المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من سورة النساء.. الشفاعة – الآية 85 .


عفراء
04-03-2010, 19:36
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام ؛ الآية الخامسة والثمانون من سورة النساء ، وهي قوله تعالى :

إذا كنت أيها المؤمن سبباً في علاقةٍ أدّت إلى مفسدة ، فعليك وزر هذه المفسدة ، وإن كنت سبباً في علاقةٍ أدت إلى خير ، إلى هدى ، إلى تقى ، إلى صلاح ، إلى تحقيق مصالح المسلمين ، إلى التخفيف عنهم ، فَلَكَ منها نصيب ، وإذا كنت سبباً في علاقةٍ سيئةً فعليك منها وزر ، لذلك فالله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم : "إنّا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم"
( سورة يس : 12 )
دقق في كلمة "وآثارهم" ، فأعظم الأعمال عند الله هي الأعمال التي إذا مات صاحبها ، واستمرت من بعد موته ، تتجدد منافعها ، يتجدد ثوبها ، من هنا ، ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث . صدقةٍ جاريةٍ . وعلم ينتفع به . وولدٍ صالح يدع له .
لا بد مِن ضرب بعض الأمثلة ؛ لو فتحت محلاً تجاريًا وكل الزبائن نساء ، واستخدمتَ شابًا في ريعان الشباب ، فلو نشأ فسادٌ عند هذا الشاب فأنت السبب ، من يشفع شفاعةً سيئة يكن له كفلٌ منها ، ومن يشفع شفاعةٌ حسنة يكن له نصيبٌ منها .
فقَبْل أنْ تتحرك ، وقبل أنْ تعمل مشروعًا ، قبل أنْ توظف ، قبل أنْ تعين ، قبل أنْ تفصل ، قبل أنْ تعمل أي علاقة ، انتبه إلى أنك إذا كنت سبباً في علاقةٍ أدت إلى مفسدةٍ ، فعليك وزرُ مثل هذه المفسدة ، ولو دللت شابًا فاسدًا ليتزوج فتاةً طيبةً ، فأنت الذي دللت عليه ، فلك من هذا الزواج ، ومما ينتج عن الفساد منه وزر .
هذه الآية أيها الإخوة : من أدق الآيات التي تجعل المؤمن يفكر ملياً قبل أن يقدم على عمل .
ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام : إذا أردت إنفاذ أمرٍ تدبر عاقبته .
يعني ... أنت نصحت صديقك أنْ يبعث ابنه إلى بريطانيا ، ليتعلم اللغة الإنكليزية ، فهنالك ببريطانيا مثلاً ، يفرزون الشاب إلى أسرة ، يسكن معهم ليلاً ونهاراً، فقد تكون فتاة في هذا البيت ، ويمكن لهذا الشاب أنْ يقع في الزنى ، وأنْ يشرب خمرًا ، أنت نصحت رفيقك ، ليتعلم ابنه لغة ، فبعثه إلى بريطانيا ، ليتلقى دروسًا وتدريبات عملية.
قبل أنْ تتكلم كلمة ، وقبل أنْ تنصح ، وقبل أنْ تقيم علاقة ، قبل أنْ تجمع بين شخصين ، قبل أنْ تدل على زواج ، قبل أنْ تؤسس مشروعًا ، فقد تكون المفسدة في نصيحتك أو اقتراحك ، وتوجيهك لهذا المشروع .
قال لي أحد إخوانا الكرام : إنّ بعض الأعمال تقوم مِن أساسها على معصية ، فإذا أنت ساهمت إما بمالك ، أو بجهدك ، أو بخبرتك ، فلا تعطِ خبرتك ولا رأيك لمفسدةٍ تقع بين المسلمين .
"من يشفع شفاعةً حسنة يكن له نصيبٌ منها ، ومن يشفع شفاعةً سيئةً يكن له كفلٌ منها "، انتبِهْ ؛ كلمة " نصيب"غير كلمة "كفل" ، الكفالة فيها غرامة ، أما النصيب ففيه ربح ، ما نصيبي من أرباح هذا العام ، النصيب فيه ربح ، أما الكفالة ففيها مغرم .
هذه الآية أيها الإخوة ، تعضدها الآية الثانية .
إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم .. "
( سورة يس : 12 )
آثار الأعمال ، أحياناً تشير على إنسان بتطليق زوجته ، فيطلِّق ، وحينها تريد المرأةُ أن تغيظ زوجها ، فتفسد ، وتدع الصلاة ، وتسفر ، وتختلط بالرجال ، فأنت الذي أشرت على الصديق أن يطلق زوجته ، والآثار المترتبة على هذا الطلاق ، أنت أيها المشير تتحملُ كفلاً منها ، وبالمقابل إذا دللت إنسانًا على مجلس علم ، دللته على خير ، على أبواب الخير ، على دفع زكاة ماله ، على غض بصره .
