عفراء
05-03-2010, 04:54
http://www.quran-radio.com/leftpointviolet.gif http://www.quran-radio.com/persones.jpg
كامل أمين.. شاعر الملاحم الإسلامية
قبل ربع قرن تقريباً، رأيت رجلاً أبيض الشعر، متواضع الهيئة، يدخل مكتب رئيس التحرير لإحدى المجلات الأدبية، ويتحدث حول أعماله الشعرية، وقصائده التي يرشحها للنشر، كان متحمساً حماسة الشباب، مع أنه كان في ذلك الحين يبدو قد جاوز الستين بسنوات، عرفت أن الرجل هو الشاعر "كامل أمين"، واسمه الكامل: "كامل أمين محمد"، وكان له موقف من الحياة والمجتمع، يقوم على التصور الإسلامي، ويرفض التصورات العلمانية والماركسية التي كانت سائدة في الواقع الثقافي آنئذ، وهو ما جعل القوم المهيمنين على الصفحات الأدبية في الصحف والمنابر الثقافية ودور النشر الرسمية، يقفون منه موقفاً سلبياً، ويرفضون نشر إنتاجه الشعري والأدبي.
وفي مرحلة تالية، أتيح له أن يجد فرصة مناسبة لنشر بعض أعماله، سواء في الصحف أو المجلات أو دور النشر الرسمية، ولكن عودة الماركسيين والعلمانيين إلى الهيمنة مرة أخرى حجبه عن القراء وعن الساحة الأدبية بصورة شبه كاملة!
وقبيل وفاته في الأسابيع الماضية اشتد به المرض، فتوسطت له كاتبة إسلامية عند بعض ذوي النفوذ من مثقفي السلطة وكتابها كي يعالج لدى المستشفيات المتخصصة على نفقة الدولة، ووعد هؤلاء بعلاجه، ولكن مر الوقت والمرض يرعى جسد الشاعر المسن الفقير، وتجاهل ذوو النفوذ من مثقفي السلطة وكتابها أمر الرجل، حتى قضى نحبه، دون أن تكلف الصحف الرسمية وغير الرسمية نفسها عناء نشر خبر في سطرين عنه، ولم تستطع أسرته أن تنشر نعياً له!! وبالطبع لم يكتب أحد عنه شيئاً، لا مقالاً، ولا تحقيقاً ولا متابعة، مما يحظى به صغار الأدباء اليساريين والعلمانيين، عندما يصابون بالكحة أو الأنفلونزا!
وسمعت أن الكاتبة الإسلامية التي توسطت من أجل علاج شاعرنا الراحل، أعادت الكرة مرة أخرى من أجل نشر إنتاجه الشعري والأدبي الضخم، ولكن القوم لن يسمعوا لها لسبب بسيط جداً، وهو أن كامل أمين "ليس يسارياً ولا علمانياً"، وقبل ذلك وبعده، فهو يعبِّر عن تصور إسلامي يرفضه اليساريون والعلمانيون جميعاً!
نشأته
ولد كامل أمين، في مدينة "طنطا" عاصمة مديرية الغربية، في الخامس من يوليو سنة 1915م، وقد تلقى تعليمه في المدارس الفرنسية أولاً، وواصل دراسته بعدئذ في المدارس المصرية، واشتغل موظفاً في وزارة الري "الأشغال"، وعاش حياة متواضعة حتى أحيل إلى التقاعد، وقد منح تفرغاً لبعض الوقت من وزارة الثقافة.
نشر الشاعر قصائده في المجلات الأدبية والإسلامية، وكانت "الرسالة" تتزين بقصائده، وبمطولاته، وفي المرحلة الساداتية كان ينشر في "الأهرام"، و"الثقافة"، و"الهلال" وغيرها، واتسم شعره بقوة السبك، ووضوح العبارة، وقرب الألفاظ، وإيثار الموضوع الإسلامي، والدفاع عن الفكرة الإسلامية في مواجهة خصومها.
من بناة الملاحم في الشعر الحديث
ويعد كامل أمين من الشعراء البناة للملحمة في الشعر العربي الحديث، وكما نعلم فالملحمة لم تكن معروفة في شعرنا العربي الذي تغلب عليه صفة الغنائية، أي المقطوعات والقصائد التي يعالج من خلالها الشاعر موضوعه أو تجربته. الملحمية كانت من سمات الشعر اليوناني القديم، والشعر الروماني القديم أيضاً، والشعر عند اليونان والرومان كان وسيلة للتعبير المسرحي والملحمي، بحكم معتقداتهم وتصوراتهم، حيث كانت تقوم على الوثنية وتعدد الآلهة، وصراع هذه الآلهة مع البشر، وخاصة أبطال وقادة اليونان والرومان. لقد امتزجت الوثنية عند هؤلاء بالأسطورة والخرافة، وهو ما عبر عنه شعراء الإغريق والرومان في أعمال ملحمية شهيرة ترجمت إلى معظم لغات العالم، ومنها: أجا ممنون، ألكترا، حاملات القرابين...
