عفراء
05-03-2010, 03:59
http://www.quran-radio.com/leftpointg.gif http://www.quran-radio.com/osra.jpg
بيت.. أم ثكنة عسكرية ؟!!
محمد إبراهيم الغباشي
حبات من العرق كاللؤلؤ تتكون على جبهتها العريضة.. تتساقط في صمت يخيم على الغرفة.. مارّة على وجنتين قد احمرتا من الخجل, أو إن شئت فقل: من الوجل والفَرَق والخوف.. تكاد الفرائص ترتعد.. والمفاصل ترتعش.. وتصتك الركبتان.. وتتزلزل القدمان.. وتغور العينان.. من هول ما تنتظره الزوجة الخائفة المرتعبة.
دقات قلب متسارعة مسموعة, وكأنها أصوات ارتطام "فلنكات" قطار غادر محطته متأخرًا بعجلاته الحديدية إلى غير رجعة.. عقرب الثواني والدقائق بل والساعات انطلق كل منها كسهم خرج من قوس ثكلى.. حالة من التوتر غير عادية تتملك زمام الزوجة وهي جالسة في انتظار مصيرها المحتوم..
تمسك الزوجة ببضع شعرات كانت قد انتزعتها من رأسها من شدة الارتياع.. يا إلهي.. أخشى يومًا أن أصبح صلعاء.. هكذا قالت..
وفجأة.. حدث ما كانت تخشاه.. هاهو جرس الباب يدق.. اللهم سلّم.. دقات القلب تتسارع أكثر فأكثر.. يا له من جرس مزعج.. كم طلبتُ منه أن يغيره إلى آخَر هادئ نوعًا ما.. هاهو الجرس يدق ثانية.. ليتني ما أحكمت إغلاق الباب.. كان سيفتح ويدخل وأتصنع النوم وتنتهي المشكلة.. على الأقل حتى الصباح.. قدَّر الله وما شاء فعل.. سأفتح, وليفعل الله ما يريد..
- الزوج: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- الزوجة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- كيف هم الأبناء؟!
- بخير والحمد لله.
- أعطيني كأسًا من الماء؛ فالجو حار والطريق طويل.
- تفضل.
- ما هذا؟! ما الذي أصاب يدك؟!!
معذرة.. فقد فاتني أن أخبركم!! فقد كنت أحمل كأسًا زجاجيةً كانت قد اشتراها زوجي من إحدى أسفار عمله بالخارج, وعلى حين غرة.. وكأمر لم يجرِ في خاطري.. ولا خطر في بالي تحولت الكأس إلى قطع صغيرة متناثرة على أرضية غرفة الاستقبال, وعلى ما أعتقد يبدو أنها قد تكسرت!! وهاهي ذي يدي اليمنى مربوطة إثر جرحها على أثر لملمة الكأس المتكسرة.
على كل حال, ما يهمني هنا هو أن تعرفوا ماذا قال زوجي عندما قلت له:
- لقد جُرحَتْ, فقد سقطتِ الكأس من يدي وتكسرت فأصابتني بعض شظاياها.
- أي كأس؟! إياكِ أن تكون تلك الكأس التي اشتريتها من لبنان!!
انقطع المشهد هنا, فالزوجة قد تعدَّت ضربات قلبها 150 دقة في الدقيقة, يكاد يتوقف القلب من سرعة نبضه, فقد عانى المخ عدم وصول الأكسجين إليه.. ترى الشرر يتطاير من عيني زوجها, فقد احمرّ وجهه, وانتفخت أوداجه, حتى أوشك الدم يخرج من عروقه, وسمعت كلمات لم تسمع مثلها في حياتها, وصارت يداه تطيشان يمنة ويسرة, منطلقتين كقذيفتيْ مدفع أصابت هدفها في مقتل.
انقلب البيت جحيمًا بعدما عرف الزوج السبب, فإذا عُرف السبب بطل العجب, ولكن العجب هنا لم يبطل بل انتفخ وانتشى وتفشّى, وتحوّل من مجرد عَجب إلى غضب وثورة كتلك التي حرمت منها شعوب بلادنا, وقامت الدنيا ولم تقعد, وهاج الزوج وماج, واستحال البيت ثكنة عسكرية طيلة عشرة أيام, لم يذق فيها أهل البيت – زوجةً وأبناءً – طعم الطمأنينة أو الراحة, بل إن حالة الطوارئ صارت هي الحالة المسيطرة على المسكن في تلك الأيام..