فأيَّة دلالةٍ تدل بها إنسانًا تنتهي بخيرٍ في الدنيا أو في الآخرة فلك منها نصيب ، أروع ما في الإسلام ، أنك إذا دللت على خيرٍ كُتب لك أجرٌ كأجر فاعله ، وإذا دللت على سوء تحملت وزراً كوزر فاعله .
أسس رجلٌ ملهى وناديًا ليليًا ، تقام فيه المعاصي بكل أنواعها ، وبعد ما افتتحه بأسبوع توفي ، ولا يزال النادي مفتوحًا إلى الآن ، وعلى المؤسِّس كِفل من كل مفاسده وخبائثه.
"إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم "
( سورة يس : 12 )
فاحرص أيها الأخ الكريم ، أنْ تعمل عملاً صالحًا ، فإذا غبت عن الحياة يبقى العمل مستمرًا ، ولك أجر مستمر ما دام العملُ قائما .
أحيانا وكلاء بعض الشركات ، قد يأتيه إنسان بغير علم صاحب الشركة ويشتري البضاعة ، فيأتي إشعار لصاحب الشركة ، سجلنا لك ثلاثين ألف دولار في حسابك ، وأنت لا تدري ، يوم القيامة لما يختارُ اللهُ الإنسانَ إلى جواره ، تكون له أعمال صالحة من هذا النوع ، أعمال خيرة ، فكل الثواب يأتيه ، وتأتي نسخةٌ من هذا الثواب إلى من دلّ عليه .
فيا أيها الإخوة الأكارم ؛ الإنسان أعطاه اللهُ عقلاً ، وكثير من المفاسد الاجتماعية أساسها نصيحة ، وأساسها دلالة ،و أساسها خبرة ، وأساسها إغراء ، وأساسها تحميس ، فقبْل أن تغري ، قبل أن تشير ، قبل أن تقترح ، قبل أن تدل ، قبل أن تفعل شيئاً ، دقق أن هذا العمل إذا ظهرتْ منه مفسدة فعليك من هذا العمل وزر ، وإذا دللت على خيرٍ فلك من هذا العمل نصيبٌ من أرباحه .
الآية الكريمة : "فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره "
( سورة الزلزلة : 7-8 )
نعيد الآية مرة ثانية : "من يشفع شفاعةً حسنة "، الشفع الزوج ، يشفع شفاعةً ، يعني كان سبب علاقة ، لك صديق عنده بنت ضعيفة في الرياضيات ، فتقول له : أنا عندي أستاذ درجة أولى بالمادة ، فانتبِهْ ، عنده بنت ، فأنت جمعت رجلاً مع فتاة في خلوة ، وكل شيء قد يحصل ، فإنّ الذي دل على هذا العمل عليه وزرٌ من هذا العمل ، أضرب أمثلة من أجل توضيح الفكرة .
"فمن يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيبٌ منها ومن يشفع شفاعةً سيئةً يكن له كفلٌ منها وكان الله على كل شيءٍ مقيتا " .
يعني على كل شيءٍ مقتدرا ، يعني الله قادر أنْ يمنح الدال على الخير مثل أجر فاعله ، وقادر على أن يحاسب الدال على الشر ويعاقبه مثل عقاب أجر فاعله .
لذلك كما ورد في حديث قدسي : عبادي الخير بيدي والشر بيدي فطوبى لمَن قدَّرتُ على يده الخير ، والويل لمن قدّرتُ على يده الشر .
هناك أشخاص مفاتيح للخير مغاليق للشر ، فأحيانا يقع زواج غير صحيح ، في مفسدة ، تعقبه فاسد ، زوجة فاسدة ، وأنت الوسيط ، فإذا كان في الأمر فساد فإياك أن تقترب ، شركة مبنية على التعامل الربوي ، شركة مبنية على موضوع لا يرضي الله عز وجل ، مطعم تدار فيه الخمور ، فأنت إذا كان لك نصيب في هذه الشركة فهذه مشكلة كبيرة ، وهذه الآية يجب أن تكون في ذهن كل أخ مؤمن ، قبل ما يتكلم كلمة ، قبل أنْ يدل ، قبل أنْ ينصح ، قبل أنْ يكون وسيطًا ، قبل أنْ يكفل كفالة مصرفية مثلاً ، قبل أنْ يكفل ينتبه ، هذه فيها مخالفة للشرع ، فالكفيل مسؤول أيضاً .
"من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيبٌ منها ومن يشفع شفاعةً سيئةً يكن له كفل " فانتبِهْ .
واحدة نصيب ، وواحدة كفل ،ولكلٍّ منهما معنى ، " وكان الله على كل شيءٍ مقيتا "، يعني مقتدر على أن يجازي المحسن على إحسانه ، والمسيء على إساءته .
والحمد لله رب العالمين .






تفسير القرآن الكريم
لفضيلة الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي

حموووده
04-03-2010, 20:06
بارك الله فيكِ عفراء