المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من سورة النساء..طاعة الله ورسوله وأولي الأمر - الآية 59 .


عفراء
04-03-2010, 19:29
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام ؛ الآية التاسعة والخمسون من سورة النساء ، وهي قوله تعالى :

http://www.quran-radio.com/tafseer_nabulsi/17.files/image001.gif
الله سبحانه وتعالى يخاطب عامة الناس بأصول الشريعة .
يا أيها الناس اعبدوا ربكم .
ويخاطب المؤمنين بفروع الشريعة ، فحيثما قرأت في كتاب الله .
يا أيها الذين آمنوا .
فالذي آمن بالله ورسوله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ، هذا الخطاب موجَّه إليه ، أما إذا خاطب الإنسان لعموم وصفه يقول :
يا أيها الناس اعبدوا ربكم .
فالناس يخاطبون بأصول الشريعة ، بينما المؤمنون يخاطبون بفروع الشريعة.
هذه الآية أيها الإخوة ، للإمام الشافعي شرحٌ دقيقٌ لها ، كلكم يعلم إن الدين في أصله ، وحيٌ من الله إلى رسوله ، ونقلٌ عن رسول ، فالدين وحيٌ ونقلٌ ، فإذا قال الله عز وجل : أطيعوا الله ، يعني أطيعوا الأمر الذي وصلكم عن طريق الوحي ، يعني القرآن ، كيف أطيع الله ؟ بتطبيق أوامر القرآن ، وأطيعوا الرسول ، وكيف أطيع الرسول ؟
الله سبحانه وتعالى يقول : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
( سورة الحشر: 7 )
وقال : ليبين للناس ما نزل إليهم .
فالسنة النبوية المطهرة ، نوعان أو ثلاثة أنواع .
· أولاً : نوع قولي .
· ثانياً : نوعٌ عملي .
· ثالثاً : نوعٌ إقراري .
فإذا وقف النبي في موقف ، وحَدَثَ أمامه حدثٌ ، وسكت النبي ، فهذه سنة ، لإن سكوته يعني أنه أقره ، لو لم تكن على حق لما سكت ، لأنه رسول ومشرع ، فهنالك سنة ٌ، أقواله سنة ، وأفعاله سنة ، وإقراره سنة .
فإذا قال الله عز وجل : وأطيعوا الرسول ، تتلخص طاعتُهفي ثلاثة أشياء ؛ الأحاديث الشريفة الصحيحة التي فيها أمرٌ ونهيٌ .
ينبغي أن تطيعه فيها ، وسيرته الصحيحة هكذا فعل ، ففي بيته فعل كذا وكذا ، مع إخوانه ، مع أصحابه في حربه ، في سلمه ، في قيادته كانت أفعاله كذا وكذا .
سنته الفعلية هي سيرته ، وإقراراته ، أيضاً من سنته .
فأنت مأمور من قبل الله عز وجل ، أن تطيع الأمر الذي جاءك في القرآن الكريم ، وأن تطيع الأمر الذي جاء به النبي ليبين لك ما في القرآن الكريم ، وأن تقلد النبي قي سلوكه ، وأن تطيعه أيضاً في إقراره ، وهذا كلُّه واضح .
أطيعوا الله ؛ الأوامر القرآنية ، وأطيعوا الرسول سنته القولية ، والعملية ، والإقرارية.
الآن : وأولى الأمر منك .
الإمام الشافعي قال : وأولي الأمر هم العلماء والأمراء .
ما الفرق بينهما ؟ العلماء الذين يعرفون الأمر والنهي ، والأمراء الذين ينفذونه.
لكن لو وقع شعب مسلم تحت حكم استعماري كافر ، هل هؤلاء أولو الأمر ؟ لا !!! هؤلاء الكفرة هم أولو الأمر فيكم لا منكم ، فمِن للتبعيض .
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، كلمة "من" للتبعيض .
من هم "أولي الأمر" ؟ هم العلماء الذين يعرفون أمر الله ، والأمراء الذين ينفذون أمر الله ، فأنت بحسب هذه الآية .
