في كتيبة ( مانجستر ) قرب مدينة ( الحلة ) لهذا الأسبوع ، أن لمثل هذه الثورات مساراً مطرداً ، فهي تبدأ بانتصارات أولية للعرب .
كان القائد خلف التل هناك ، شريكاً فاعلاً ، لضباط العرب في تنظيم مسارات الثورة التي بدأت بتحقيق الانتصارات الأولية كما قال ( لورنس ) .
وعندما طالب الأمـير عـبد الله بن الحسين الإنكليز بتنفيذ رغائب الشعب العراقي وقواه العسكرية والسياسية والاجتماعية ، قال له الجنرال اللنبي : '' ان البحث في استقلال العراق لم يحن بعد . . . ''
أمام هذا التعنت البريطاني ، أعلنت الثورة الشعبية العراقية ، ومن كل المدن والقرى ، وكانت ثورة دموية ، قدم الشعب العراقي مئات الشهداء ، وبالمقابل خسرت كتيبة ( مانجستر) البريطانية اكثر من ( 90) قتيلاً من بينهم ( 17) ضابطاً برتب متفاوتة ، يقول ( لورنس ) : '' هذه الثورة جعلت الحكومة البريطانية تتخبط في الاجتماعات حـول معبر شرقي الأردن
أمـام هذا الحدث الذي هـز مشاعر الضباط من أبناء العراق وهم الذين بايعوا الأمير عبدالله - قرروا الانتقال الى المناطق الحدودية من أجل تقديم الدعم لثورة شعبهم ومن أجل تسهيل اجـتياز الحدود لمن يرغب بالالتحاق بالثورة .
وكان من حُـسن حظ الثورة '' ان المجاهد مولود مخلص قد عاد من القاهرة بعد أن التأمت جـراحه ، التي أصيب بها خلال معارك الجنوب الأردني ، فعين حاكماً عسكرياً للواء دير الزور ، كي يشرف على تقديم المساعدات الفعالة للثـوار العـراقيين ، ويعد الجنرال مولود مخلص من كبار الضباط العرب الذين ساهموا في تحرير الأردن ، وكان في مقدمة ضباط العـراق الذي يطالبوا بوحدة بلاد الشام مع العراق فمنذ انطلاقة الثورة العربية الكبرى ، '' وكان هذا الهدف القومي من أولويات الشريف الحسين بن علي '' ، حيث أن خلف التل قطع مسافة طويلة : من إربد وكانت الموصل المحطة الأخيرة حيث تجمع رفاق السلاح يعدون العدة للثأر من المحتلين الانكليز الذين استباحوا بغداد وجوارها بالقتل والتشريد ....''
نلاحظ اليوم التاريخ يعيد نفسه
وفي 16 تموز 1920 م كان اللقاء التاريخي مع زعماء ( جمعية العهد ) وضباط الأحرار بعضهم كان - خلف وإياهم على معرفة سابقة والبعض الآخر تعرف عليهم في ساحة المعركة ، مع أن الأسماء لديه ، فهم من أصحاب الرتب العسكرية العالية في الجيش العثماني ، وفي الجيش العربي الشمالي فيما بعد ، ومن بين هؤلاء الضباط : ثابت عبد النور - عبد المنعم الثعلبي - علي جودت الأيوبي - جميل محمد آل خليل - رؤوف الشهواني - محمد علي حجازي - إبراهيم الراوي - حامد الراوي - قاسم راجبي ، رمضان شلاش
تلعفـر الأولى
استعملت القوات البريطانية الطائرات والمدافع الرشاشة ، وكانت الخسائر كثيرة بين الطرفين ، فتراجع الثوار بعد أن جاءت نجدات بريطانية من المدن المجاورة وأحكمت سيطرتها على المدينة وفرضت منع التجول وأخذت ، تعتقل المواطنين من منازلهم ، وتمكن الثوار من الانسحاب باتجاه الأراضي السورية وتجمعوا من جديد في مدينة دير الزور .
اختلفت الآراء حول تقييم المعركة ، فمنهم اعتبرها نكسة في النضال ضد العدو المحتل ، وان الحركة الشعبية فقدت الكثير من كوادرها المجاهدة '' ... أما اللواء رمضان شلاش ، والقائد، قاسم راجي ، ومحمد حجازي، وخلف التل فقد كان رأيهم يختلف تماماً ، فقد اجمعوا على أن الانكليز هم الأضعف ، لأنهم شعروا بحقد الشعب عليهم ، وان الثورة مستمرة ، ويصعب على الانكليز قتل إرادة الشعب ، من خلال معركة كانت خسائرهم أكثر من خسائرنا .
وأكد ( لورنس ) في إحدى مقالاته على أن تعرض لأول مرة الى من قبل وكان هناك تشكيلات شعبية مختلفة في العراق قامت بهجمات مكثفة على الجيش البريطاني أطلق عليها الثورة '' الفلاحية ومعظمهم من كبار ضباط الجيش العثماني ، وهم من بلدان مختلفة ، أخذوا يبحثون عن مواقع جديدة بعد تسريحهم من الجيش العربي السوري ، وإن كانت الأغلبية من العراق ، لكن منهم جاءوا من شرقي الأردن ، ومن الشمال السوري ، والقليل من فلسطين ولبنان ، وان هزيمتهم في تلعفر لا يعني أن بريطانيا نالت الرضا من العراقيين .... [/COLOR]
وقد أشار الاستاذ حسين الرواشدة في ندوة ( رواد من الأردن ) التي عقدها ( المنتدى الثقافي - اربد ) اليرموك ، في 4-5 نيسان 1999 في حديثه عن المجاهد خلف محمد التلأبو هاجـم بقوله :
أنها إرادة النضال والمقاومة التي لا تذعن للهيمنة والغطرسة ولا تتخاذل أمام العدد الكبير والعدة المحكمة ... ننقلها اليوم من خلف التل الذي تكبد عناء السفر ثلاثة أسابيع ليلبي نداء الجهاد والنضال في العراق وفي شماله حيث تلعفر

