عفراء
04-03-2010, 19:51
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام ؛
موضوع اليوم حول كلمة الوسيلة !!! .
يعني إذا أردت أن تصل إلى مكان ما ، فلا بد من وسيلة تنقلك إلى هذا المكان ، إذا أردت الماء ، فلا بد أن تحفر بئرًا ، إذا أردت أن تأكل فلا بد أن تشتري الطعام ، إذا أردت أن تستنبت فلا بد أن تزرع البذر .
فالإنسان له هدف ، وله أن يتخذ وسيلةً إلى هذا الهدف ، فمن أراد الله فلا بد أن يبتغي إليه الوسيلة .
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة " .
من أوسع التفاسير لهذه الكلمة ، وأَوجه معنى من معاني الوسيلة طلبُ العلم ، فهو وسيلة ، والعلم طريقٌ إلى الله عز وجل .
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ".
يجب أن تعرف أنه موجود ، يجب أن تعرف أنه واحد في ذاته ، وفي أفعاله ، وفي صفاته ، يجب أن تعرف أنه كامل ، أسماؤه كلها حُسْنَى ، وصفاته كلها فُضْلَى .
إذاً ينبغي أن تعرفه ، ينبغي أن تعرف ما عنده من إكرام من أجل أن تقبل عليه ، وينبغي أن تعرف ما عنده من عذابٍ أليم إذا أعرضت عنه .
إذاً إذا أردت الله عز وجل فابتغِ إليه الوسيلة عن طريق العلم ، لقول الله عز وجل :
"إنما يخشى الله من عباده العلماء ".
( سورة فاطر : 28 )
لو أن هناك طريقاً إلى الله ، غير طريق العلم لذكرَه الله عز وجل ، لا بد أنْ تتعرف إلى الله ، لأنك كلما عرفت الله عز وجل ازدادت خشيتك له ، فالخشية مترافقة مع حجم العلم ، حجمُ خشيتك بحجم علمك ، رأس الحكمة مخافة الله ، أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .
وبعد ؛ فإن عرفته أقبلت عليه ، فمعرفته وسيلة ، وإنْ عرفت أمره ونهيه طبقتَ أمره وابتعدت عن نهيه ، إذاً معرفةُ منهجِه وسيلة .
لا ينبغي أن تكتفي بمعرفته من خلال الكون ، لا بد من أن تعرف منهجه من خلال الكتاب والسنة ، يجب أن تعرفه ، وأن تعرف منهجه ، الكون يدلك عليــه ، والكتاب والسنة يعرفانك بأمره ونهيه ، بالكون تعرفه وبالشرع تعبده .
إذاً لا بد من جانب من جوانب هذه الوسيلة ، أن تفكر في خلق السموات والأرض .
" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب ، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار " .
( سورة آل عمران : 190 - 191 )
ومن أجل أن تعبده ، لا بد أن تعرف أمره ونهيه ، ماذا تعمل أنت ؟ في التجارة مثلاً: لا بد أن تعرف أحكام الشراء والبيع لئلا تقع في الحرام ، فمن دخل الأسواق من دون فقهٍ ، وقع في الربا شاء أم أبى ، تعمل في الطب لا بد أن تعرف أحكام الجُعالة ، لأنك أجرك أيها الطبيب ليس مِن نوع عقود التراضي ، ولا المعوضات ، ولكن من نوع الجُعالة ، أنت مقبلٌ على الزواج ، فلا بد أن تعرف أحكام الزواج ، كيف تعامل الزوجة ؟ كيف يتم هذا العقد ؟ ما شروط هذا العقد ؟
إذاً إذا أردت أن تعبده فلا بد أن تعرف أمره ، لذلك ورد في الأثر : أن طلب الفقه حتمٌ واجبٌ على كل مسلم ، ليس هذا خياراً لك ، لا بد أن تقتطع من وقتك لتتعرف فيه إلى أمر الله ونهيه ، إن أردت أن تعرفه ، إن أردت أن تعبده ، إن أردت أن تتقرب إليه .