ومع أن العرب قبل الإسلام كانوا وثنيين، وكانت لهم أساطيرهم وخرافاتهم، إلا أن طبيع تهم وبيئتهم ورحلتهم في المكان والزمان، جعلتهم ينتمون إلى القصيدة الغنائية دون المسرح والملحمة، وفي بدايات عصر النهضة، سعى "محب الدين الخطيب"، ليكون للعرب والمسلمين ملاحمهم التي تقوم على تاريخهم الحقيقي، وفيه من الصراع بين الحق والباطل، ما يفوق أساطير اليونان والرومان وخيالاتهم، وقد ذهب إلى "أحمد شوقي" أشهر شعراء العصر الحديث آنئذ، وعرض عليه فكرة نظم الملحمة إسلامياً، ولكن "شوقي" صمت ولم يعلن قبوله أو رفضه، فذهب الرجل إلى "أحمد محرم" وعرض عليه الفكرة، فقبلها على الفور، وبدأ في النظم ونشر الملحمة "الإلياذة الإسلامية" أو "مجد الإسلام"، في مجلة "الفتح"، على أجزاء، وكان محرم بذلك أول من راد هذا الطريق وعبّده لغيره من الشعراء العرب المحدثين، المفارقة أن "شوقي" فاجأ الناس بعد ظهور "إلياذة محرم" بنشر "مطولته" ولا أقول ملحمته المعروفة باسم "دول العرب وعظماء الإسلام"، ترصد حركة الإسلام منذ فجر الدعوة حتى أيامه، ولكن لم تكن لها قوة ملحمة "محرم".
جاء "كامل أمين" ليحقق أول ملحمة عربية إسلامية مكتملة فنياً، ولم يكتف بملحمة واحدة فقط، ولكنه كتب أكثر من ملحمة، وساعده على ذلك قدرته الكبيرة على النظم وطواعية اللغة، ودراسته الجيدة للسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي.
كانت أول ملحمة يكتبها هي ملحمة "السماوات السبع" عام 1957، وكانت بداية متواضعة من حيث المستوى الفني، تلتها ملحمة "عين جالوت"، وإني لأعدها أعظم ملاحمه على الإطلاق، ليس لضخامتها أو تعبيرها عن معركة خالدة في حياة الإسلام والمسلمين، حيث كان الانتصار كبيراً ورائعاً وفريداً على التتار الغزاة، ولكن لأنها استطاعت أن تبني فنياً لحظة من أروع لحظات التاريخ الإسلامي، وتثبت بحق أن تراثنا التاريخي فيه ثروة هائلة من الأحداث والوقائع الباهرة التي تفوق خيال اليونان وأساطيرهم، كما تفوق ما لدى نظرائهم من الرومان.. ومع أن الشاعر أنجز هذه الملحمة عام 1968 (العهد الناصري)، فإنها لم تنشر إلا عام 1975م (المرحلة الساداتية).
تابع الشاعر كتابة ملاحمه التاريخية، فكتب ملحمة "القادسية" عام 1978م، عن المعركة العظيمة التي خاضها المسلمون ضد الفرس، وانتصروا عليهم فيها.
وهناك ملحمة أخرى هي الملحمة "المحمدية" عام 1979م، وترصد السيرة النبوية، وقد تناولتها في كتابي "محمد صلى الله عليه وسلم في الشعر العربي الحديث".
إن "كامل أمين" في احتشاده لكتابة الملحمة التاريخية الإسلامية ليعد صاحب جهد فريد وكبير ونادر، نقل الشعر العربي من الغنائية إلى الملحمية، وأغناه بهذا التراث، فضلاً عن توظيفه في ميدان جديد يبعده عن كثير من السلبيات التي تصاحب الشعر الغنائي.
مجموعة دواوين
ومع ذلك، فإن "كامل أمين" أصدر مجموعة من الدواوين التي تضم قصائد غنائية معظمها يدور حول الدفاع عن الإسلام واستنهاض الأمة وشحذ عزيمتها لمواجهة المحن والأزمات والصعاب والتغلب عليها.
أصدر عام 1947م ديوانه "نشيد الخلود"، وفي عام 1964م أصدر ديوانه "المشاعل"، وأصدر عام 1979م ديوانيه: "مصباح في الضباب"، و"عندما يحرقون الشجر".
