م.محمود الحجاج
08-11-2009, 14:40
http://www.ammonnews.net/ammoneNewsImage/2009117big48452.jpeg
خلال حياته السياسية الطويلة، التي أمضاها بين المعارضة وتقلد المناصب الحكومية، لم يتنازل فرحان الشبيلات مرةً واحدةً, وأمضى عمره كله على حد السيف , كان سفيراً في الهند، ثم رئيساً للديوان الملكي، وعضو مجلس الوصاية على العرش 1952 – 1953، ووزيراً للدفاع في حكومة هزاع المجالي عام 1955، وأمين عمان وسفيراً في تونس, ومعارضاً لكل ما يتنافى مع مبادئه, دون أن يحسب حساباً للمزايا التي كانت تضيع, ويبقى شرف الولاء للموقف والمبدأ ثابتاً عند فرحان الشبيلات, الذي سعى جاهداً لإنجازالوحدة الهاشمية بين الاردن والعراق.
ولد فرحان شبيلات في الطفيلة، عام 1911م، وبعد عام من هية الكرك التي امتدت إلى منطقته، ونشأ شأنه شأن أقرانه في بيئة فقيرة، كانت الطفيلة بلدة كبيرة، تشكل بؤرة لما حولها من قرى متناثرة، ولم يكن التعليم منتشراً ولم يكن أمام الراغبين غير الالتحاق بالكتاب الذي يشرف عليه شيخ المسجد، لتعلم مبادئ الدين والقراءة والكتابة، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، وهذا ما فعله فرحان قبل أن يلتحق بالمدرسة ليتلقى تعليمه الابتدائي الابتدائية فيها.
عند أسوار الحواكير المحيطة بالبيوت تعلم فرحان كيف يواجه مصاعب الحياة، وكيف يعتمد على نفسه, كان والده معلمه الاول, ذلك الفلاح الذي يتعامل مع الأطفال، باعتبارهم مشاريع رجال أو رجالا صغارا، وكان من المبرزين في التحصيل الدراسي، وكان مجداً في دراسته ومن الأوائل في صفه، أنهى المرحلة الابتدائية، وكانت رغبتة في مزيد من العلم تلح عليه، وكانت السلط بثانويتها الوحيد في الاردن مبتغاه وغايته, حتى لو ترك بيته وأهله، ورحل إلى السلط، ليلتحق بثانويتها كغيره من أبناء البلاد الذين توافدوا على هذه المدرسة، مستهدفين الحصول على شهادتها, وكان فرحان واحداً من قلائل حازوا هذه الفرصة، التي أهلته للانتقال إلى الحياة العملية بكل تعقيداتها .
كحد السيف بدأ فرحان حياته الوظيفية موزعا بين المعارضة والعديد من المواقع التي وجد نفسه فيها، لم يغالي في معارضته، فيركب المراكب الخشنة ولم ينغمس في المناصب, إلى حد يناى به عن توجهاته الوطنية والقومية، لم تكن آراؤه الخاصة تؤثر على قيامه بواجبه نحو وطنه وقيادته، وعندما اغتيل الملك الشهيد عبد الله الأول عند عتبات المسجد الأقصى، وقع الاختيار عليه ليكون عضوا في مجلس الوصاية على العرش، الذي شكل عقب المناداة بالحسين بن طلال ملكا عام 1952م وهو دون الثامنة عشرة سنة، وقد استمر عمل هذا المجلس حتى جلوس الملك على عرشه عام 1953م.
كان العم فرحان محط احترام الجميع، لصدقيته وتفانيه وكان من حظ عمان أن يكون أمين العاصمة بين عامي 1953-1955م، في فترة بناء عاصمة عصرية تستند إلى عمق تاريخي كبير، ودخل الحكومة وزيراً لأول مرة في حكومة هزاع المجالي، عام 1955م، وتسلم فيها حقيبة الدفاع، ثم عين سفيراً للأردن في تونس، وكان دبلوماسياً من طراز رفيع يتميز بحضور لافت، وقدرة فائقة على جذب انتباه الجميع، وكان محبوباً يحظى بالتقدير من كل عارفيه.