إذاً معرفة ذاته ، وأسمائه ، وصفاته ، من خلال الكون وسيلة ، ومعرفة منهجه من خلال الكتاب والسنة وأحكام الفقه وسيلة .
من أجل أن ترى نفسَك للإسلامِ مطبِّقاً ، لا بد أن تقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعله مثلاً أعلى وقدوة يقتدي به .
إذاً معرفة السيرة فرض عين ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " .
( سورة الأحزاب : 21 ) .
طيب ، إن جلست مع أهل الدنيا ، صَدِئ قلبك ، وشعرت بالضيق ، لابد إذًا أنْ تجلس مع المؤمنين ، قال الله تعالى : يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"
( سورة التوبة : 119 )
أن تجلس مع الصادقين وسيلة ، أن تجلس مع المؤمنين ، أن تلتقي معهم ، أن تأخذ عنهم ، من علمهم ، من أخلاقهم ، من قيمهم ، فكل هذه وسيلة ، انظُر فالمطلق على إطلاقه .
الوسيلة أن تعرف الله من خلال الكون ، والوسيلة أن تعرف أمره ونهيه من خلال الكتاب والسنة ، والوسيلة أن تجتمع مع المسلمين ، لتأخذ من علمهم ومن أخلاقهم ومن قيمهم ، وأن تقتدي بهم والدليل : "يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ". ( سورة التوبة : 119 )
هذه وسيلة ، والوسيلة الرابعة ؛ أن تتقرب إليه بالعمل الصالح ، "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً " .
( سورة الأحزاب : 21 ) .
فمعرفة الله من خلال الكون وسيلة ، ومعرفة منهجه وسيلة ، وصحبة المؤمنين وسيلة ، والأعمال الصالحة التي تقربك إلى الله وسيلة ، المطلق في القرآن على إطلاقه، فأي شيءٍ يقربك من الله عز وجل هو وسيلة ، لكن أكثر شيء يقربك من الله عز وجل أن تتأمل في خلق السموات والأرض ، فأنت أمام عظمة الله عز وجل وجهاً لوجه ، هذا أكبر شيء نظري ، وأكبر شيء عملي يقربك إلى الله عز وجل الإنفاقُ ، مطلق الإنفاق، " ومما رزقناهم ينفقون " .
( سورة البقرة : 3 )
لأن الله سبحانه وتعالى جاء بك إلى الدنيامن أجل أن تعدَّ نفسك إلى حياة أبدية ، فلا بد من عملٍ صالحٍ ترقى به ، " يا بشر لا صدقة ولا جهاد ، فبِمَ تلقى الله إذاً ؟ " ، لا بد من شيء تلقى الله به ، إنها الوسيلة .
لذلك إنسان يدّعي أنه مؤمن ولا يتحرك دعواه باطلة ، دعواه كاذبة ، لأن الإنسان من طبيعته الحركة ، ترجمةً لديناميكي ، وليس سكونياً "استاتيك" ، "ديناميك" يعني حركي ، فأنت تؤمن بالله وتظلّ واقفًا في محلك ، فلا يليق ذلك بالمؤمن .
أنت لا بد لك مِن بيت تسكنه ، مقدم على زواج ، تسمع أنّ بيتًا ثمنه نصف قيمته الحقيقية ، ثمنه خمسمئة ألف بدمشق وعلى الطابو فورًا ، وأنت معك المبلغ وتظل نائمًا ، لا أظن ، بل تذهب في نصف الليل مشيًا ولو آخر مكان ، أنت بحاجة ماسّة إلى بيت ، والبيت بنصف قيمته ، وطابوا فورًا ، وليس فيه مشكلة ، والدلال فلان ، وتظل ساكنًا ، ولا حركة ، فهذا غير معقول أبدًا !!!.
تسمع أنّ على كتفك عقربًا - لا سمح الله - إذ قال لك شخص : على كتفك عقرب ، هل تلتفتَّ نحوه بهدوء ، وتقول له : أشكرك على هذه الملاحظة ، وأتمنى أن أقابلك بخير منها ، معنى ذلك أنك لم تفهم قولَه ، ولو علمت ماذا قال لقفزت وخرجت من جلدك خوفاً من هذه الحشرة .