ونحن اليوم نسمع ونشاهد ما يحدث لشعب العراق وبخاصة في ( تلعفر على يد القوات الامريكية - البريطانية المحـتلة ، نتذكر خـلف الـتـل ، ونظل في دائرة ذات القيم والمفاهيم الوطنية والقومية التي نتعلمها من المرحوم التل، ويبدو أن الكثير من المناضلين تعلموا منها .... لا غرابة في الأمر فالتاريخ مرة ثانية يعود من جديد ، فهوية الاستعمار والغزاة واحدة ولو قلبتها ألف مرة .

تلعفـر الثانـية

أطلق على هذه المعركة عدة أسماء ، وظلت حديث القوى السياسية العراقية لأعوام طويلة ، ويعود ذكراها كلما هبّ الشعب العراقي هبه ثورية ضد أعدائه مهما كانوا ، ،وقد جدد أهل تلعفر ثورتهم عدة مرات ، فكانت من أهم ثقافتهم النضالية .
وقد أطلق عليها دولة السيد علي جودت الأيوبي ، اسم : معركة الثأر ، ومعركة الإبطال التي تعتز تلعفر بأنهم كانوا رموزها ، نعم إنها معركة خلف التل الأردني وجميل خليل ومحمد علي حجازي ، وقال المجاهد العراقي ثابت عبد النور :
كانت معركة تلعفر أشبه بمعركةبدر حيث غلبت الفئة القليلة العراقية الفئة البريطانية الكبيرة وهي من أهم مقومات الهم القومي العربي ، لأن أبطالها كانوا من العراقيين والأردنيين والسوريين
وقال المجاهد العراقي عبد المنعم التغلبي : وانتصر خلف التل ورفاقه في معركة تلعفر ، وعادوا الى البلاد التي خرجوا منها ، فقد كانت واحدة ، معززين مكرمين .
حيث يعتبر يوم 20 تموز 1920 ، من أمجاد العرب الخالدة ، حيث حقق الثوار انتصاراً رائعاً على آلف مقاتل من الجيش البريطاني ووصف يوم 20 تموز بيوم ( ذي قار ) الجديد .

ومن تلعفر انتقل أبو هاجم الى مسقط رأسه أربد ، فوجد العشرات من أحرار سورية في ديوان عشيرته آل التل) ومعهم بدأت مرحلة جديدة من النضال ضد الاستعمار الفرنسي وحملة المجاهد احمد مريود مسؤولية تأمين الحماية والدعم للثوار وكان أبو هاجم عند مستوى هذه المسؤولية .