تميزت العلاقة بين الشبيلات ورئيس الوزراء توفيق أبو الهدى بالفتور دائماً والتوتر أحيانا, فقد كان فرحان يرى أن أبو الهدى يبدو ضعيفاً أمام السفير البريطاني الذي كان يتدخل في الشؤون الداخلية, ولم يكن أبو الهدى يجهل قدر فرحان وقدرته, ولم يكن راغبا أن يخسره, فعرض عليه منصباً وزارياً في إحدى حكوماته، ولكن الشبيلات رفض العرض فأغضب أبو الهدى، الذي اصدر أمرا بنفيه إلى الطفيلة لعدة أشهر، ثم جاءت حكومة أخرى فألغت قرار النفي وعينته أميناً للعاصمة. ولما عاد أبو الهدى على رأس الحكومة من جديد أصدر قراراً بفصل الشبيلات من أمانة العاصمة، فأقام دعوى ضده أمام محكمة العدل وكانت برئاسة القاضي الكبير علي مسمار, فحكمت المحكمة بفسخ قرار أبو الهدى، الذي عاد ليصدر أمراً بفصله من جديد، وعادت محكمة العدل لتفسخ القرار مرة أخرى، وتثبت الشبيلات في موقعه قبل أن ينتقل وزيراً في حكومة الرئيس سعيد المفتي.
إذا كنا نعتقد أن للجغرافيا أثراً في شخصية الانسان الذي يعيش في منطقة معينة, فان ذلك ينطبق تماماً على فرحان الشبيلات والطفيله بجبالها وموقعها في مكان قصي وعر جنوب البلاد, وهي تحتمي بالشواهق حولها التي تتحول فجأة إلى منحدرات وجروف خطرة، إلا أنها منطقة معطاء, لزيتونها مذاقه الخاص, ولفاكهتها طعم يمتزج بمعاني الأنفة والكبرياء, تطل غرباً على شقيقاتها من مدن ساحل فلسطين، وتتطلعمد ببصرها شرقا لتراقب طريق الحج وطوابير العسكر العثماني، ولتظل شاهدة على ما يعبر منطقتنا من أحداث جسام غيرت معالم العالم على مختلف العصور، وهي بهذا شاهد تاريخي لو كان للجغرافيا أن تنطق التاريخ. ففرحان الذي أخذ من جغرافيا الطفيلة توسطها بين الشرق والعرب, رغم موقعها الجنوبي, عروبي يؤمن أن خلاص الأمة في وحدتها وهو لهذا كان من أشد مؤيدي الوحدة الهاشمية بين الاردن والعراق. لكنه كان وطنياً أردنياً يؤمن بهذا الحمى الهاشمي وينتمي لكل ذرة تراب بين الرمثا شمالا والعقبة في أقصى الجنوب.
عرفته شخصيا في منتصف سبعينيات القرن الماضي, خلال إقامته في تونس التي استوطنها لاجئاً سياسياً بعد أحداث ايلول عام 1970 والتي كان له فيها رأي مخالف لرأي الحكومة, وكشكل من اشكال الاحتجاج على الأجواء التي سادت المنطقة والبلاد حينها، كنا نلتقي في شارع الحبيب بورقيبه وسط العاصمة التونسية مساءً, ونظل نقطع الشارع المظلل باشجار غاية في الضخامة لساعات, وهو ينتعل صندلاً جلدياً, ويغير موقعي كل ما وصلنا آخر الشارع, وهممنا بالاستدارة لضعف في سمع إحدى أذنيه , كنت أحاول التعلم من مدرسة في الانتماء الوطني الذي لايهادن, وكنت أحاول حثه على الشروع في كتابة مذكراته, لكنه ظل يرفض, وبعد إلحاح طويل ولعدة مرات, توقف مرة عن المشي ونظر في عيني بشكل مباشر وهو يقول :
في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء
وظل يصر على دعوتي إلى منزله في ضاحية قرطاج كلما توفرت الفرصة لكلينا باعتباري – من ريحة البلاد -.
وقد أصيب يرحمه الله بالسرطان وجابههه بما هو معروف عنه من صبر، وقبل وفاته بثلاثة أيام نقل إلى عمان حيث توفي عام 1979م، وعاد السيف إلى غمده مضمخاً بذكريات النضال, ودفن في العاصمة التي كان أمينها, بعد عمر أفناه في العمل الوطني الواعي والملتزم والخدمة العامة، وكان مثال الوطني الواعي الحريص على الاردن حرصه على كل قطر عربي مهما ابتعد .
