المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تشويه الصورة الجميلة للآخر


طائر النورس
07-06-2010, 14:07
تشويه الصورة الجميلة للآخر





وجوه بطاقة تعريفها صورة جميلة نخزنها في صندوق الذاكرة،مترسخة في أذهاننا، صورة ضوؤها شمس وظلها قمر، صورة متوازنة من إنعكاس أعماقها على هيئتها، صورة متناسقة من تلاقي خطوطها بزواياها... صورة لوجه نحبه نفضل ملامحه صورة مضيئة، مكتملة من تداخل أفكارها مع أفكارنا..شكلت إنطباعنا وتعاطفنا، إعجابنا وتقديرنا، اهتمامنا وتفاعلنا في الحياة الإنسانية فاقتربنا وتواصلنا، فاثمرت مشاعرنا و عواطفنا، هذه صورة الآخر في ذهننا ومخيلتنا لم تكن وهما ً لأننا نحفظها ولأننا نعرفها ونفهمها نساندها و ننحاز لها فحفظناها للأبد.

وعلى مدار السنوات و تعاقب الأيام تتعدد العلاقات وتتوثق الارتباطات، نلتقي بشخصية عدوانية السلوك همها الأول تشويه صورة الآخر بتعمد دون أن يطلب منها رأي،تحاول إختراق دواخلنا دون حق لتحطم كل ماهو راسخ في الذاكرة من أحداث إنسانية عميقة تتعلق بصورنا الجميلة... تحاول أن تغير مشاعرنا وعواطفنا تجاه الوجوه التي نفضلها و نحبها... تحاول أن تمحي الانطباع الإيجابي من عقولنا وتتلاعب بقصد لتحطيم صورة الآخر الجميلة.

هذه الشخصية العدوانية السلبية تحمل وجها ً مذموما ً زائفاً و منافقاً.. كلماتها كاذبة طاعنة، تدعي الصدق والوفاء لكن حقيقتها غادرة خائنة ... تحمل دوافع التفرقة والتخريب، تنوي توسيع الفجوة و الجفوة ... تراكمت داخلها طبقات من النقص والدونية نتيجة التهميش و الاهمال، تعاني من فقدان الحب وقحط العطاء، يضايقها الإنسجام والوفاق، يؤرقها التفاهم والحب فصار هدفها الإنتقام بإزاحة الآخر لتحتل هي محور الإهتمام، تقودها الغيرة الحاقدة.... فهي تحتاج إلى المصالحة والمصارحة مع نفسها والمواجهة مع الآخر... ليتسنى لها الشفاء من كثافة الأنانية وفضاء الفراغ ومن أهم الأمثلة التي نسمع عنها في الحياة الاجتماعية كيف تشوه الزوجة صورة امرأة أخرى قد أعجب بها زوجها في محاولة منها سحب مشاعر الإعجاب إلى قاع النفور وسوء الظن، أو تشويه صورة فتاة جميلة من قبل زميل لها في الجامعة لإبعاد إي معجب يريد التقرب اليها كي يكون هو المحظي بموافقتها.

وتكون ردة فعل قبول أو رفض تشويه صورة الآخر مختلفة من شخص لآخر بحسب مكونات شخصيته التي تأسست من خبراته وتجاربه و الكروموسومات الوراثية لديه . فالشخصية الواثقة المتوازنة لا يهتز بناؤها الفكري ولا تتأثر عواطفها ولا تتغير مشاعرها تجاه صورة الآخر لأنها تسموا بعقلها فهي متأنية في إصدار أحكامها و مبدئية في إختياراتها وطليقة بفكرها الحر ومدركة لما هو حقيقي وغير حقيقي محتفظة بخزين واقعية جمال الصورة.