حالة أغلب الرجال:
هناك اعتقاد سائد عند غالبية عظمى من الرجال - خاصة أولئك الذي عاشوا في أبيات هي أقرب ما تكون إلى الثكنة العسكرية منها إلى البيوتات التي سادت فيها الرحمة والسكن والمودة – يعتقدون أن الأسرة [والمرأة خاصة] على الرجل أن يضعها تحت حالة مستمرة من الضغط والطوارئ لا تخرج منهما أبدًا, فإذا دخل الزوج عش الدبابير – أقصد بيت الزوجية – اصطف أهل البيت جنبًا إلى جنب صامتين, أيديهم في جنوبهم كأن على رءوسهم الطير, مهطعين مقنعي رءوسهم [ساكتين في تذلل وخضوع], لا يرتد إليهم طرفهم, حتى تمر "التشريفة" بسلام..
تلك هي الصورة عند نسبة ليست بالقليلة من الرجال, واعتقاد سائد, وإن لم يفعلوا تفلتت أزمّة الأمور من بين أيديهم, واستولى المتمردون على مواقع عسكرية واستراتيجية مهمة تفتّ في عضد رب البيت وفي سيطرته على قواته المرابطة.. مع احتمال قيام انقلاب يحوّل السيادة من يد الزوج إلى يد زوجته..
قارن بين تلك الصورة وبين قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}, يقول صاحب الظلال رحمه الله معلقًا على هذه الآية: والتعبير القرآني اللطيف الرقيق يصوّر هذه العلاقة تصويرًا موحيًا, وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب.. وأغوار الحس. اهـ.
يالها من كلمات.. فشتان شتان بين هكذا قلب.. يذوب في قلب زوجه وحبيبه, حتى إنه ليتبين لك أنهما شخص واحد لا شخصان, فقد تمرّ على أزواج تراهم فتحسب أن بينهما صلة قرابة أو شيئًا من هذا القبيل, وذلك لما تراه من شدة تقارب وتمازج في ملامحهما, وكأنهما قد أذيبت مادتهما ومزجتا ثم خلق منها هذان الزوجان بذات الصفات الخَلْقية والخُلُقية.. شتان بين هكذا قلبين وبين قلبيْ هذين الزوجين اللذيْن نصّب أحدهما نفسه حاكمًا عسكريًا على الآخر, يخيفه ويفزعه ويرعبه ويروّعه, فتكون الزوجة في مكان والزوج في آخر بعيد عنها, ولكن يشيب شعر رأسها من مجرد سماع اسمه أو رؤية صورته الفوتوغرافية..
الأعجب من ذلك, أن ترى كل هذا الخوف والرعب والفَرَق نابعًا من الزوج.. من الرجل.. الذي يُفترض أن فيه شيئًا من الصفات التي تؤهله لقيادة منزلة وأبنائه والتي أسماها القرآن "القوامة" في قولة تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ}, فتراه وقد تملكت منه زوجته. وهذا هو ما يخاف منه كل زوج, أن يصبح يومًا من الأيام زوجًا عديم الشخصية, أو يرى رأيه آخر الآراء في المنزل, حتى إن ولده الصغير قد يحتج على بعض ما تفعله أمه ولا يستطيع هو أن يحرك ساكنًا أو يسكّن متحركًا.. فيجره ذلك إلى السلوك الذي ذكرناه في البداية, وهو ما نسميه في مجتمعنا المصري "ذبح القطة", فيعمد الزوج إلى "ذبح القطة" ليلة الزفاف, ولكن يبدو أن لديه عددًا من القططة التي لا يجد لها مصرفًا, فيصبح بيته محل جزارة لذبح القطط..
أيها الأزواج تمهلوا.. ليس هكذا تورد الإبل.. ولا هكذا تُعامَل النساء, إنني أتفق مع جميع الرجال في أن المرأة لابد أن تخاف من زوجها, ولا بد أن تعلم أن هناك عقابًا قد ينزله الزوج بها إن هي أخطأت "عن عمد", وقد أحسن الرافعي عندما أبدع في وحيه للقلم فقال: "... إذ كان ضعفها [أي المرأة] يحب - فيما يحبه من الرجل - أن يقسوَ عليه الرجل في الوقت بعد الوقت, لا ليؤذيه ولكن ليخضعه, والآمر الذي لا يُخاف إذا عُصي أمره, هو الذي لا يُعبأ به إذا أطيع أمره".