خـلف التـل والثورة السورية:

الأهلأصحاب النخـوة العربية في شرقي الأردن، كانوا الشركاء في كل الأشياء ، ونذكر : علي خلقي الشرايرى ، وخلف التل ، ومحمود الروسان ، وأحمد التل ، ومحمد علي العجلوني ، وعلي نيازي (التل) وغيرهم.. وليس جديداً على أبناء هذه الأمة مثل هذا الحماس والنضال لأنهم سلالة الوطن ، رضعت أرضه البطولات من فجر التكوين ، ورويت صحراؤه الواسعة بمآثر الأقدمين . . وفي ذاكرتي مئات الحكايا عن هؤلاء الأبطال الذين لولاهم لما أطلقت رصاصة في صدر الغزاة ».

لقد اجتهد خلف التل في تنظيم العلاقة مع أحرار وثوار سورية الذين التجأوا الى شرقي الأردن ، وبخاصة الى اربد وقراها ، فأشار على رئيس حكومة اربد المحلية اللواء علي خلقي ، بأن يخصص نصف ميزانية اربد لشراء الأسلحة والعتاد وتسليمها الى قادة المجاهدين ، فوافق علي خلقي ومعه كل أعضاء المجلس الاستشاري على هذه المبادرة النضالية الأخوية، يقول علي خلقي في مذكراته :

ولا أبالغ ان هذه الحكومة نهجت نهجاً عربياً ، وكانت ميزانيتها أضخم موازنة في تاريخ الحكومات المحلية الأخرى ، وأخذت على عاتقها مد الثوار العرب في سورية ضد الفرنسيين والثوار الفلسطينيين ضد الانكليز، مما أقلق مضاجع الاستعمار الفرنسي والبريطاني من هذا المد البشري والمادي والمعنوي ، وأخذ الاستعمار يخاف هذه الأمور.
وأما الكاتب محمود سعد عبيدات فيشير :
بين يدي مجموعة من وثائق الثورة الحورانية (1920 - 1921م)، ومجموعة من رسائل المجاهد أحمد مريود الى كل من علي خلقي الشرايري ، وخلف التل ، ومحمود الروسان ، ورسائل من مجاهدي حوران الى المجاهد أحمد مريود ، وجميعها تذكر الدور النضالي للمجاهد خلف محمد التل في دعم الثورة الحورانية ، وفي تجهيز المجاهدين بالسلاح والعتاد ، ومدهم أيضاً بالمجاهدين من أبناء اربد ونواحيها وفي رسالة: أرسلها المجاهد أحمد مريود من عمان الى علي خلقي ، مؤرخة يوم 24 جمادي الثانية 1339 هجري /4 أذار 1921م يطلب فيها « تشجيع أعمال العصابات في جهات سورية لإرباك الفرنسيين ، وعلى الأخ العزيز خلف أفندي التل بذل الجهود في هذا السبيل ». وفي اليوم التالي، أي يوم 5 أذار 1921م، أتبع رسالته الأولى بالرسالة التالية: « وردتنا أخبار عن حادثة الزوية وعن النتيجة المشؤومة التي ستؤدي اليها.. في القوة الفرنسية التي زحفت على الزوية لا يتجاوز عددها الاربعمائة عبداً.. توغلت في أطراف الزوية.. أرى أن تعطي أمراً قطعياً لخلف أفندي التل، وان تساعده أيضاً بالإيعاز الى المشايخ على مساعدته ، وترتب لهم خطة لمهاجمة الفرنسيين ».

وقال في نهاية رسالته (3 صفحات): « ان وعد الحر دين عليه ، وإذا ماتت حركة الزوية فاعلموا انه سوف لا تقوم حركة بعدها إلا بجـيش منظم ».

يقول المؤرخ محمد عطا الله الزعبي (سورية) في كتابه «صور مشرقة من نضال حوران»: «وفي 11 أذار 1921، تحركت مجموعة منالمجاهدين الأردنيين الى الزوية عن طريق الشريعة ، والتحقوا برجال المناصرة، وساهموا بفعالية في صد القوات الفرنسية عن الزوية». وفي الصفجة (181) يقول: وتمت مداهمة الفرنسيين على الطعام، والاستيلاء على سلاحهم ، وقد استخدم المهاجمون لباس درك للتمويه وتضليل الفرنسيين ».