حازم مبيضين (http://www.ammonnews.net/Writer.aspx?writerID=124)
خلال حياته السياسية الطويلة، التي أمضاها بين المعارضة وتقلد المناصب الحكومية، لم يتنازل فرحان الشبيلات مرةً واحدةً, وأمضى عمره كله على حد السيف , كان سفيراً في الهند، ثم رئيساً للديوان الملكي، وعضو مجلس الوصاية على العرش 1952 – 1953، ووزيراً للدفاع في حكومة هزاع المجالي عام 1955، وأمين عمان وسفيراً في تونس, ومعارضاً لكل ما يتنافى مع مبادئه, دون أن يحسب حساباً للمزايا التي كانت تضيع, ويبقى شرف الولاء للموقف والمبدأ ثابتاً عند فرحان الشبيلات, الذي سعى جاهداً لإنجازالوحدة الهاشمية بين الاردن والعراق.
ولد فرحان شبيلات في الطفيلة، عام 1911م، وبعد عام من هية الكرك التي امتدت إلى منطقته، ونشأ شأنه شأن أقرانه في بيئة فقيرة، كانت الطفيلة بلدة كبيرة، تشكل بؤرة لما حولها من قرى متناثرة، ولم يكن التعليم منتشراً ولم يكن أمام الراغبين غير الالتحاق بالكتاب الذي يشرف عليه شيخ المسجد، لتعلم مبادئ الدين والقراءة والكتابة، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، وهذا ما فعله فرحان قبل أن يلتحق بالمدرسة ليتلقى تعليمه الابتدائي الابتدائية فيها.
عند أسوار الحواكير المحيطة بالبيوت تعلم فرحان كيف يواجه مصاعب الحياة، وكيف يعتمد على نفسه, كان والده معلمه الاول, ذلك الفلاح الذي يتعامل مع الأطفال، باعتبارهم مشاريع رجال أو رجالا صغارا، وكان من المبرزين في التحصيل الدراسي، وكان مجداً في دراسته ومن الأوائل في صفه، أنهى المرحلة الابتدائية، وكانت رغبتة في مزيد من العلم تلح عليه، وكانت السلط بثانويتها الوحيد في الاردن مبتغاه وغايته, حتى لو ترك بيته وأهله، ورحل إلى السلط، ليلتحق بثانويتها كغيره من أبناء البلاد الذين توافدوا على هذه المدرسة، مستهدفين الحصول على شهادتها, وكان فرحان واحداً من قلائل حازوا هذه الفرصة، التي أهلته للانتقال إلى الحياة العملية بكل تعقيداتها .
كحد السيف بدأ فرحان حياته الوظيفية موزعا بين المعارضة والعديد من المواقع التي وجد نفسه فيها، لم يغالي في معارضته، فيركب المراكب الخشنة ولم ينغمس في المناصب, إلى حد يناى به عن توجهاته الوطنية والقومية، لم تكن آراؤه الخاصة تؤثر على قيامه بواجبه نحو وطنه وقيادته، وعندما اغتيل الملك الشهيد عبد الله الأول عند عتبات المسجد الأقصى، وقع الاختيار عليه ليكون عضوا في مجلس الوصاية على العرش، الذي شكل عقب المناداة بالحسين بن طلال ملكا عام 1952م وهو دون الثامنة عشرة سنة، وقد استمر عمل هذا المجلس حتى جلوس الملك على عرشه عام 1953م.
كان العم فرحان محط احترام الجميع، لصدقيته وتفانيه وكان من حظ عمان أن يكون أمين العاصمة بين عامي 1953-1955م، في فترة بناء عاصمة عصرية تستند إلى عمق تاريخي كبير، ودخل الحكومة وزيراً لأول مرة في حكومة هزاع المجالي، عام 1955م، وتسلم فيها حقيبة الدفاع، ثم عين سفيراً للأردن في تونس، وكان دبلوماسياً من طراز رفيع يتميز بحضور لافت، وقدرة فائقة على جذب انتباه الجميع، وكان محبوباً يحظى بالتقدير من كل عارفيه.