ويضيف في نقطة مهمة قائلاً: "وكأن المرأة تحتاج طبيعتها أحيانًا إلى مصائبَ خفيفة, تؤذي برقّة أو تمر بالأذى دون أن تلمسها به, لتتحرك في طبيعتها معاني دموعها من غير دموعها, فإن طال ركود هذه الطبيعة أوجَدَتْ هي لنفسها مصائبها الخفيفة...".
فهذا الكلام ينم عن خبير بنفسيات المرأة ودواخلها, فإذا تأملت قوله: "لا ليؤذيه, ولكن ليخضعه", وقوله: "مصائب خفيفة تؤذي برقّة", تبين لك أن عقابها يبقى في هذا الإطار الضيق من الرقة والحنان, فهو عقاب ولكنه رقيق, وهو مصيبة ولكنه للإخضاع وليس للإضرار, إننا نبتغي في تعاملنا مع أزواجنا أن نصل إلى مرحلة تقول فيها المرأة إذا عُرض عليها فعل شيء يخالف رغبة زوجها: هذا شيء لا يحبه زوجي, لا أن تقول: سوف يضربني أو يشتمني أو يؤذيني..
نريد أن نصل إلى مرحلة يراعي فيها الزوجان كلاهما مشاعرَ الآخر, فالأمر ليس قاصرًا على الزوجة, ولكنّ للزوج أيضًا نصيبًا في هذا, فلا يلغي شخصية زوجته في بيتها, بل يحترم رأيها, ويعلم أنها كائن مستقل؛ له رغباته ومشاعره ومحبوباته ومكروهاته, وليست مجرد فزّاعة أينما وجهها توجهت, نعم.. هي تابعة له في مقامات غير قليلة, ولكنها مع ذلك إنسان وطرف في تلك العلاقة له شخصيته المستقلة..
الزوجة.. وسقف العقاب:
إن الزوجة - في مجمل أحوالها - هي التي تحدد سقف عقوبتها بيدها؛ ولا أشك لحظة في أنها الوحيدة القادرة على فرض احترامها على زوجها, وعدم تطوير الأمور لتصل منه إلى الضرب أو الإهانة, وليس ذلك بالتخويف, ولا بالإرهاب الذي توجهه للزوج, ولا بإعلاء صوتها عليه وشتمها وسبها له, فكل هذه أمور من المحرمات من جانب, ومن جانب آخر مسهمة بشكل فعّال جدًا في خراب بيتها وطلاقها من زوجها.
أقدّم لذلك بمقدمة بديهية إلى أقصى حد؛ وهي أن الزوجة مأمورة من الله عز وجل بطاعتها لزوجها, شاءت ذلك أم أبت, مادام الأمر دائرًا في دائرة المباحات والتحسينات, أما إذا أمرها بمعصية, فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق جل وعلا. فإذا أمرها زوجها أطاعته, أما إذا لم تُطع, وفعلت ما لا يحب - وهي تعلم - فقد وضعت نفسها تحت طائلة العقاب, وهذا هو مدار الأمر فانتبهي.. العادة تقضي بتدريج العقاب من المعاقِب, فإن العقاب في بداية الأمر يكون خفيفًا, كما في قوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}, فإن المرأة هي التي تحدد لنفسها نوعية العقاب, فقد عوقبت مرة فوُعِظت ولكنها لم تنتهِ فكررت الخطأ, فرفعت بذلك سقف خطئها قليلاً, فهُجِرت, ولكنها لم تنتهِ أيضًا فرفعت سقف الخطأ مرة ثانية, ثم كررت الخطأ مرة ثالثة واستحقت النوع الأقصى من العقاب وهو الضرب... وهكذا, ويظل يرتفع السقف حتى يكاد ينهدم على رأس الزوجة بالفراق أو الطلاق عياذًا بالله من الأمرين.
فإن من النساء من تكفيها النظرة من زوجها فتنتهي عما تفعل, وهذه - لا شك – تحترم نفسها وتحترم زوجها, وهي الصالحة ذات الدين التي مدحها النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه حينما قال: "ألا أخبركم بخير ما يكنـز؟! [أي الرجل] المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته, وإذا غاب عنها حفظته". ومنهن من يتعدى الأمر ذلك إلى كلمة عتاب رقيقة, ومنهن من لا يكفيها إلا علو صوت زوجها وغضبه, ومنهن من لا يؤتي أي من هذا ثماره فتُلجئ الزوج إلى هجرها ثم ضربها.. أرأيتِ؟!! أنتِ التي تفرضين عليه نوعية التعامل ونمط العلاقة.