لقد اشترك أبناء الشمال الأردني بتسع عمليات ضد الجيش الفرنسي في قرى الزوية وقد جهز لهذه العمليات الثلاث : خلف التل ، محمود الروسان ، محمد قسيم الزعبي ، ويشهد المجاهد محمد فياض المذيب في رسالة له الى أحمد مريود ، يقول له فيها: « استجاب الاخوان خلف أفندي ، ومحمود ابو راس ، والشيخ قسيم الزعبي، لنداء حزب الاستقلال، فبعثوا لنا ثلاث مجموعات من المجاهدين شاركوا معنا بالعمليات التي أخبرتكم بها ».

الأمـير عبد الله في معان و عمان

في الفصل السادس من مذكرات الملك المؤسس عبدالله بن الحسين ، وتحت عنوان «نداء من معان» ، قال جلالته : « ثم حدثت حوادث الشام، وخرقت فرنسا حرمة الحق والعهد بهجومها على سورية، وبالتسبب بخروج الملك فيصل منها. ثم حدث ما حدث للوزراء السوريين الموالين لفرنسا في درعا ـ خربة غزالة وطلب أهل الإخلاص من المشتغيلين في القضية العربية في سوريا ارسال من ينوب عن الملك فيصل من الشخصيات الملكية في البيت الهاشمي . فاستأذنت والدي وطلبت اليه ان يحملني تبعات هذه الحركة شخصياً . فأذن لي وتوجهت من مكة المكرمة الى المدينة المنورة ، ومنها بالخط الحديدي الى معان فوصلتها بعد شهر، وبعد مشقة شديدة بسبب خراب خط السكة .

وكان الوصول في 11 ربيع الأول 1339هـ الموافق الى تشرين الثاني 1920 واستقبلني أهل معان وباديتها بكل محبة وحماسة . ووجدت هناك الأميرالاي غالب الشعلان ، وكان في ما يقود فرقة الهجانة العثمانية في المدينة المنورة ، ولطالما اصطدمت قواته بالمفارز العربية الهاشمية ، ثم ترك المدينة الى تركيا وعاد وثبت إخلاصه ، وترقى الى ان صار رحمه الله في رتبة أمير لواء في الجيش العربي ووجدت هناك الرئيس عبد القادر الجندي والرئيس محمد علي العجلوني ، وخلف بك التل ، وأحمد التل وغيرهم

خلف التل وسع دائرة نشاطه ، بعد قدوم الأمير عبداللهالى معان ، فأخذ يعمل على الخطوط التالية :

تنشيط المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي ، وذلك من منطلق ان قدوم الأمير عبدالله ، كان لهدف تحرير سورية واعادة الحكم العربي ، وذلك بناء على تكليف من والده الشريف الحسين بن علي ، وعلى طلب من زعماء سورية والأردن وفلسطين.

اعتمده الأمير عبدالله في بث الدعوة للجهاد في الشمال الأردني ، وأتمنه على توصيل رسائل وجهها الى زعماء ومشايخ قضاء عجلون .

تكثيف اللقاءات والحوار مع رئيس حكومة اربد وأعضاء المجلس التشريعي لهذه الحكومة « لمبايعة الأمير عبدالله ، والعمل على تشكيل حكومة عربية مركزية ، تسد الفراغ ، السياسي في البلاد».

قام خلف التل بتوصيل الرسائل الى أصحابها من زعماء ووجهاء الشمال الأردني وقد تسلمها من الشريف علي الحارثي وقد أشارت هذه الرسائل الى « ان الزحف سوف يستأنف نحو الشمال حالما يتم استكمال الاستعدادات الحربية »وطلب من وجه اليهم الرسائل ان يكونوا على أهبة واستعداد لنصرة دين الله وتخليص الوطن من الفرنسيين بدعم من الانكليز».
وحول الحوار مع الكوادر القيادية في حكومة اربد المحلية ، قال الشيخ تركي الكايد في أوراقه « ان ]خلف التل (أبو هاجم) نجح في اقناع علي خلقي بأن الأمير عبد الله سيقود ثورة مسلحة لتحرير سورية من الفرنسيين ، وساعده بالإقناع ، المجاهد فؤاد سليم ، والقائد محمود الروسان ، ومحمد جلال القطب ، مما جعل علي خلقي ان يبعث برسالة الى الأمير عبدالله قال له فيها : ان باستطاعتي تجنيد ثلاثة الآف جندي من قرى عجلون . ولكنه أشار الى ان الانكليز لم يسمحوا بقيام حركات في منطقة داخل انتدابهم » . وذكر القائد محمد جلال القطب في أوراقه (عددها 41 صفحة)، « ان خلقي لا ينكر بأنه تعرض لضغوطات إقناعية من قبل أحمد مريود ، وخلف التل، واحمد التل (أبو صعب)، وفؤاد سليم ، فاستجاب لرغباتهم ، واستعد ان يشكل قوة عسكرية مقاتلة إذا كانت نوايا الأمير عبدالله شن الحرب على الفرنسيين، وانه اشترط توفير السلاح والمال ».