أتسمع الحق ولا تتحرك ، لا تغض بصرك ، ولا تنفق من مالك ، لا تلازم المسجد ، ولا تصلي ، معنى هذا أنك ما فهمت شيئًا إطلاقاً ، فعلامة الفهم الحركة ، "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً " ، أنتَعرفت الله وبيتك غير إسلامي ، يعني أنك ما عرفته ، ولو عرفته ، وعرفت ما عنده من إكرام ، وعرفت ما عنده من عقاب ، وعرفت تفاهة الدنيا ، وعرفت أبدية الآخرة ، وعرفت أن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، إذًا فلا بدّ أن تتحرك .
ذات مرة ضربت مثلاً مضحكًا ؛ لما كان عندنا أزمات تموينية ، قلت : لو أن واحدًا تلزمه صفيحة زيت ، وقد خرج من وظيفته توًّا وهو مُتعَب ، وقد خلع ثيابه وارتدى ثياب البيت ، وجلس على أريكةٍ مريحةٍ ، فقال له ابنه عدّةَ كلمات ؛ قال له : في المؤسسة زيت ، والصفيحة بـ 800 ل س وثمنها لدى السمّان 1600 ل س ، وليس في المؤسسة ازدحام ، ولا يوجد عندنا زيت ، وقد قبضتَ راتبك منذ يومين ، أيبقى قاعدًا ؟ لا شكّ أنه يسارع إلى المؤسسة مهرولاً ناسيًا تعبه كله .
فإذا كان الدين واضحًا ، والأفكار صحيحة ، والعقل يقظًا ، والعاطفة جياشة ، وسمعت الحق ، فلا بد أنْ تتحرك ، أما يبقى على ما هو عليه من المعاصي والآثام والتقصير ، ويدّعي أنه مؤمن ، وأنا مسلم ، ويقول : اللهم اجعلنا من أهل الجنة ، فنحن عبيد إحسان ، ولسنا عبيد امتحان ، هذا كلام لا يقدم ولا يؤخر ، وربما يكون حجة على قائله ، " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ".
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ".
أي شيءٍ من علمٍ ، أو عملٍ ، أو تضحيةٍ ، أو شيءٍ آخر يقربك إلى الله عز وجل فهو وسيلة ، التفكر في خلق السموات والأرض وسيلة ، معرفة المنهج الأمر ؛ والنهي وسيلة ، صحبة المؤمنين وسيلة ، البذل والعطاء وسيلة ، وأي شيءٍ آخر ترى أنه يقرب إلى الله عز وجل فهو وسيلة ، ونسيت أن أقول لكم : إنّ ذكرَ الله وسيلةٌ ، ذكره باسمه المفرد ، والاستغفار ، والتسبيح ، والتهليل ، والتكبير ، والحمد ، والدعاء ، وتلاوة القرآن هذه وسيلة ، وأعود لأكرِّر : التفكر وسيلة ، الذكر وسيلة ، الطاعة وسيلة ، البذل وسيلة ، صحبة المؤمنين وسيلة ، الإطلاع على سيرة رسول الله وأصحابه الكرام وسيلة ، والآية واسعة جداً ، وأي شيء يقربك من الله هو وسيلة ، درسنا اليوم كان حول : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة " ، واستمع لقوله تعالى: "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها " .
( سورة الإسراء : 19 )
علامة الإرادة السعي ، وعلامة التمني القعود ، المتمني يقعد ، والساعي يتحرك ، فأنت امتحن نفسك ، إذا بقي الإسلام معلومات تتلقاها وأنت مرتاح لها ، ولديك مشاعر إسلامية وليس لديك حركة إطلاقاً ،ف القضية صعبة ، أما إذا أيقنت بأحقية هذا الدين ، وعظمة هذا الخالق العظيم ، فلا بد أن تتحرك نحوه ، ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فُتُّكَ فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
والحمد لله رب العالمين
تفسير القرآن الكريم
لفضيلة الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام ؛
موضوع اليوم حول كلمة الوسيلة !!! .