فإذا أخطأتِ فبادري بالاعتذار, وأنهي هذا الأمر على الفور, ولا يمنعنّك كبرياؤك عن إبداء أسفك على خطئك؛ ولا تنتظري أن يوقع بك الزوج العقاب, فإن كثرة الجروح ستسفر حتمًا عن جسد متهرئ لا يقوى أمام مصاعب الحياة, وإن كلمة واحدة تقولينها تنالين بها رضا زوجك قد تسكنك في عليين الآخرة والدنيا, من أجل ذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا الزوج من أعظم القربات التي تتقرب بها الزوجة إلى ربها عزّ وتعالى, فقد صح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت". [صحيح الجامع]
هذا السلوك "الإرهابي" الذي شاهدناه في البداية - ولا أجد له اسمًا إلا هذا – هو نتاج مباشر ومسئولية مشتركة لسلوك وتنشئة اجتماعية للزوجين كليهما, فقد تعيش الفتاة في أسرة ليس لأبيها فيها كلمة مسموعة والكلمة لأمها؛ فترغب الفتاة في أن تكون كأمها, أو قد يحدث العكس, فيحدث الاصطدام, فالزوج بطبيعة الحال لا يقبل أن يكون هو في بيته خرقة بالية من دون كلمة مسموعة أو طاعة آمرة ناهية..
فعلى كل زوجين أن يعيشا حياتهما هما لا حياة شخص آخر, وليتمتع كل منهما بصفاته التي جبله الله عليها؛ الرجل بما خلقه الله فيه من فتوّة وقوة وقوامة ومسئولية, وليتحلَّ ببعض الحب والحنان, والمرأة بما في جبلتها من رقة وأنوثة وطاعة ورحمة وخضوع. وليتخلّ كل منهما عن الصفات التي لا تعجب صاحبه ولا يحبها, فهو أجدر أن يؤدم بينهما..
بيت.. أم ثكنة عسكرية ؟!!
محمد إبراهيم الغباشي
حبات من العرق كاللؤلؤ تتكون على جبهتها العريضة.. تتساقط في صمت يخيم على الغرفة.. مارّة على وجنتين قد احمرتا من الخجل, أو إن شئت فقل: من الوجل والفَرَق والخوف.. تكاد الفرائص ترتعد.. والمفاصل ترتعش.. وتصتك الركبتان.. وتتزلزل القدمان.. وتغور العينان.. من هول ما تنتظره الزوجة الخائفة المرتعبة.
دقات قلب متسارعة مسموعة, وكأنها أصوات ارتطام "فلنكات" قطار غادر محطته متأخرًا بعجلاته الحديدية إلى غير رجعة.. عقرب الثواني والدقائق بل والساعات انطلق كل منها كسهم خرج من قوس ثكلى.. حالة من التوتر غير عادية تتملك زمام الزوجة وهي جالسة في انتظار مصيرها المحتوم..
تمسك الزوجة ببضع شعرات كانت قد انتزعتها من رأسها من شدة الارتياع.. يا إلهي.. أخشى يومًا أن أصبح صلعاء.. هكذا قالت..
وفجأة.. حدث ما كانت تخشاه.. هاهو جرس الباب يدق.. اللهم سلّم.. دقات القلب تتسارع أكثر فأكثر.. يا له من جرس مزعج.. كم طلبتُ منه أن يغيره إلى آخَر هادئ نوعًا ما.. هاهو الجرس يدق ثانية.. ليتني ما أحكمت إغلاق الباب.. كان سيفتح ويدخل وأتصنع النوم وتنتهي المشكلة.. على الأقل حتى الصباح.. قدَّر الله وما شاء فعل.. سأفتح, وليفعل الله ما يريد..
- الزوج: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- الزوجة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- كيف هم الأبناء؟!
- بخير والحمد لله.
- أعطيني كأسًا من الماء؛ فالجو حار والطريق طويل.
- تفضل.
- ما هذا؟! ما الذي أصاب يدك؟!!