وقبل ظهر يوم الاربعاء 2 أذار 1921م ، وصل الأمير عبدالله الى عمان وبرفقته عدد من الأشراف ومن البدو أكثرهم من قبيلة عتيبة . وكان خلف التل من بين زعماء البلاد الذين استقبلوه في محطة عمان . وكلف أيضا برعاية وتأمين الضيافة للوفود التي قدمت من حوران ، ويقول في ذلك المؤرخ السوري أحمد الزعبي في كتابه (نضال حوران) : « بعد قدوم الأمير عبدالله الى الأردن التحق بركبه عشرات المجاهدين على رأسهم المجاهد مصطفى الخليلي ، وعبد القادر الكور، وصالح قناة ، وأحمد سليم أبازيد ، ضاحي المسالمة ، محمد الشرع ، فواز ابراهيم المحاميد ، مقبل البرماوي ، عيسى الخليلي، أحمد ابو نبوت ، موسى أبو قويدر، حسن عيسى السمكي ، علي الفارع المسالمة، وتم استقبالهم في اربد لمدة ثلاثة أيام ، وكان خلف التل ، وعبد القادر التل ، وأحمد التل ، وسليمان السودي ، وتركي الكايد ، وأحمد مريود ، ونبيه العظمة في استقبالهم ووزعوا على البيوت ، أما الكبار منهم فكانوا في مضافة عشيرة التل. . . . ».
وكان خلف التل يتنقل ما بين عمان وأربد ، علماً بأنه انتسب لقوات الأمير العسكرية اعتباراً من كانون الثاني 1921م.

خـلف الـتــل و الجـيش العـربي الأردنـي

واستناداً للكاتب محمود سعد عبيدات في هذا الأمـر فإنه يقول : بين يدي ثلاث وثائق تشير الى خدمة الضابط خلف محمد التل في سلك الجيش العربي الأردني، اعتباراً من الأول من كانون الثاني 1921م الى 27/8/1926م.

- الوثيقة الأولى : وهي صادرة عن قيادة الجيش العربي ، يوم 25/3/1939م ، وموقعة من مساعد قائد الجيش العربي ( ) ومن قائمقام السلط محمد جلال القطب ، ومن الرئيس عمر لطفي ومن الملازم ( )، وهذا نص الوثيقة : نشهد بأن خلف بك ابن محمد اليوسف التل ، المفتش الاداري الحالي ، استخدم في أول كانون الثاني سنة 1921م، في الجيش العربي بمعان - الذي تشكل عند تشريف صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله المعظم اليها - وبقي مستخدماً حتى تشريف سموه الى عمان حيث انتقل مع القوة وضباطها الى عمان ، وبقي قائداً للسرية الثانية الفرسان من الكتيبة الاحتياطية في عمان حتى أول شهر آب سنة 1921م، حيث نقل الى القوة السيارة . . تحريراً.

- الوثيقة الثانية : كتاب موجه من قيادة الجيش الى معالي وزير المالية والاقتصاد، يحمل الرقم 460/193، وتاريخ 24 أيلول 1939م، موقع من قبل قائد الجيش العربي عن وزير الدفاع ، وهذا نص الكتاب (الوثيقة) :

أشير لكتابكم رقم 108/193/5413 المؤرخ في 21/9/1939، إعادة التدقيق في سجلات الجيش العربي وجدت بأن ابتداء خدمة القائد خلف بك التل كانت من 1/8/1921 كما جاء بكتاب القيادة رقم 4/5827 في 28/12/1926,. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام

- الوثيقة الثالثة : وهي عبارة عن أربعة جداول صادرة عن رئيس لجنة التقاعد البدائية ، تبين خدمات السيد خلف التل منذ عام 1921م الى 29,10,1943م فالجدول الأول (وهو المتعلق بحياته العسكرية) يشير الى ما قبل انتسابه للجيش التركي الى ان عين بوظيفة متصرف لواء معان ، وعلى الوجه التالي :

1- مأمور محاسبة خصوصية في قضاء (بصرى اسكي شام)، ثم كاتب في قضاء السويداء بموجب الشهادة الخصوصية المؤيدة بمعاملة الحجز الواقعة على أراضي الكفيل لقاء كفالة للموما اليه . (المشار إليه).