تميزت العلاقة بين الشبيلات ورئيس الوزراء توفيق أبو الهدى بالفتور دائماً والتوتر أحيانا, فقد كان فرحان يرى أن أبو الهدى يبدو ضعيفاً أمام السفير البريطاني الذي كان يتدخل في الشؤون الداخلية, ولم يكن أبو الهدى يجهل قدر فرحان وقدرته, ولم يكن راغبا أن يخسره, فعرض عليه منصباً وزارياً في إحدى حكوماته، ولكن الشبيلات رفض العرض فأغضب أبو الهدى، الذي اصدر أمرا بنفيه إلى الطفيلة لعدة أشهر، ثم جاءت حكومة أخرى فألغت قرار النفي وعينته أميناً للعاصمة. ولما عاد أبو الهدى على رأس الحكومة من جديد أصدر قراراً بفصل الشبيلات من أمانة العاصمة، فأقام دعوى ضده أمام محكمة العدل وكانت برئاسة القاضي الكبير علي مسمار, فحكمت المحكمة بفسخ قرار أبو الهدى، الذي عاد ليصدر أمراً بفصله من جديد، وعادت محكمة العدل لتفسخ القرار مرة أخرى، وتثبت الشبيلات في موقعه قبل أن ينتقل وزيراً في حكومة الرئيس سعيد المفتي.
إذا كنا نعتقد أن للجغرافيا أثراً في شخصية الانسان الذي يعيش في منطقة معينة, فان ذلك ينطبق تماماً على فرحان الشبيلات والطفيله بجبالها وموقعها في مكان قصي وعر جنوب البلاد, وهي تحتمي بالشواهق حولها التي تتحول فجأة إلى منحدرات وجروف خطرة، إلا أنها منطقة معطاء, لزيتونها مذاقه الخاص, ولفاكهتها طعم يمتزج بمعاني الأنفة والكبرياء, تطل غرباً على شقيقاتها من مدن ساحل فلسطين، وتتطلعمد ببصرها شرقا لتراقب طريق الحج وطوابير العسكر العثماني، ولتظل شاهدة على ما يعبر منطقتنا من أحداث جسام غيرت معالم العالم على مختلف العصور، وهي بهذا شاهد تاريخي لو كان للجغرافيا أن تنطق التاريخ. ففرحان الذي أخذ من جغرافيا الطفيلة توسطها بين الشرق والعرب, رغم موقعها الجنوبي, عروبي يؤمن أن خلاص الأمة في وحدتها وهو لهذا كان من أشد مؤيدي الوحدة الهاشمية بين الاردن والعراق. لكنه كان وطنياً أردنياً يؤمن بهذا الحمى الهاشمي وينتمي لكل ذرة تراب بين الرمثا شمالا والعقبة في أقصى الجنوب.
عرفته شخصيا في منتصف سبعينيات القرن الماضي, خلال إقامته في تونس التي استوطنها لاجئاً سياسياً بعد أحداث ايلول عام 1970 والتي كان له فيها رأي مخالف لرأي الحكومة, وكشكل من اشكال الاحتجاج على الأجواء التي سادت المنطقة والبلاد حينها، كنا نلتقي في شارع الحبيب بورقيبه وسط العاصمة التونسية مساءً, ونظل نقطع الشارع المظلل باشجار غاية في الضخامة لساعات, وهو ينتعل صندلاً جلدياً, ويغير موقعي كل ما وصلنا آخر الشارع, وهممنا بالاستدارة لضعف في سمع إحدى أذنيه , كنت أحاول التعلم من مدرسة في الانتماء الوطني الذي لايهادن, وكنت أحاول حثه على الشروع في كتابة مذكراته, لكنه ظل يرفض, وبعد إلحاح طويل ولعدة مرات, توقف مرة عن المشي ونظر في عيني بشكل مباشر وهو يقول :
في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء
وظل يصر على دعوتي إلى منزله في ضاحية قرطاج كلما توفرت الفرصة لكلينا باعتباري – من ريحة البلاد -.
وقد أصيب يرحمه الله بالسرطان وجابههه بما هو معروف عنه من صبر، وقبل وفاته بثلاثة أيام نقل إلى عمان حيث توفي عام 1979م، وعاد السيف إلى غمده مضمخاً بذكريات النضال, ودفن في العاصمة التي كان أمينها, بعد عمر أفناه في العمل الوطني الواعي والملتزم والخدمة العامة، وكان مثال الوطني الواعي الحريص على الاردن حرصه على كل قطر عربي مهما ابتعد .
حازم مبيضين (http://www.ammonnews.net/Writer.aspx?writerID=124)