المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبد المجيد شومان ...


عفراء
16-05-2010, 20:45
عبد المجيد شومان..
أنموذج للعطاء ورائد الاقتصاد العربي

http://www.alrai.com/img/202500/202417.jpg

كانت البلاد العربية ترزح تحت ثقل سنوات الإهمال الطويلة ، وشظف العيش يغزو المدن والقرى والبوادي ، كان أفق العيش ضيقاً ، وحرية العرب في بلادهم تسلب بشكل يدعو إلى الضيق ، وفقدان الثقة بالمستقبل إذا ما استمر الحال على ما هو عليه . وقد أدت الأوضاع الاقتصادية المتردية، وظلم عسكر الدولة العثمانية وفقدان الأمن ، وبعض الصراعات والحروب الداخلية إلى هجرة كثير من أبناء بلاد الشام خاصة من لبنان وفلسطين، متجهين صوب البلاد الجديدة ، بحثاً عن فرص جديدة لأحلام كبيرة تسعى إلى تغيير الواقع، وكان من بين هؤلاء الذين ركبوا البحر، باتجاه الولايات المتحدة الامريكية عبد الحميد شومان والد عبد المجيد شومان ، لتكن هذه مجرد محطة أولى في حياة هذا الاخير، الذي تحول مع والده إلى أسطورة اقتصادية كبيرة. لم تكن طفولة عبد المجيد شومان عادية ، فلقد عانى جوانب عديدة من الفقد ، فرغم أن مولده كان في قريته وبين أهله ، إلاّ انه لم يلتق بوالده الا عندما قارب عقده الثاني على الإنتصاف ، ولقد كان مولده في فترة مضطربة وشائكة، حيث تربى في ظل حنان جدته، التي حاولت تعويضه بعضاً من آلام غياب الاب، والام التي توفيت وزوجها في المغترب وابنها ما يزال طفلاً، فلقد جعلت منه هذه الأحداث رجلاً متأهباً لمكابدة الحياة، وهو لم يخلع عنه بعد براءة الطفولة ، فلقد ولد عام 1912م على مرمى البصر من القدس في بلدة بيت حنينا ، وهي بلدة مشهورة ، غرس فيها خطواته الاولى ، ورسم للغد القادم صوراً زاهية ، لكنه مع ذلك عاش طفولته كأقرانه من أبناء قرى فلسطين في تلك الفترة ، حياة لم تخل من قسوة في العيش ، وحزن ناتج عن فقدان الام وسفر الاب خلف البحار البعيدة. التحق عبد المجيد شومان بمدرسة بيت حنينا واضعا قدمه على بداية الطريق ، وبعد أن درس فيها الصفوف الاولى، توجه الى القدس ليدخل مدرسة الروضة ، مكرساً معظم وقته للدراسة وحالماً باليوم الذي يشاهد فيه والده لاول مرة ، فقد كان مجتهداً في دراسته متميزاً في تحصيله العلمي ، وعندما وصل الى عمر الرابعة عشرة لملم ذكريات الطفولة الصعبة ، وشحن حقيبة السفر بالاحلام والمخاوف ، واستعد لرحيل طويل نحو الولايات المتحدة الأمريكية ، محققاً امنيته الاولى، وهي لقاؤه الاول بوالده فيلتم شملهما في البلاد التي تقبع بعيداً خلف البحار والمحيطات ، وقد تحمل وهو بهذه السن الصغيرة متاعب السفر واهواله ، داخلاً بذلك مرحلة جديدة تؤسس لحياة حافلة بالعمل والتميز . (د.محمد العناقرة، من الرعيل الاول) لم ينقطع عبد المجيد شومان عن تلقي العلم والدراسة ، فبادر إلى الالتحاق بالمدرسة الإعدادية في نيوتن ، وعندما انهى الدراسة الثانوية ، دخل جامعة نيويورك من اجل الحصول على الشهادة الجامعية في الإقتصاد، وكان ملتزماً بدوامه مجتهداً بدروسه كعادته ، ولم يكتف بالشهادة الجامعية الاولى ، بل واصل تلقيه العلم حتى حاز على درجة الماجستير في الاقتصاد ، وخلال دراسته عمل والده على تأسيس نواة البنك العربي باسم بنك مصر وفلسطين ، ثم بنك مصر بالاشتراك مع الاقتصادي المصري طلعت حرب.