يعني إذا أردت أن تصل إلى مكان ما ، فلا بد من وسيلة تنقلك إلى هذا المكان ، إذا أردت الماء ، فلا بد أن تحفر بئرًا ، إذا أردت أن تأكل فلا بد أن تشتري الطعام ، إذا أردت أن تستنبت فلا بد أن تزرع البذر .
فالإنسان له هدف ، وله أن يتخذ وسيلةً إلى هذا الهدف ، فمن أراد الله فلا بد أن يبتغي إليه الوسيلة .
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة " .
من أوسع التفاسير لهذه الكلمة ، وأَوجه معنى من معاني الوسيلة طلبُ العلم ، فهو وسيلة ، والعلم طريقٌ إلى الله عز وجل .
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ".
يجب أن تعرف أنه موجود ، يجب أن تعرف أنه واحد في ذاته ، وفي أفعاله ، وفي صفاته ، يجب أن تعرف أنه كامل ، أسماؤه كلها حُسْنَى ، وصفاته كلها فُضْلَى .
إذاً ينبغي أن تعرفه ، ينبغي أن تعرف ما عنده من إكرام من أجل أن تقبل عليه ، وينبغي أن تعرف ما عنده من عذابٍ أليم إذا أعرضت عنه .
إذاً إذا أردت الله عز وجل فابتغِ إليه الوسيلة عن طريق العلم ، لقول الله عز وجل :
"إنما يخشى الله من عباده العلماء ".
( سورة فاطر : 28 )
لو أن هناك طريقاً إلى الله ، غير طريق العلم لذكرَه الله عز وجل ، لا بد أنْ تتعرف إلى الله ، لأنك كلما عرفت الله عز وجل ازدادت خشيتك له ، فالخشية مترافقة مع حجم العلم ، حجمُ خشيتك بحجم علمك ، رأس الحكمة مخافة الله ، أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .
وبعد ؛ فإن عرفته أقبلت عليه ، فمعرفته وسيلة ، وإنْ عرفت أمره ونهيه طبقتَ أمره وابتعدت عن نهيه ، إذاً معرفةُ منهجِه وسيلة .
لا ينبغي أن تكتفي بمعرفته من خلال الكون ، لا بد من أن تعرف منهجه من خلال الكتاب والسنة ، يجب أن تعرفه ، وأن تعرف منهجه ، الكون يدلك عليــه ، والكتاب والسنة يعرفانك بأمره ونهيه ، بالكون تعرفه وبالشرع تعبده .
إذاً لا بد من جانب من جوانب هذه الوسيلة ، أن تفكر في خلق السموات والأرض .
" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب ، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار " .
( سورة آل عمران : 190 - 191 )
ومن أجل أن تعبده ، لا بد أن تعرف أمره ونهيه ، ماذا تعمل أنت ؟ في التجارة مثلاً: لا بد أن تعرف أحكام الشراء والبيع لئلا تقع في الحرام ، فمن دخل الأسواق من دون فقهٍ ، وقع في الربا شاء أم أبى ، تعمل في الطب لا بد أن تعرف أحكام الجُعالة ، لأنك أجرك أيها الطبيب ليس مِن نوع عقود التراضي ، ولا المعوضات ، ولكن من نوع الجُعالة ، أنت مقبلٌ على الزواج ، فلا بد أن تعرف أحكام الزواج ، كيف تعامل الزوجة ؟ كيف يتم هذا العقد ؟ ما شروط هذا العقد ؟
إذاً إذا أردت أن تعبده فلا بد أن تعرف أمره ، لذلك ورد في الأثر : أن طلب الفقه حتمٌ واجبٌ على كل مسلم ، ليس هذا خياراً لك ، لا بد أن تقتطع من وقتك لتتعرف فيه إلى أمر الله ونهيه ، إن أردت أن تعرفه ، إن أردت أن تعبده ، إن أردت أن تتقرب إليه .