معذرة.. فقد فاتني أن أخبركم!! فقد كنت أحمل كأسًا زجاجيةً كانت قد اشتراها زوجي من إحدى أسفار عمله بالخارج, وعلى حين غرة.. وكأمر لم يجرِ في خاطري.. ولا خطر في بالي تحولت الكأس إلى قطع صغيرة متناثرة على أرضية غرفة الاستقبال, وعلى ما أعتقد يبدو أنها قد تكسرت!! وهاهي ذي يدي اليمنى مربوطة إثر جرحها على أثر لملمة الكأس المتكسرة.
على كل حال, ما يهمني هنا هو أن تعرفوا ماذا قال زوجي عندما قلت له:
- لقد جُرحَتْ, فقد سقطتِ الكأس من يدي وتكسرت فأصابتني بعض شظاياها.
- أي كأس؟! إياكِ أن تكون تلك الكأس التي اشتريتها من لبنان!!
انقطع المشهد هنا, فالزوجة قد تعدَّت ضربات قلبها 150 دقة في الدقيقة, يكاد يتوقف القلب من سرعة نبضه, فقد عانى المخ عدم وصول الأكسجين إليه.. ترى الشرر يتطاير من عيني زوجها, فقد احمرّ وجهه, وانتفخت أوداجه, حتى أوشك الدم يخرج من عروقه, وسمعت كلمات لم تسمع مثلها في حياتها, وصارت يداه تطيشان يمنة ويسرة, منطلقتين كقذيفتيْ مدفع أصابت هدفها في مقتل.
انقلب البيت جحيمًا بعدما عرف الزوج السبب, فإذا عُرف السبب بطل العجب, ولكن العجب هنا لم يبطل بل انتفخ وانتشى وتفشّى, وتحوّل من مجرد عَجب إلى غضب وثورة كتلك التي حرمت منها شعوب بلادنا, وقامت الدنيا ولم تقعد, وهاج الزوج وماج, واستحال البيت ثكنة عسكرية طيلة عشرة أيام, لم يذق فيها أهل البيت – زوجةً وأبناءً – طعم الطمأنينة أو الراحة, بل إن حالة الطوارئ صارت هي الحالة المسيطرة على المسكن في تلك الأيام..
حالة أغلب الرجال:
هناك اعتقاد سائد عند غالبية عظمى من الرجال - خاصة أولئك الذي عاشوا في أبيات هي أقرب ما تكون إلى الثكنة العسكرية منها إلى البيوتات التي سادت فيها الرحمة والسكن والمودة – يعتقدون أن الأسرة [والمرأة خاصة] على الرجل أن يضعها تحت حالة مستمرة من الضغط والطوارئ لا تخرج منهما أبدًا, فإذا دخل الزوج عش الدبابير – أقصد بيت الزوجية – اصطف أهل البيت جنبًا إلى جنب صامتين, أيديهم في جنوبهم كأن على رءوسهم الطير, مهطعين مقنعي رءوسهم [ساكتين في تذلل وخضوع], لا يرتد إليهم طرفهم, حتى تمر "التشريفة" بسلام..
تلك هي الصورة عند نسبة ليست بالقليلة من الرجال, واعتقاد سائد, وإن لم يفعلوا تفلتت أزمّة الأمور من بين أيديهم, واستولى المتمردون على مواقع عسكرية واستراتيجية مهمة تفتّ في عضد رب البيت وفي سيطرته على قواته المرابطة.. مع احتمال قيام انقلاب يحوّل السيادة من يد الزوج إلى يد زوجته..
قارن بين تلك الصورة وبين قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}, يقول صاحب الظلال رحمه الله معلقًا على هذه الآية: والتعبير القرآني اللطيف الرقيق يصوّر هذه العلاقة تصويرًا موحيًا, وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب.. وأغوار الحس. اهـ.
يالها من كلمات.. فشتان شتان بين هكذا قلب.. يذوب في قلب زوجه وحبيبه, حتى إنه ليتبين لك أنهما شخص واحد لا شخصان, فقد تمرّ على أزواج تراهم فتحسب أن بينهما صلة قرابة أو شيئًا من هذا القبيل, وذلك لما تراه من شدة تقارب وتمازج في ملامحهما, وكأنهما قد أذيبت مادتهما ومزجتا ثم خلق منها هذان الزوجان بذات الصفات الخَلْقية والخُلُقية.. شتان بين هكذا قلبين وبين قلبيْ هذين الزوجين اللذيْن نصّب أحدهما نفسه حاكمًا عسكريًا على الآخر, يخيفه ويفزعه ويرعبه ويروّعه, فتكون الزوجة في مكان والزوج في آخر بعيد عنها, ولكن يشيب شعر رأسها من مجرد سماع اسمه أو رؤية صورته الفوتوغرافية..