ومن المؤكد أن أوراقه التي تركها بعد رحيله، تضم كما علمت شعراً كثيراً لم ير النور، في ظل الحصار المفروض على التوجه الإسلامي بصفة عامة، سواء كان شعراً ملحمياً أو غنائياً.
ويحسن أن نتناول نموذجاً من شعره، قبل ختام هذه السطور؛ لعلنا نرى فيه بعض خصائص شعره، يقول في إحدى قصائده "صيحة مسلم"، مدافعاً عن اللغة العربية "لغة الضاد" وربط الهجوم عليها بالمؤامرة الكبرى على الإسلام والمسلمين:
رحمة الله والسماء عليها
كانت الضاد للكتاب لسانا
وبها كان يهبط الروح جبريل
ويوحى للمصطفى القرآنا
أيها المفلسون من كل شيء
فارقونا وهرّجوا في سوانا
كل تاريخنا ديون عليكم
لا تظنوا استرداده إحسانا
كل وجه لكم بألف يهوذا
ألف قابيل واغلٌ في دمانا
قد تركنا كتابنا فضللنا
بعد أن كان في الكتاب هدانا
أيها المسلمون في كل أرض
التقوا حول دينكم حيث كانا
ولعل تسمية القصيدة "صيحة مسلم"، تتناغم مع صوت الجهارة الذي يسودها، واللغة المباشرة التي لا تلجأ إلى المجاز كثيراً، والتعبير القوي العميق عن القضية التي يدافع عنها، ويستبسل في سبيل المنافحة عن حماها، فهو مستمسك بالضاد التي صنعت مجداً، وكانت وسيلة الخير الإلهي الذي أصاب المسلمين وهو القرآن الكريم، وبالإضافة إلى ذلك، فهو يرى أن الضاد طريقنا لاستعادة المجد، وتقدم الصفوف، أما الذين يحاربون اللغة، فهم "يهوذا" و"قابيل"، ويدلل على خسارة الأمة وضلالها بترك كتاب الله، ويوجه نداءه إلى المسلمين كافة بالالتفاف حول الإسلام والتمسك به؛ لأنه طوق النجاة.
رحم الله "كامل أمين"، فقد استمسك بإيمانه وكرامته حتى مات في صمت، مؤمناً زاهداً كريماً.
كامل أمين.. شاعر الملاحم الإسلامية
قبل ربع قرن تقريباً، رأيت رجلاً أبيض الشعر، متواضع الهيئة، يدخل مكتب رئيس التحرير لإحدى المجلات الأدبية، ويتحدث حول أعماله الشعرية، وقصائده التي يرشحها للنشر، كان متحمساً حماسة الشباب، مع أنه كان في ذلك الحين يبدو قد جاوز الستين بسنوات، عرفت أن الرجل هو الشاعر "كامل أمين"، واسمه الكامل: "كامل أمين محمد"، وكان له موقف من الحياة والمجتمع، يقوم على التصور الإسلامي، ويرفض التصورات العلمانية والماركسية التي كانت سائدة في الواقع الثقافي آنئذ، وهو ما جعل القوم المهيمنين على الصفحات الأدبية في الصحف والمنابر الثقافية ودور النشر الرسمية، يقفون منه موقفاً سلبياً، ويرفضون نشر إنتاجه الشعري والأدبي.
وفي مرحلة تالية، أتيح له أن يجد فرصة مناسبة لنشر بعض أعماله، سواء في الصحف أو المجلات أو دور النشر الرسمية، ولكن عودة الماركسيين والعلمانيين إلى الهيمنة مرة أخرى حجبه عن القراء وعن الساحة الأدبية بصورة شبه كاملة!
وقبيل وفاته في الأسابيع الماضية اشتد به المرض، فتوسطت له كاتبة إسلامية عند بعض ذوي النفوذ من مثقفي السلطة وكتابها كي يعالج لدى المستشفيات المتخصصة على نفقة الدولة، ووعد هؤلاء بعلاجه، ولكن مر الوقت والمرض يرعى جسد الشاعر المسن الفقير، وتجاهل ذوو النفوذ من مثقفي السلطة وكتابها أمر الرجل، حتى قضى نحبه، دون أن تكلف الصحف الرسمية وغير الرسمية نفسها عناء نشر خبر في سطرين عنه، ولم تستطع أسرته أن تنشر نعياً له!! وبالطبع لم يكتب أحد عنه شيئاً، لا مقالاً، ولا تحقيقاً ولا متابعة، مما يحظى به صغار الأدباء اليساريين والعلمانيين، عندما يصابون بالكحة أو الأنفلونزا!