وكانت هذه المدة (3) أشهر و(18) يوماً، من تموز الى 18 تشرين أول 1915م.

جندي في مدرسة تعليم الضباط في بعلبك ثم مرشح ضابط ثم ضابط بموجب الوثيقة الرسمية المعطاة من الحكومة التركية ، ومدتها (2) سنة و(11) شهراً و12 يوماً، اعتباراً من 16 تشرين الأول 1915 الى 29 ايلول 1918م.

قائد سرية ، ثم رئيس ، ثم قائد - بموجب الشهادة الخصوصية رقم (3) والوثيقة الرسمية المعطاة من قائد الجيش العربي رقم: 4/5827 تاريخ 28/12/1946، رقم (4). ومدتها (5) سنوات و(3) أشهر، اعتباراً من 1/1/1921م، الى 30/3/1926م.

في قوة الحدود ، ومدتها فقط (30) يوماً من 31/3/1926، الى 30/4/1926م.

وظائف مختلفة ، بموجب مضابط براءات الذمة المؤرخة في 16/2/1929 و24/2/1931 ومدتها (12) سنة و(9) أشهر و(26) يوماً، اعتباراً من 11 تشرين أول 1926م الى 5 أب 1939.

بـداية البدايـات:

بدأ إنشاءالجيش العربي الأردني في معان أثناء اقامة الأمير عبدالله فيها ، فقد رافقته من الحجاز كتيبة من البدو، وهذه الكتيبة هي طليعة الجيش العربي ، وقد أعد لتدريبها ووفق النظم العسكرية في الضبط والربط ،الضباط عبد القادر الجندي ، وفؤاد سليم ، ومحمد علي العجلوني وخلف محمد التل ، وكان عدد أفرادها (250) جندياً. ولما توحدت مناطقالأردن بحل الحكومات المحلية ، وتشكيل أول حكومة مركزية ، تشكلت قوى الأمن المختلفة ، وكتيبة نظامية ، بالإضافة الى قوة الهجانة.
وكان القائد خلف التل من ملاك (قوة الدرك الثابت) . . وكانت بقيادة القائد عارف الحسن : وكانت هذه القوة موزعة بين الألوية الثلاثة (عجلون ، السلط ، الكرك) . .
وقد عين الرئيس محمود أبو رأس (الروسان) قائداً لمنطقة عجلون في شهر نيسان 1921م ، والرئيس خلف محمد التل قائداً لمنطقة الكرك في شهر اب 1921م ،
والرئيسمحمد علي العجلوني قائداً لمنطقة البلقاء في شهر ايلول 1921م .
ومن الضباط الأوائل في هذه القوة ( الدرك الثابت ) نذكر الأسماء التالية : أديب وهبه ، أحمد رمزي ، جلال القطب ، عبد الرحمن الجمل ، عبدالله الريحاني ، ابراهيم حقي ، خليل ظاظا ، فندي اليوسف ، حنا قويطين ، صدقي قاسم ، عبد الهادي العرب ، حسين ذيبان، الحاسي .

وتولى الأمير عبدالله منصب القائد العام باعتباره أميراً للبلاد ، والمشرف العام على جميع التشكيلات هو اللواء علي خلقي الشرايرى[/color] باعتباره (مشاور الأمن والانضباط) أي وزير الداخلية والدفاع في الوزارة الأولى التي شكلها السيد رشيد طليع يوم 11 نيسان 1921م.[/COLOR]
وكانت مهمة الرئيس خلف التل في لواء الكرك من أصعب المهمات بسبب التركيبة العشائرية.