إذاً معرفة ذاته ، وأسمائه ، وصفاته ، من خلال الكون وسيلة ، ومعرفة منهجه من خلال الكتاب والسنة وأحكام الفقه وسيلة .
من أجل أن ترى نفسَك للإسلامِ مطبِّقاً ، لا بد أن تقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعله مثلاً أعلى وقدوة يقتدي به .
إذاً معرفة السيرة فرض عين ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " .
( سورة الأحزاب : 21 ) .
طيب ، إن جلست مع أهل الدنيا ، صَدِئ قلبك ، وشعرت بالضيق ، لابد إذًا أنْ تجلس مع المؤمنين ، قال الله تعالى : يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"
( سورة التوبة : 119 )
أن تجلس مع الصادقين وسيلة ، أن تجلس مع المؤمنين ، أن تلتقي معهم ، أن تأخذ عنهم ، من علمهم ، من أخلاقهم ، من قيمهم ، فكل هذه وسيلة ، انظُر فالمطلق على إطلاقه .
الوسيلة أن تعرف الله من خلال الكون ، والوسيلة أن تعرف أمره ونهيه من خلال الكتاب والسنة ، والوسيلة أن تجتمع مع المسلمين ، لتأخذ من علمهم ومن أخلاقهم ومن قيمهم ، وأن تقتدي بهم والدليل : "يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ". ( سورة التوبة : 119 )
هذه وسيلة ، والوسيلة الرابعة ؛ أن تتقرب إليه بالعمل الصالح ، "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً " .
( سورة الأحزاب : 21 ) .
فمعرفة الله من خلال الكون وسيلة ، ومعرفة منهجه وسيلة ، وصحبة المؤمنين وسيلة ، والأعمال الصالحة التي تقربك إلى الله وسيلة ، المطلق في القرآن على إطلاقه، فأي شيءٍ يقربك من الله عز وجل هو وسيلة ، لكن أكثر شيء يقربك من الله عز وجل أن تتأمل في خلق السموات والأرض ، فأنت أمام عظمة الله عز وجل وجهاً لوجه ، هذا أكبر شيء نظري ، وأكبر شيء عملي يقربك إلى الله عز وجل الإنفاقُ ، مطلق الإنفاق، " ومما رزقناهم ينفقون " .
( سورة البقرة : 3 )
لأن الله سبحانه وتعالى جاء بك إلى الدنيامن أجل أن تعدَّ نفسك إلى حياة أبدية ، فلا بد من عملٍ صالحٍ ترقى به ، " يا بشر لا صدقة ولا جهاد ، فبِمَ تلقى الله إذاً ؟ " ، لا بد من شيء تلقى الله به ، إنها الوسيلة .
لذلك إنسان يدّعي أنه مؤمن ولا يتحرك دعواه باطلة ، دعواه كاذبة ، لأن الإنسان من طبيعته الحركة ، ترجمةً لديناميكي ، وليس سكونياً "استاتيك" ، "ديناميك" يعني حركي ، فأنت تؤمن بالله وتظلّ واقفًا في محلك ، فلا يليق ذلك بالمؤمن .
أنت لا بد لك مِن بيت تسكنه ، مقدم على زواج ، تسمع أنّ بيتًا ثمنه نصف قيمته الحقيقية ، ثمنه خمسمئة ألف بدمشق وعلى الطابو فورًا ، وأنت معك المبلغ وتظل نائمًا ، لا أظن ، بل تذهب في نصف الليل مشيًا ولو آخر مكان ، أنت بحاجة ماسّة إلى بيت ، والبيت بنصف قيمته ، وطابوا فورًا ، وليس فيه مشكلة ، والدلال فلان ، وتظل ساكنًا ، ولا حركة ، فهذا غير معقول أبدًا !!!.
تسمع أنّ على كتفك عقربًا - لا سمح الله - إذ قال لك شخص : على كتفك عقرب ، هل تلتفتَّ نحوه بهدوء ، وتقول له : أشكرك على هذه الملاحظة ، وأتمنى أن أقابلك بخير منها ، معنى ذلك أنك لم تفهم قولَه ، ولو علمت ماذا قال لقفزت وخرجت من جلدك خوفاً من هذه الحشرة .