مكلفٌ أن تطيع الأوامر التي وردت في هذا الكتاب .
ومكلف أن تتبع سنة النبي القولية والعملية والإقرارية .
ومكلفٌ أن تطيع من يفتي لك وهو على علمٍ ، وورعٍ وتقي ، ويقول لك : الحكم الشرعي في هذا المبلغ مثلاً إنه حرام ، " أولي الأمر" صار معناها : عالم مُفْتٍ ، وإذا أحيل هذا الأمر إلى الدوائر التنفيذية ، فلو كنتَ أمام القاضي الشرعي مثلاً ، وحَكَم لك في خلاف بينك وبين زوجتك بحكم الله ، فأوجب لها المهر ، فهذا القاضي الشرعي من أولي الأمر ، فلما أحيلت هذه القضية إلى دوائر التنفيذ ، صرنا من مع "أولي الأمر" من نوع ثانٍ ، وهو المنفذ .
"أولي الأمر " نوعان ، الذي يعلم ، والذي ينفذ ، بِشرطِ أن يكون منكم .
الآن : فإن تنازعتم ، فَمَع مَنْ نتنازع .
فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر .
ماذا حذف من هذه الآية ؟ هم ثلاثة فيما سبق مِن الآية ، أطيعوا الله ، وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، قال ، فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول.
هل تفهمون مَنْ حُذِف " أولي الأمر " ، فالنزاع بين مَنْ ومَنْ .
النزاع إذاً بين المسلمين وبين علمائهم ، وبين أمرائهم ، فإذا حصل نزاعٌ وجاءك أمر مخالف للقرآن الكريم فالحكم لله ولرسوله ، والقصة التي أرويها لكم دائماً .
أن النبي صلى الله عليه وسلم : أرسل سريةً وأمَّر عليها أنصارياً فيه دعابة ، هذا الأنصاري بعد أن تسلّم القيادة أعطى أمراً أن تضرم نارٌ عظيمة ، وقال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أميرهم : اقتحموها !!!
فترددوا ، بعضهم قال كيف نقتحمها ؟ وقد آمنَّا بالله ورسوله فراراً منها ، وبعضهم قال : لا بد من اقتحامها ، فطاعة الأمير طاعة الرسول .
وقعت منازعةٌ بين الصحابة وبين هذا الأمير الذي أمرهم أن يقتحموا ناراً ، والنبي حيٌّ يُرزق ، فذهبوا إلى النبي يخبرونه ، فقال عليه الصلاة والسلام : والله لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة ، إنما الطاعة في المعروف .
فالمنازعة هنا بين المسلمين وبين علمائهم أو بين أمرائهم ، حول شرعية حكم يجوز أو لا يجوز ، فَمَنْ هو الحَكَم في هذه المنازعة ، كتاب الله وسنة رسوله ، الآية أصبحت على الشكل التالي : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله " ، بطاعة أوامره في القرآن الكريم، لأن هذا وحيٌ من عند الله نقله إلينا النبي عليه الصلاة والسلام ، وأطيعوا الرسول ، فاللهُ مثلاً بيَّن لنا البيوع بآية واحدة ، والنبي بيّن البيوع بمئتي حديث ، وأمّا الزكاة ، " خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها" .( سورة التوبة : 103 )
فالنبي بيّن زكاة الزروع ، وزكاة التجارة وعروض التجارة ، وزكاة المواشي ، وزكاة الركاز والأنصبة ، ومصارف الزكاة .
فالنبي وصَّى وفَصَّل ، فأنت عليك أن تطيع الله عز وجل فيما أمر ، وأن تطيع النبي عليه الصلاة والسلام فيما بين بسنته القولية ، وفيما فعل سنة فعلية وفيما سكت فسكوته إقرار .
ذات مرة ذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى أحد أصحابه وقد توفي توًّا في بيته ، فسمع من خلف الستار امرأةً تقول : هنيئاً لك أبا السائب ، تعني أبا السائب ، لقد أكرمك الله ، فلو أن النبي سكت لكان كلامها صحيحاً ، لكنه عليه الصلاة و السلام قال : ومن أدراكِ أن الله أكرمه ، قولي : أرجو الله أن يكرمه .
لأن هذا تَأَلٍّ على الله ، قولي أرجو الله أن يكرمه ، وأنا نبيٌ مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم .
إذاً النبي لم يسكت فإذا سكت فما عاد نبياً ، أي كلمةٍ باطلةٍ تلقى أمامه لا بد أن يصححها ، فسنة النبي ؛ أقواله الصحيحة ، وسنة النبي أفعاله يعني سيرته ، وسنة النبي إقراره .
وكثير مِن الأحاديث أساسها أن صحابيًا فعل كذا وكذا في حضرة النبي ، والنبي ما نهى عن ذلك ، إذاً هذه الواقعة أصبحت سنة ، "أولى الأمر" هم العلماء العاملون ، الصادقون ، المخلصون ، الذين يعرفون أمر الله ورسوله ، والذين ينفذون هذا الأمر أيضاً هم من أولي الأمر ، أما لو وقع مجتمع مسلم تحت حكم مستعمر كافر، فلا يكون هذا الكافر من أولي الأمر .
فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر .
إذا آمنت أن الله هو المشرع ، هو الذي يعلم ، وهو الذي يميت ، وهو الذي سيحيي ، وهو الذي سيحاسب ، إن آمنت بهذا ، فعليك أن ترد النزاع إلى الله والرسول ، ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا.
الآن عندنا سؤالان ، ماذا ترون في تعلُّم سنة النبي القولية ؟ يعني يستحسن أن تتعلمها ، وهنا يطالعنا سؤال ؟ يستحسن ، يعني أهو مندوبٌ أن تتعلمها ؟ لا ، أهو فرض كفاية أن تتعلمها ؟ لا ، بل تعلُّمها فرض عين ، قل لي ما الدليل في أن تعلم سنة النبي القولية فرض عين ، لأن الله تعالى يقول : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .
فكيف تأخذ شيئاً لا تعلمه ؟ إذاً كل واحد من إخواننا الحاضرين عليه أن يعرف سنة النبي القولية ، وهذا فرض عين ، ولا يعفى منه أحد .
وهذا سؤال آخر :
أقراءة سيرة رسول الله ، يعني : مستحسن ، مندوب ، فرض كفاية ؟ لا بل تعلُّمها فرض عين ، والدليل : لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة .
( سورة الأحزاب : 21 ) .
أمر إلهي هو قدوتك ، كيف تقتدي به وأنت لا تعلم أحواله وأفعاله وتصرفاته ، إذاً لابد من تعلم سنة النبي القولية والفعلية والإقرارية حتى تنفذ أمر الله عز وجل ، أطيعوا الله ورسوله ، هذا طيبٌ ، ثم لابد من أن تستسقي العلم من أولي الأمر الذين يعرفون أمر الله .
ابن عمر دينَك دينَك خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا ، إذاً ، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم العلماء والأمراء طبعاً منكم ، فإن تنازعتم في شيء ، مثل ما صار مع الصحابة ، تنازعوا مع أميرهم ، قال لهم : اقتحموا النار ، فلما ردوا هذه المنازعة إلى الله ورسوله ، قال عليه الصلاة والسلام : والله لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة إنما الطاعة في معروف ، وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا .
هذه الآية واضحة ، وتلخيص للموضوع أقول :
طاعة الله في اتباع القرآن ...
طاعة النبي في العمل سنته القولية والعملية والإقرارية ...
طاعة أولي الأمر ، أن تتعلم من العلماء الذين يعلمون أمر الله ورسوله ، وأن تطيعهم فيما يفتون لك بشرط أن يكون من المسلمين ، أما إذا وقع المسلمون تحت سيطرةٍ كافرةٍ أجنبيةٍ ، عندئذٍ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
و الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم ..








تفسير القرآن الكريم
لفضيلة الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي

حموووده
04-03-2010, 20:17
جزاكِ الله خيرا