وسمعت أن الكاتبة الإسلامية التي توسطت من أجل علاج شاعرنا الراحل، أعادت الكرة مرة أخرى من أجل نشر إنتاجه الشعري والأدبي الضخم، ولكن القوم لن يسمعوا لها لسبب بسيط جداً، وهو أن كامل أمين "ليس يسارياً ولا علمانياً"، وقبل ذلك وبعده، فهو يعبِّر عن تصور إسلامي يرفضه اليساريون والعلمانيون جميعاً!
نشأته
ولد كامل أمين، في مدينة "طنطا" عاصمة مديرية الغربية، في الخامس من يوليو سنة 1915م، وقد تلقى تعليمه في المدارس الفرنسية أولاً، وواصل دراسته بعدئذ في المدارس المصرية، واشتغل موظفاً في وزارة الري "الأشغال"، وعاش حياة متواضعة حتى أحيل إلى التقاعد، وقد منح تفرغاً لبعض الوقت من وزارة الثقافة.
نشر الشاعر قصائده في المجلات الأدبية والإسلامية، وكانت "الرسالة" تتزين بقصائده، وبمطولاته، وفي المرحلة الساداتية كان ينشر في "الأهرام"، و"الثقافة"، و"الهلال" وغيرها، واتسم شعره بقوة السبك، ووضوح العبارة، وقرب الألفاظ، وإيثار الموضوع الإسلامي، والدفاع عن الفكرة الإسلامية في مواجهة خصومها.
من بناة الملاحم في الشعر الحديث
ويعد كامل أمين من الشعراء البناة للملحمة في الشعر العربي الحديث، وكما نعلم فالملحمة لم تكن معروفة في شعرنا العربي الذي تغلب عليه صفة الغنائية، أي المقطوعات والقصائد التي يعالج من خلالها الشاعر موضوعه أو تجربته. الملحمية كانت من سمات الشعر اليوناني القديم، والشعر الروماني القديم أيضاً، والشعر عند اليونان والرومان كان وسيلة للتعبير المسرحي والملحمي، بحكم معتقداتهم وتصوراتهم، حيث كانت تقوم على الوثنية وتعدد الآلهة، وصراع هذه الآلهة مع البشر، وخاصة أبطال وقادة اليونان والرومان. لقد امتزجت الوثنية عند هؤلاء بالأسطورة والخرافة، وهو ما عبر عنه شعراء الإغريق والرومان في أعمال ملحمية شهيرة ترجمت إلى معظم لغات العالم، ومنها: أجا ممنون، ألكترا، حاملات القرابين...
ومع أن العرب قبل الإسلام كانوا وثنيين، وكانت لهم أساطيرهم وخرافاتهم، إلا أن طبيع تهم وبيئتهم ورحلتهم في المكان والزمان، جعلتهم ينتمون إلى القصيدة الغنائية دون المسرح والملحمة، وفي بدايات عصر النهضة، سعى "محب الدين الخطيب"، ليكون للعرب والمسلمين ملاحمهم التي تقوم على تاريخهم الحقيقي، وفيه من الصراع بين الحق والباطل، ما يفوق أساطير اليونان والرومان وخيالاتهم، وقد ذهب إلى "أحمد شوقي" أشهر شعراء العصر الحديث آنئذ، وعرض عليه فكرة نظم الملحمة إسلامياً، ولكن "شوقي" صمت ولم يعلن قبوله أو رفضه، فذهب الرجل إلى "أحمد محرم" وعرض عليه الفكرة، فقبلها على الفور، وبدأ في النظم ونشر الملحمة "الإلياذة الإسلامية" أو "مجد الإسلام"، في مجلة "الفتح"، على أجزاء، وكان محرم بذلك أول من راد هذا الطريق وعبّده لغيره من الشعراء العرب المحدثين، المفارقة أن "شوقي" فاجأ الناس بعد ظهور "إلياذة محرم" بنشر "مطولته" ولا أقول ملحمته المعروفة باسم "دول العرب وعظماء الإسلام"، ترصد حركة الإسلام منذ فجر الدعوة حتى أيامه، ولكن لم تكن لها قوة ملحمة "محرم".
جاء "كامل أمين" ليحقق أول ملحمة عربية إسلامية مكتملة فنياً، ولم يكتف بملحمة واحدة فقط، ولكنه كتب أكثر من ملحمة، وساعده على ذلك قدرته الكبيرة على النظم وطواعية اللغة، ودراسته الجيدة للسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي.