قائمقام لواءعجـلون :

بتاريخ 9 تشرين الأول 1926م صدرت الإرادة الأميرية بتعيين السيد خلف التل حاكماً لجبل عجلون .
وبتاريخ 11 تشرين الأول ، توجه خلف التل الى عمله الجديد ، ومقره مدينة اربد ، بين أهله وعشيرته . وعلى الرغم من أنها مناقلة من العمل العسكري - الأمني الى الحياة المدنية ، إلا انها تجمع من حيث المهمات ما بين العمل العسكري والأمني والإداري ، لأن الحاكم الإداري يمثل السلطة التنفيذية في منطقته على جميع المستويات .
وعلى الرغم من المشاكل والقضايا الكثيرة التي تعيشها المنطقة إلا ان جل اهتمامه تركز على المسألة التعليمية في اللواء ، ووضع خطته على ان تفتح مدرسة في كل قرية من قرى لواء عجلون ، وإضافة الصفوف المدرسية في المدارس القائمة ، لاقى دعماً لتوجهاته التعليمية من مدير المعارف أديب وهـبــة : الذي كان قائداً لمنطقة البقاع اللبناني في العهد الفيصلي ، وكان خلف قائداً لمنطقة حوران آنذاك ، وقد استغل خلف تلك العلاقة ، فأخذ يخاطب مدير المعارف ويحثه على الاهتمام بالمسألة التعليمية :
وطالب بفتح مدارس جديدة فيقرى كفرسوم ، وسحم ، وحرثا ، وسما الروسان ، وكفرنجة ، وفي اربد المدينة . .
وطالب أيضاً برفع رواتب وأجور المعلمين ، وإعفاء الأهالي من تحمل مسؤولية أجورهم أيضاً ،

أخذ القائمقام خلف التل الضوء الأخضر من زميله أديب وهبه ، وبتعليمات من رئيس الوزراء ، وبمباركة من أمير البلاد ، وكانت البداية من قرية ( كفرنجة حيث أشرف إشرافا مباشراً على بناء مدرسة ابتدائية في القرية المذكورة ، وشارك شخصياً مع معظم الجهاز الإداري في حفر الأساسات ونقل المياه والحجارة الى البنائين ، وفي أجواء الفرح العامر من قبل أهالي القرية وزغاريد النساء وإطلاق العيارات النارية المعبرة عن الفرح قال خلف التل : « بإسم سيدنا المعظم الأمير عبد الله بن الحسين ، وبسم فخامة رئيس النظار أشكركم على تعاونكم مع مديرية المعارف وأبارك لكم هذه الصرح العظيم الذي سيكون فاتحة لنشر العلم والمعرفة في قريتكم وسأكون معكم دائماً لتحقيق المزيد من رغباتكم . وعليكم من الآن تهيئة أطفالكم للتعلم والدراسة .
وقد أشار رئيس الوزراء الى متصرف لواء عجلون ، باهتمام خلف التل بالمسألة التعليمية في لواء عجلون ، وأن مساعـيه بترقية ونشر المعارف في قرى عجلون ، لاقت إعجابا من سمو الأمير عبدالله . هذا بالاضافة الى اعتراف مديرية المعارف بالجهود المميزة للسيد خـلف التـل في هذا المجال . وقد بعث مدير المعارف الى متصرف اللواء كتاباً خاصاً ليقدم الشكر لهذا المتفاني لنشر العلم والتعليم من منطقته الغالية عليه جداً.

متصرف لواء معان

بتاريخ 24 تشرين الاول 1928، أصدر رئيس الوزراء قراراً بنقل السيد خلف التل من قائمقامية عجلون الى متصرف لواءمعان ، وقد كان متصرفاً ناجحاً في إدارته ، وميدانياً يشرف بنفسه على كل أمور وقضايا الأهالي في اللواء ، ومنها مكافحة الجـراد ، واستباب الأمن ومساعدة الأهالي بالتجمع في مكان واحد ومنهم ( بني عطية ) المنتشرين في عموم المنطقة . . .

ومن الوظائف التي أشغلها
نقل خـلف التـل من :
لواء معان الى لواء الكرك،
ثم نقل ثانية الى لواء معان عام 1931م ، وفي عام 1932م
عين عضواً في لجنة تخطيط الحدود بين الأردن وسورية مع الجنرال البريطاني اليك كركبرايد ، وكان على رأس عمله متصرفاً للواء معان ، وقد تم اختياره من قبل رئيس الوزراء ، وذلك بموجب الكتاب التالي :

متصرف لواء معان خلف بك التل

أرسل اليكم طيه نسخة عن كتاب دولة المعتمد البريطاني رقم (3) مكتوم، تاريخ 8 شباط 1932م . بشأن حدود شرق الأردن - سوريا.