أتسمع الحق ولا تتحرك ، لا تغض بصرك ، ولا تنفق من مالك ، لا تلازم المسجد ، ولا تصلي ، معنى هذا أنك ما فهمت شيئًا إطلاقاً ، فعلامة الفهم الحركة ، "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً " ، أنتَعرفت الله وبيتك غير إسلامي ، يعني أنك ما عرفته ، ولو عرفته ، وعرفت ما عنده من إكرام ، وعرفت ما عنده من عقاب ، وعرفت تفاهة الدنيا ، وعرفت أبدية الآخرة ، وعرفت أن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، إذًا فلا بدّ أن تتحرك .
ذات مرة ضربت مثلاً مضحكًا ؛ لما كان عندنا أزمات تموينية ، قلت : لو أن واحدًا تلزمه صفيحة زيت ، وقد خرج من وظيفته توًّا وهو مُتعَب ، وقد خلع ثيابه وارتدى ثياب البيت ، وجلس على أريكةٍ مريحةٍ ، فقال له ابنه عدّةَ كلمات ؛ قال له : في المؤسسة زيت ، والصفيحة بـ 800 ل س وثمنها لدى السمّان 1600 ل س ، وليس في المؤسسة ازدحام ، ولا يوجد عندنا زيت ، وقد قبضتَ راتبك منذ يومين ، أيبقى قاعدًا ؟ لا شكّ أنه يسارع إلى المؤسسة مهرولاً ناسيًا تعبه كله .
فإذا كان الدين واضحًا ، والأفكار صحيحة ، والعقل يقظًا ، والعاطفة جياشة ، وسمعت الحق ، فلا بد أنْ تتحرك ، أما يبقى على ما هو عليه من المعاصي والآثام والتقصير ، ويدّعي أنه مؤمن ، وأنا مسلم ، ويقول : اللهم اجعلنا من أهل الجنة ، فنحن عبيد إحسان ، ولسنا عبيد امتحان ، هذا كلام لا يقدم ولا يؤخر ، وربما يكون حجة على قائله ، " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ".
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ".
أي شيءٍ من علمٍ ، أو عملٍ ، أو تضحيةٍ ، أو شيءٍ آخر يقربك إلى الله عز وجل فهو وسيلة ، التفكر في خلق السموات والأرض وسيلة ، معرفة المنهج الأمر ؛ والنهي وسيلة ، صحبة المؤمنين وسيلة ، البذل والعطاء وسيلة ، وأي شيءٍ آخر ترى أنه يقرب إلى الله عز وجل فهو وسيلة ، ونسيت أن أقول لكم : إنّ ذكرَ الله وسيلةٌ ، ذكره باسمه المفرد ، والاستغفار ، والتسبيح ، والتهليل ، والتكبير ، والحمد ، والدعاء ، وتلاوة القرآن هذه وسيلة ، وأعود لأكرِّر : التفكر وسيلة ، الذكر وسيلة ، الطاعة وسيلة ، البذل وسيلة ، صحبة المؤمنين وسيلة ، الإطلاع على سيرة رسول الله وأصحابه الكرام وسيلة ، والآية واسعة جداً ، وأي شيء يقربك من الله هو وسيلة ، درسنا اليوم كان حول : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة " ، واستمع لقوله تعالى: "ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها " .
( سورة الإسراء : 19 )
علامة الإرادة السعي ، وعلامة التمني القعود ، المتمني يقعد ، والساعي يتحرك ، فأنت امتحن نفسك ، إذا بقي الإسلام معلومات تتلقاها وأنت مرتاح لها ، ولديك مشاعر إسلامية وليس لديك حركة إطلاقاً ،ف القضية صعبة ، أما إذا أيقنت بأحقية هذا الدين ، وعظمة هذا الخالق العظيم ، فلا بد أن تتحرك نحوه ، ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فُتُّكَ فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
والحمد لله رب العالمين
تفسير القرآن الكريم
لفضيلة الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي