المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير سورة البقرة .التكذيب القولي و التكذيب العملي- الآية 221 .


عفراء
04-03-2010, 18:50
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، في سورة البقرة الآية الواحدة والعشرون بعد المئتين وهي قوله تعالى:
http://www.quran-radio.com/tafseer_nabulsi/6.files/image001.gif
أيها الإخوة الكرام ؛ هناك نوعان من التكذيب ؛ نوعٌ قولي ... ونوعٌ عملي ، والتكذيب العملي أخطر من التكذيب القولي !!!
فلو أن مريضًا زار طبيباً ، وهذا الطبيب فحصه فحصاً جيداً ، وكتب له وصفة ، و شكر المريض الطبيب ، وأثنى على علمه وصافحه وعظمه وبجله ، لكنه لم يشترِ هذا الدواء ، فهو إذاً لم يعبأ لا بعلمه ولا بتشخيص مرضه ولا بنوع دوائه .
فعدم شراء الدواء تكذيبٌ عملي لعلم هذا الطبيب ، رغم أنك أثنيت عليه وصافحته بحرارة وشكرته .
فالتكذيب العملي هو شراء الدواء ، وهذا يدل على أنك لم تعبأ بعلمه البتة .
كلكم يقرأ القرآن الكريم ، فإذا قرأتم القرآن الكريم وأنهيتم القراءة فإنكم تقولون : صدق الله العظيم .
فإذا جاء خاطب لابنتكم ، دينه قوي ، لكن دخله المادي وسط ، وجاء خاطبٌ آخر ، دينه رقيق ودخله كبير ، فإذا آثرتم الغني على المؤمن فأنتم لا تصدقون كلام الله عز وجل ، ولو قلتم صدق الله العظيم ، فالله عز وجل لا يرضى للعبد أن يتعامل معه بالشكليات ، فأنت تقول : صدق الله العظيم ، ويقول الله لك : ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم . ... فإنسان وسيم الطلعة دخلُه كبير ، عنده معمل بيته ملكه بيته أربعمئة متر مربع ، وسيارته على الباب ، لكن لا دين له ، فلا يصلي ، ويسهر يمنة ويسرة بالفنادق، وخطب ابنته رجلٌ مسلم ، يقول والدُ الفتاة : طيب هذا شيء مغرٍ ، وكان قد خطبها سابقاً رجل فقير ، لكنَّه مؤمن إيمانا قويًّا ، فأنت آثرت الغني على الفقير ، آثرت رقة الدين على قوة الدين ، فإذا قرأت قوله تعالى : ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم .
فأنت حينما اخترت الغني الفاسق على الفقير المؤمن كذَّبت هذه الآية لا تكذيبًا لفظياً قولياً ، بل كذبتها تكذيباً عملياً ، والتكذيب العملي أخطر من التكذيب القولي ، لأن الذي يكذب بلسانه يُناقَش ، فتقيم عليه الحجة ، أما الذي يكذب بعمله ، فلا تستطيع أن تناقشه، تسمع بعضهم يقول : أعوذ بالله ، ما في مثل القرآن ، وعملُه يخالف ما في القرآن كلبة، ولننتقل إلى مجال آخر ، هناك أٌناس كثيرون ، يذكرون أنهم يصدقون باليوم الآخر ، ولكن في الحقيقة لا يعملون ولو عملاً واحدًا لليوم الآخر ، لسانهم يكذب عملهم وعملهم يكذب لسانهم .
فيا أيها الإخوة الكرام ؛ القضية ، قضية الإيمان قضية مصيرية ، وربنا عز وجل يقول: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون
(سورة الأنفال : الآية : 33 )
لهذه الآية معنًى دقيق ، فما دام المسلم يطبق سنة رسول الله في حياته ، ما كان الله ليعذبه : "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم"
( سورة النساء : الآية : 147 )
معنى الآية : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم طبعاً سنتك مطبقةٌ في بيوتهم ، في أعمالهم ، في بيعهم وشرائهم ، في زواجهم وطلاقهم ، في تجارتهم ، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، فلِمَ يعذبهم وهم على المنهج الصحيح ؟ إنسان يطبق منهـج الله ، يطبق سنة رسول الله في كل نشاطاته ، لماذا العذاب ؟ والآية صريحة : "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليما "، وهناك آية أخرى تؤكد هذا المعنى: "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباءه "
( سورة المائدة : الآية 18 )
وهذا مجرَّد ادعاء فردَّ الله عز وجل عليهم قائلاً : " قل فلم يعذبكم بذنوبكم " انظُر " يعذبكم بذنوبكم " ، فقيَّد العذاب : "بل أنتم بشر ممن خلق " ، ومن هنا استنبط الإمام الشافعي أن الله لا يعذب أحبابه من هذه الآية ، فلو أن الله أقرهم على أنهم يحبونه لما عذبهم ، "قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق " .
إذاً :وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون.
المعنى الثاني دقيق ، يعني إذا كان المسلم قد زلت قدمه ، أخطأ بأنْ سبقت منه مخالفة ، وندم أشد الندم ، واستغفر أشد الاستغفار ، وأصلح وتاب إلى الله ، فإذا كان بهذا الوضع، فالله عز وجل لا يعذِّبه أيضًا .
يعني إذا أب شاهد أنّ علامة ابنه أخذ بالرياضيات صفر وامتنع الابنُ عن الأكل حزنًا ، ودخل الابنُ إلى غرفته واعتصم بها ، فلما رأى الأب ابنه بالألم والضيق الشديد فهل يلجأ الأب إلى ضرب ابنه ؟ لا .
فمتى يأتي العذاب ؟ إذا لم نطبق منهج الله ولم نعبأْ بهذه المعصية ، وإن طبقنا المنهج فلا نعذب ، إن أخطأنا وندمنا فلا نعذب ، لكن نتباهى ، ولا نطبق ما فيه ، ولا نعبأْ بهذه المعصية ، فعندئذٍ يأتي التأديب .
أخوانا الكرام ؛ بالعالم الإسلامي كله ، ليس مقبولاً أبداً من إنساٍن ينكر الآخرة ، لكن الذي تراه بعينك ، أن أحًاد لا يعمل للآخرة ، بل نعمل للدنيا ، فهذا التكذيب العملي أبلغ ألف مرة من التكذيب اللساني .
مره ثانيه ؛ "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم " .
هذا كلام خالق الكون ، يعني امرأة صالحة مؤمنة ، تحفظ لك نسلك ، وتعلم أولادك القرآن ، وتعلم أولادك سنة النبي العدنان ، وترعاك في غيبتك ، فإذا نظرت إليها سرتك، إذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها ، وإذا أمرتها أطاعتك ، والله شيءٌ جميل ، فهذه هي المؤمنة .
أما المشركة فهي عبءٌ عليك ، ولو أنها أعجبتك بادئ الأمر ، لكنها عبءٌ عليك ، فلا تعبأ بك ، ولا تأتمر بأمرك ، ولا تستقيم على أمر الله عز وجل ، ولا تربي لك أولادك كما تريد ، دائماً أنت في شك منها ، وخالق الكون يقول لك:" ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم " ، وقال تعالى : "ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم " ولم يبقَ عبيدٌ في عصرنا ، لكن هناك إنسان فقير مؤمن ، وإنسان غني لا دين فيه ، فكل الأسر الإسلامية يجب أن تراعي مدلولات هذه الآية ، فإنْ لم تفعل ، فالمسلم يكذب إذًا كلام الله ، وهو لا يشعر ، والله يعامل الإنسان لا على كلامه فقط ، بل يعامله على فعله كذلك ، ولعل العقاب على الفعل أشد و أنكأ .
"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" .
فأنت اقرأ القرآن ، وما فيه من الأمر والنهي ، ثم إذا قلت صدق الله العظيم ، وقبلت المصحف ست مرات ، من كل وجه مرة ، ولم تطبق ما فيه ، فهذا لا يقدم ولا يؤخر ، ولا ينفعك عند الله أبداً ، فالذي يقدم ويؤخر العمل ، فحينما تصدق كلام الله ، مِن أن المؤمن أفضل من المشرك ، ولو أعجبك المشرك بوسامته وطلعته وماله وبيته ومنطقة بيته ومركبته ، فيجب أن تؤثر المؤمن ، وإنْ كان دون مواصفات المشرك ، لأن المؤمن إن أحبها أكرمها ، وإن لم يحبها لم يظلمها ، بل يحافظ على دينها ، ويأخذ بيدها إلى الله ورسوله ، والدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة .
فيا أيها الإخوة الكرام ؛ حذارِ من التكذيب العملي ، أن تصدق بلسانك ويأتي فعلك ليكذب ما نطق به لسانك ، وربنا عز وجل كما يعاملنا على ما نتفوّه به فهو كذلك يعاملنا على أفعالنا ، والذي يمنعنا من عذاب الله أن نكون عند أمره ونهيه ، أو إذا أخطأَ أن نندم أشد الندم ، ولا تنسوا هذه الآية : "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " ، طبعاً أي سنتك موجودة في حياتهم ، فإذا طبقتم سنة رسول الله ، والآية واضحة ، فأنتم في بحبوحة العيش ، وإن أخطأنا وندمنا واستغفرنا وتألمنا ، فنحن في فسحة ، ويمنحنا الله عز وجل فسحة كي نتوب ، أما إذا أخطأنا ولم نتب ، أخطأنا ولم نندم ، أخطأنا ولم نكترث ، عندئذ يأتي عذاب الله عز وجل قال تعالى : فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًّا "
( سورة مريم : الآية : 59 )
وقد لقي المسلمون ذلك الغي وهو تحت سمعكم وبصركم .
فإذا أردنا من الله عز وجل أن يحفظنا وأن ينصرنا وأن يرحمنا وأن يعزنا وأن يطمئننا وأن يستخلفنا فعلينا بطاعته ، وعلينا بتصديق كتابه ، القرآن يقول : "فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله "
( سورة البقرة : الآية : 279 )
فإنْ لم يعبأ الإنسان بهذه الآية ، فهو يكذبه ، فحذارِ حذارِ .
أيها الإخوة الكرام ؛ تعاملوا مع القرآن بصدق وبإخلاص ، اقرؤوا الآيات بتدبر ، فهي كلام خالق الكون ، وإذا كان عندك شك بكلام الله فاسأل أهل العلم ، ولا يمكن أن يتبادر إلى ذهن إنسان ذرة من شك في أنه ليس كلام الله ، لما فيه مِن إعجاز ، فالله خالق الكون ، وهذه تعليمات الصانع ، فكما أنك حريص على آلة حاسبة فتسأل الشركة الصانعة ، وكذلك مركبتك تأخذها إلى الوكالة الخاصة لصيانتها ، لحرصك عليها ، فإذا كنت حريصًا على سيارتك هذا الحرص فلتك أشدَّ حرصًا على نفسك ، على مستقبلك ، على مصيرك بعد الموت ، فهذه الآية جديرة بتدبرها ، والعمل بمضمونها ، وموضوعها التكذيب العملي ... والتكذيب القولي ...
وليس في العالم الإسلامي من يكذب هذا القرآن ، هذا أمر غير مقبول إطلاقاً ، لكن كثيرًا من الناس وقعوا في التكذيب العملي .
والحمد لله رب العالمين




تفسير القرآن الكريم
لفضيلة الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي

حموووده
04-03-2010, 20:29
جزاكِ الله خيرا