الأعجب من ذلك, أن ترى كل هذا الخوف والرعب والفَرَق نابعًا من الزوج.. من الرجل.. الذي يُفترض أن فيه شيئًا من الصفات التي تؤهله لقيادة منزلة وأبنائه والتي أسماها القرآن "القوامة" في قولة تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ}, فتراه وقد تملكت منه زوجته. وهذا هو ما يخاف منه كل زوج, أن يصبح يومًا من الأيام زوجًا عديم الشخصية, أو يرى رأيه آخر الآراء في المنزل, حتى إن ولده الصغير قد يحتج على بعض ما تفعله أمه ولا يستطيع هو أن يحرك ساكنًا أو يسكّن متحركًا.. فيجره ذلك إلى السلوك الذي ذكرناه في البداية, وهو ما نسميه في مجتمعنا المصري "ذبح القطة", فيعمد الزوج إلى "ذبح القطة" ليلة الزفاف, ولكن يبدو أن لديه عددًا من القططة التي لا يجد لها مصرفًا, فيصبح بيته محل جزارة لذبح القطط..
أيها الأزواج تمهلوا.. ليس هكذا تورد الإبل.. ولا هكذا تُعامَل النساء, إنني أتفق مع جميع الرجال في أن المرأة لابد أن تخاف من زوجها, ولا بد أن تعلم أن هناك عقابًا قد ينزله الزوج بها إن هي أخطأت "عن عمد", وقد أحسن الرافعي عندما أبدع في وحيه للقلم فقال: "... إذ كان ضعفها [أي المرأة] يحب - فيما يحبه من الرجل - أن يقسوَ عليه الرجل في الوقت بعد الوقت, لا ليؤذيه ولكن ليخضعه, والآمر الذي لا يُخاف إذا عُصي أمره, هو الذي لا يُعبأ به إذا أطيع أمره".
ويضيف في نقطة مهمة قائلاً: "وكأن المرأة تحتاج طبيعتها أحيانًا إلى مصائبَ خفيفة, تؤذي برقّة أو تمر بالأذى دون أن تلمسها به, لتتحرك في طبيعتها معاني دموعها من غير دموعها, فإن طال ركود هذه الطبيعة أوجَدَتْ هي لنفسها مصائبها الخفيفة...".
فهذا الكلام ينم عن خبير بنفسيات المرأة ودواخلها, فإذا تأملت قوله: "لا ليؤذيه, ولكن ليخضعه", وقوله: "مصائب خفيفة تؤذي برقّة", تبين لك أن عقابها يبقى في هذا الإطار الضيق من الرقة والحنان, فهو عقاب ولكنه رقيق, وهو مصيبة ولكنه للإخضاع وليس للإضرار, إننا نبتغي في تعاملنا مع أزواجنا أن نصل إلى مرحلة تقول فيها المرأة إذا عُرض عليها فعل شيء يخالف رغبة زوجها: هذا شيء لا يحبه زوجي, لا أن تقول: سوف يضربني أو يشتمني أو يؤذيني..
نريد أن نصل إلى مرحلة يراعي فيها الزوجان كلاهما مشاعرَ الآخر, فالأمر ليس قاصرًا على الزوجة, ولكنّ للزوج أيضًا نصيبًا في هذا, فلا يلغي شخصية زوجته في بيتها, بل يحترم رأيها, ويعلم أنها كائن مستقل؛ له رغباته ومشاعره ومحبوباته ومكروهاته, وليست مجرد فزّاعة أينما وجهها توجهت, نعم.. هي تابعة له في مقامات غير قليلة, ولكنها مع ذلك إنسان وطرف في تلك العلاقة له شخصيته المستقلة..