قد انتخبتكم لتمثلوا حكومة - شرق الأردن في اللجنة الخاصة مع مساعد دولة المعتمد المستر (ا.س. كركبرايد) وسأعلمكم بموعد العمل على حده ».[/COLOR]

وجاء في كتاب كركبرايد خشخشة الأشواك ، عن خلف التل النص التالي :

«تألفت عام 1932م، لجنة لتخطيط الحدود بين سورية والأردن ، بناء على اتفاقية تم التوصل إليها قبل ذلك بعامين في باريس . وقد تألفت اللجنة من عضوين من سورية هما الكولونيل (بينيه) وبهيج الخطيب ، وعضوين عن الأردن هما خلف التل متصرف لواء معان وأنا.

كان خلف التل أسمر اللون ، حاد الذكاء ، ذا عينين سوداوين سريعتي الحركة. وكنا قد عملنا سوياً من قبل بكثير من التألف رغم بعض فورات الغضب من جانبه في بعض الأحيان. وكنت عندما تجيىء احدى هذه الفورات أنتظر حتى تهدأ بصورة طبيعية ثم أستأنف عملي معه من حيث انقطع . وعندما شكرت خلف التل على مساعدته أجابني : لا ضرورة للشكر، لأنني تعلمت كثيراً من هذه الرحلة ، ولكنه لم يشأ ان يفصح عما كان يعني بإشارته تلك ».
فقد عبر خلف عن همه القومي في تقسيم سورية الكبرى ، وعبر كركبرايد عن فرحة بتنفيذ سايكس - بيكو على أرض الواقع.

وبقي في عمان يعمل في حقل الإدارة الى ان اشترك عضواً في المجلس التنفيذي (مجلس الوزراء) ، وتسلم حقيبة وزارة الداخلية .

وفي أيار 1941م ، كان يشغل منصب مدير الداخلية ، وتم تعيين وزير جديد للداخلية ،
وفي 9 /1941م ، تم تعيينه قنصلاً للأردن في العراق

ومن الوظائف التي شغلها قبل العمل الدبلوماسي في العراق ، هي :

- متصرف لواء البلقاء .

- مدير المطبوعات والنشر.

- وكيل مدير المعارف.

مواقف ستبقى في الذاكرة الوطنية :

كان خلف التل . . مع الوطن في كل مواقفه ، فلم يكن معارضاً ولكنه كان مع زعماء المعارضة في نضالهم ضد الانتداب ومعاهداته الاستعمارية . .
كان خلف التل . . يقدم من راتبه الخاص الى الشخصيات الوطنية المعارضة الذين كانوا ينفون الى معان .
يقول المجاهد جميل المدفعي في مقالة له نشرتها (جـريدة الأردن) في عددها الصادر يوم 20/12/1943 ما يلي : « عرفته مجاهداً شجاعاً في نضال العرب عن حريتهم واستقلالهم ، وعرفته قائداً شجاعاً باسلاً وعرفته سياسياً محنكاً محبوباً في بغداد . . فقد كان قوي الإرادة ، قوي العزم والعزيمة ، وقد ملك محبة جميع من عرفه من العراقيين

توفي خـلف الـتل في بغداد يوم 29 تشرين الأول 1943م، وخلال عمله في بغـداد منحه الأمـير عـبد الله رتبة البـاشـويـة .

المناضل خـلف محـمد الـتــل

ظل الرمح العربيالأردني الذي لا ينكسر ، شامخ العظمة ، رافع الرأس ، قوي الإرادة والعزيمة ، وتشهد وقائع التاريخ لهذا المناضل ثباته على و الرأي الواعي والمدرك لأبعاد الأحداث ونتائجها ونقاء في أردنيته وطهر في عـروبــته ، وتساميه في روحانيته لإسـلامـية ، فلم يتبدل ، ولم يعود نفسه علي لبس الأقنعة وتغيير المواقع ، و بتغيير الأزمات والحقب والرموز : '' كان قريباً من الناس . كل الناس يحبونه ويحبهم ، ويفرحك بحديث عن حقب عاشها ولا يعرف عن تفاصيلها الكثير ، ويبكيك بحديثة عن حقب عاشها لا يحتملها إلا الرجال من أمثاله ''