كانت أول ملحمة يكتبها هي ملحمة "السماوات السبع" عام 1957، وكانت بداية متواضعة من حيث المستوى الفني، تلتها ملحمة "عين جالوت"، وإني لأعدها أعظم ملاحمه على الإطلاق، ليس لضخامتها أو تعبيرها عن معركة خالدة في حياة الإسلام والمسلمين، حيث كان الانتصار كبيراً ورائعاً وفريداً على التتار الغزاة، ولكن لأنها استطاعت أن تبني فنياً لحظة من أروع لحظات التاريخ الإسلامي، وتثبت بحق أن تراثنا التاريخي فيه ثروة هائلة من الأحداث والوقائع الباهرة التي تفوق خيال اليونان وأساطيرهم، كما تفوق ما لدى نظرائهم من الرومان.. ومع أن الشاعر أنجز هذه الملحمة عام 1968 (العهد الناصري)، فإنها لم تنشر إلا عام 1975م (المرحلة الساداتية).
تابع الشاعر كتابة ملاحمه التاريخية، فكتب ملحمة "القادسية" عام 1978م، عن المعركة العظيمة التي خاضها المسلمون ضد الفرس، وانتصروا عليهم فيها.
وهناك ملحمة أخرى هي الملحمة "المحمدية" عام 1979م، وترصد السيرة النبوية، وقد تناولتها في كتابي "محمد صلى الله عليه وسلم في الشعر العربي الحديث".
إن "كامل أمين" في احتشاده لكتابة الملحمة التاريخية الإسلامية ليعد صاحب جهد فريد وكبير ونادر، نقل الشعر العربي من الغنائية إلى الملحمية، وأغناه بهذا التراث، فضلاً عن توظيفه في ميدان جديد يبعده عن كثير من السلبيات التي تصاحب الشعر الغنائي.
مجموعة دواوين
ومع ذلك، فإن "كامل أمين" أصدر مجموعة من الدواوين التي تضم قصائد غنائية معظمها يدور حول الدفاع عن الإسلام واستنهاض الأمة وشحذ عزيمتها لمواجهة المحن والأزمات والصعاب والتغلب عليها.
أصدر عام 1947م ديوانه "نشيد الخلود"، وفي عام 1964م أصدر ديوانه "المشاعل"، وأصدر عام 1979م ديوانيه: "مصباح في الضباب"، و"عندما يحرقون الشجر".
ومن المؤكد أن أوراقه التي تركها بعد رحيله، تضم كما علمت شعراً كثيراً لم ير النور، في ظل الحصار المفروض على التوجه الإسلامي بصفة عامة، سواء كان شعراً ملحمياً أو غنائياً.
ويحسن أن نتناول نموذجاً من شعره، قبل ختام هذه السطور؛ لعلنا نرى فيه بعض خصائص شعره، يقول في إحدى قصائده "صيحة مسلم"، مدافعاً عن اللغة العربية "لغة الضاد" وربط الهجوم عليها بالمؤامرة الكبرى على الإسلام والمسلمين:
رحمة الله والسماء عليها
كانت الضاد للكتاب لسانا
وبها كان يهبط الروح جبريل
ويوحى للمصطفى القرآنا
أيها المفلسون من كل شيء
فارقونا وهرّجوا في سوانا
كل تاريخنا ديون عليكم
لا تظنوا استرداده إحسانا
كل وجه لكم بألف يهوذا
ألف قابيل واغلٌ في دمانا
قد تركنا كتابنا فضللنا
بعد أن كان في الكتاب هدانا
أيها المسلمون في كل أرض
التقوا حول دينكم حيث كانا
ولعل تسمية القصيدة "صيحة مسلم"، تتناغم مع صوت الجهارة الذي يسودها، واللغة المباشرة التي لا تلجأ إلى المجاز كثيراً، والتعبير القوي العميق عن القضية التي يدافع عنها، ويستبسل في سبيل المنافحة عن حماها، فهو مستمسك بالضاد التي صنعت مجداً، وكانت وسيلة الخير الإلهي الذي أصاب المسلمين وهو القرآن الكريم، وبالإضافة إلى ذلك، فهو يرى أن الضاد طريقنا لاستعادة المجد، وتقدم الصفوف، أما الذين يحاربون اللغة، فهم "يهوذا" و"قابيل"، ويدلل على خسارة الأمة وضلالها بترك كتاب الله، ويوجه نداءه إلى المسلمين كافة بالالتفاف حول الإسلام والتمسك به؛ لأنه طوق النجاة.
رحم الله "كامل أمين"، فقد استمسك بإيمانه وكرامته حتى مات في صمت، مؤمناً زاهداً كريماً.