الزوجة.. وسقف العقاب:
إن الزوجة - في مجمل أحوالها - هي التي تحدد سقف عقوبتها بيدها؛ ولا أشك لحظة في أنها الوحيدة القادرة على فرض احترامها على زوجها, وعدم تطوير الأمور لتصل منه إلى الضرب أو الإهانة, وليس ذلك بالتخويف, ولا بالإرهاب الذي توجهه للزوج, ولا بإعلاء صوتها عليه وشتمها وسبها له, فكل هذه أمور من المحرمات من جانب, ومن جانب آخر مسهمة بشكل فعّال جدًا في خراب بيتها وطلاقها من زوجها.
أقدّم لذلك بمقدمة بديهية إلى أقصى حد؛ وهي أن الزوجة مأمورة من الله عز وجل بطاعتها لزوجها, شاءت ذلك أم أبت, مادام الأمر دائرًا في دائرة المباحات والتحسينات, أما إذا أمرها بمعصية, فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق جل وعلا. فإذا أمرها زوجها أطاعته, أما إذا لم تُطع, وفعلت ما لا يحب - وهي تعلم - فقد وضعت نفسها تحت طائلة العقاب, وهذا هو مدار الأمر فانتبهي.. العادة تقضي بتدريج العقاب من المعاقِب, فإن العقاب في بداية الأمر يكون خفيفًا, كما في قوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}, فإن المرأة هي التي تحدد لنفسها نوعية العقاب, فقد عوقبت مرة فوُعِظت ولكنها لم تنتهِ فكررت الخطأ, فرفعت بذلك سقف خطئها قليلاً, فهُجِرت, ولكنها لم تنتهِ أيضًا فرفعت سقف الخطأ مرة ثانية, ثم كررت الخطأ مرة ثالثة واستحقت النوع الأقصى من العقاب وهو الضرب... وهكذا, ويظل يرتفع السقف حتى يكاد ينهدم على رأس الزوجة بالفراق أو الطلاق عياذًا بالله من الأمرين.
فإن من النساء من تكفيها النظرة من زوجها فتنتهي عما تفعل, وهذه - لا شك – تحترم نفسها وتحترم زوجها, وهي الصالحة ذات الدين التي مدحها النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه حينما قال: "ألا أخبركم بخير ما يكنـز؟! [أي الرجل] المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته, وإذا غاب عنها حفظته". ومنهن من يتعدى الأمر ذلك إلى كلمة عتاب رقيقة, ومنهن من لا يكفيها إلا علو صوت زوجها وغضبه, ومنهن من لا يؤتي أي من هذا ثماره فتُلجئ الزوج إلى هجرها ثم ضربها.. أرأيتِ؟!! أنتِ التي تفرضين عليه نوعية التعامل ونمط العلاقة.
فإذا أخطأتِ فبادري بالاعتذار, وأنهي هذا الأمر على الفور, ولا يمنعنّك كبرياؤك عن إبداء أسفك على خطئك؛ ولا تنتظري أن يوقع بك الزوج العقاب, فإن كثرة الجروح ستسفر حتمًا عن جسد متهرئ لا يقوى أمام مصاعب الحياة, وإن كلمة واحدة تقولينها تنالين بها رضا زوجك قد تسكنك في عليين الآخرة والدنيا, من أجل ذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا الزوج من أعظم القربات التي تتقرب بها الزوجة إلى ربها عزّ وتعالى, فقد صح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت". [صحيح الجامع]
هذا السلوك "الإرهابي" الذي شاهدناه في البداية - ولا أجد له اسمًا إلا هذا – هو نتاج مباشر ومسئولية مشتركة لسلوك وتنشئة اجتماعية للزوجين كليهما, فقد تعيش الفتاة في أسرة ليس لأبيها فيها كلمة مسموعة والكلمة لأمها؛ فترغب الفتاة في أن تكون كأمها, أو قد يحدث العكس, فيحدث الاصطدام, فالزوج بطبيعة الحال لا يقبل أن يكون هو في بيته خرقة بالية من دون كلمة مسموعة أو طاعة آمرة ناهية..
فعلى كل زوجين أن يعيشا حياتهما هما لا حياة شخص آخر, وليتمتع كل منهما بصفاته التي جبله الله عليها؛ الرجل بما خلقه الله فيه من فتوّة وقوة وقوامة ومسئولية, وليتحلَّ ببعض الحب والحنان, والمرأة بما في جبلتها من رقة وأنوثة وطاعة ورحمة وخضوع. وليتخلّ كل منهما عن الصفات التي لا تعجب صاحبه ولا يحبها, فهو أجدر أن يؤدم بينهما..