بخلاف الشخصية ذات النوازع المتقلبة والأهواء المتغيرة تستقبل تشويه صورة الآخر بأحكام مندفعة و سريعة تساهم في الهدم وتساعد في تحطيم صورة الآخر الجميلة في ذهنها لأنها غير متوازنة و هشة،فتؤذي نفسها وتؤذي الآخر ، فكانت الأذن الصاغية التي أعطت للمعتدي فرصة الشماتة من تحقيق مغزى تخريب العلاقات الإنسانية. وقد تساهم في نشر التشويه حيث تسرع بممارسة سلوكها السلبي الذي إنتقل بعدوى الإذاء والتخريب، فالنقص أفضح عن نواقصها و القسوة جردت غضبها وكأنها كانت تنتظر فرصة الإنقضاض كي تسيء لأن الصورة الجميلة عندها غير حقيقية وغير مكتملة المعنى بل كانت واجهة مضللة لتمرير مصالح زمنية، فلن يفيدها الندم بعد شرخ الصورة الجميلة. و من الأمثلة التي نصادفها في ساحة العمل ما يطلق عليهم أعداء النجاح، كتشويه صورة موظف ناجح لسحب البساط من تحته وتوجيه أهتمام رئيس العمل لموظف آخر.

أما ردة فعل صاحب الصورة الجميلة من حيث معرفته أنه تلقى السهام الطاعنة والسكاكين الجارحة بالسمعة وتشويه السلوك وتلويث المشاعر تختلف من شخصية لأخرى. فالذي لا يصغي للحديث الكاذب ولا يلتفت إلى الكلام الملفق ولا ينصت إلى وساوس السوء متجاوزا ً القيل والقال و يترفع على المعتدي عليه بالقول محققا ً لنفسه حقيقة تقدير الذات السليمة وهو الفائز دائما في مثل هذه المواقف.
أما من يسلك خط الدفاع عن نفسه والتبرير والإنتقاد ليبرهن على أنه ضحية لمعتد ٍ أراد النيل منه، فيلجأ لاستخدام وسائل سلوكية إنتقامية و إتهامية لفظية جارحة ولائمة تقابل الإساءة إليه ولا تقل سوءاً عن البادي الأول حيث تفاقم ما بأعماقه من خوف و ضعف، فيكرس طيلة وقته في هواجس القلق و وساوس القهر لا يرتاح إلا إذا نال رد الإعتبار لنفسه المهزومة. من الأمثلة المهمة التي نواجهها في الحياة تشويه صورة الزوج أمام زوجته والتشكيك بسلوكه دون إثبات وإتهامه بالخيانة وعدم الوفاء.

ويتساوى الرجل والمرأة في السلوك السلبي العدواني لتشويه الصور الجميلة، و أيضا ً في ردة الفعل الإنفعالية لتقبل التشويه أو رفضه والسيطرة على إستحقاق حجم التوازن الشخصي. ومن هذه الشخصيات وأنماطها السلوكية المتعددة وردات فعلها المركبة نستنتج أن العلاقات السليمة و الناجحة تستلزم سعة العقل و رحابة الأفق لبنائها المتين. أما العلاقات الوقتية و الفاشلة ذات الأساس الهش تحتاج لوقفة تعمق وفهم ودراية بسلبيات السلوك الإنساني ومعرفة كيفية التعامل مع النوازع الهدامة والسيطرة على ردات الفعل السيئة إذا ما كنا ننشد بناء علاقات إنسانية تعيش طويلاً.

م.محمود الحجاج
07-06-2010, 14:19
مقالة جميلة وطرح منهجي وعلمي لتلك الظاهرة المقيتة
تسقيط الاخر والنيل من نجاح الاخرين
شكرا جزيلا على هذا الاختيار والانتقاء الرائع .. نقل موفق

عفراء
07-06-2010, 19:28
للاسف هذا هو الضعف البشري فمنذ الخليقة الاولى ومن ايام سيدنا ادم عليه الصلاة والسلام ونحن نعاني من هذه الظواهر
من يوم مقتل هابيل لقابيل ونحن نعاني
فكم غريب ايها الانسان فحب الانتقام وحب الذات وريثة الاجيال ولن يتخلوا عنها
فكم نراهم شرسين بحب الانتقام والتلذلذ بتعذيب الاخ لاخاه او البشر لبعضهم البعض
ان الانتقام والعدوانية مقياس ضغط وتشوه بينما التعالي على الصغائر لا يعكس الا نفسا سامية عظيمه
سلمت ودمت اخي للنقل والانتقاء الرائع

طائر النورس
08-06-2010, 09:05
سلمتي أختي عفراء على الرد الرائع

ودمتي سالمه