وعندما انهى عبد المجيد شومان دراسته بادر بالعودة إلى فلسطين في مرحلة حرجة من تاريخها الحديث ، وعمل إلى جانب والده في إدارة البنك حيث دفعهما حسهما القومي الى تسميته بالبنك العربي ، وقد عانى هذا البنك مما عانت منه المنطقة برمتها، من هزات وانتكاسات لم تزده الا قوة وقدرة على تجاوز المحن ، بفضل تصميمهما وخبرتهما العالية في الإدارة المالية وقت الازمات ، مما زاد في ثقة الناس فيه خاصة عندما صمد بقوة، ولم ينهار في اعقاب حرب الـ 48 ، واستمر بالنمو وخدمة الاقتصاد العربي مما جعله إحدى اهم المؤسسات الاقتصادية في الشرق الاوسط ، حيث تمكنت هذه المؤسسة من التغلب على الانعكاسات الخطيرة التي نتجت عن نكسة عام 1967م ، حتى ان البنك العربي لما تمتع به من سمعة طيبة وثقة عالية ، قوي بعد كل هذه المصاعب ، وتوسع انتشاره عربياً وعالمياً وصارت فروعه تعد بالمئات. اصبح عبد المجيد شومان على رأس ادارة البنك العربي، بعد وفاة والده الاقتصادي الكبير عبد الحميد شومان عام 1974 م ، مرسخاً نهج هذه المؤسسة الاقتصادية التي أسهمت في دعم الاقتصاد الوطني منذ نشأتها ، خاصة بعد انتقال مركز هذا البنك الى عمان في اعقاب الحرب العربية الاسرائيلية وضياع فلسطين . وقد تميزت إدارته بالوعي الكبير وحسن التصرف مازجاً بين خبرته العملية التي استقاها من والده ، وبين دراسته الجامعية في نيويورك ، و تعاظم شأن البنك العربي في عهده ، مكرساً وجوده الثابت محلياً وعربياً وعالمياً ، وجعل منه قوة مالية رافدة لكافة مناحي الحياة ، فدعم العديد من المؤسسات الاقتصادية الاخرى ، حتى اصبحت منتجة . وعمل عبد المجيد شومان على تأسيس مؤسسة ثقافية كبيرة باسم والده (مؤسسة عبد الحميد شومان ) لدعم الثقافة والبحث العلمي، خاصة لدى العلماء الشباب ومعلمي العلوم في المدارس ، بالاضافة الى العديد من الفعاليات والمؤتمرات العلمية والثقافية ، حتى اصبح للبنك العربي دور شامل تجاوز به حدود المؤسسة الاقتصادية المالية، التي تكتفي بجانب واحد ، فالنظرة الى الاقتصاد نظرة شموليه مرتكزة على المعرفة والثقافة ورفع مستوى الكوادر واستثمار الكفاءات ، حيث أكد ذلك من خلال تأسيس ( مركز البنك العربي للبحث العلمي) سنة 1999م. .(المصدر السابق) وقد واظب عبد المجيد شومان على العمل المتواصل منذ ساعات الصباح الاولى، وحتى المساء دون كلل او ملل مرتهناً عمره كاملاً للعمل والانجاز ، حتى توفاه الله في الخامس من تموز عام 2005 م ، متوجاً هذا العمر المديد بالتميز والفرادة ، مما يجعله شمعة مضيئة لا تنطفىء بمرور السنوات.