ريما الحندءة
16-08-2009, 10:33
كان لقائي به العام الماضي .. زارني كما يزور غيري ،من الناس ، وعاش معي في نفس البيت كما هي عادته أن يعيش مع كل إنسان في نفس بيته ! ولقيته تلك الأيام في كل مساحة من الأرض يملؤها حباً وجمالاً كما يملؤها زهاءً وتألقاً !
أعجب شيء فيه أنه يكتب الفرحة على كل وجه ، ويأخذ القلب من الأرض ليعانق به السماء ، ويجمع شمل الفُرقاء من أزمان ليجمعهم في بساط حبه في أيام ..
كان ضيفي كما هو ضيف كل إنسان ، وكان روحي كما هو روح كل إنسان ، وكان أيامي وحياتي وقلبي وآمالي كما هو مع كل إنسان !
ثم افترقنا ...!!
وفي ليلة الفراق بكيت بكاء الثكالى ، بكيت أن كان الوداع على غفلة ، والرحلة دون استئذان .. وتمنيت تلك اللحظة أن يأخذ مني كل شيء ويعود .. لكنها الأيام .. !
وذهبت بي الدنيا في لهوها ، ونسيته ، وضاع دمع الحب في أحداث الحياة ، ولم يكن له في قلبي حنيناً كما هي تلك الأيام لحظة فراق كل حبيب ..
وفجأة ، وفي يوم من الأيام نمت من الضحى فاستيقظت على طارق يطرق الباب برفق ، يحدثني من وراء الباب أنا ضيفك الراحل عدت ..!
استذكرت أيامي ، وجمعت أفكاري ، واستعدت ذاكرتي فلم أكن على ميعاد ضيف منتظر ، ولا محبوب مؤمل ، فعدت إلى فراشي فإذا هو يطرق مرة أخرى .. فتحت الباب فإذا بالمفاجأة الكبرى في حياتي .. صديقي الراحل من عمري .. صديقي الذي بكيت في فراقه من عام .. حبيبي الذي ما استجمع قلبي فرحاً لمثله ، ولا دمعت عيني للقاء حبيب كدمعها في فراقه ولقائه .. صديقي الغائب ماثل أمامي بعد فرقة عام ، ماثل أمامي و في يده سراج يضيء به ليله ، ويحمل في قلبه روحاً تملأ لياليه فرحاً وحبوراً .. رأيته هو بذاته فتعانقنا عناق المحبين .. بكيت ولي زمن من البكاء .. بكيت وأنا أشعر أنا قلبي يكاد يطير من السرور ، وروحي تكاد تفارق جسدي من الأفراح ..
وطال عناقنا كثيراً ... ثم سآلته : ما هذا السراج في يدك ولا تحتاج إلى ضوء ؟! فحدثني حديث المحبين قائلاً :
هذه ذكرياتي .. ! هذه أيامي حين لم تكن بعد ! أو أيام كنت صغيراً .. لم تكن صحبتي لك فحسب ، بل كنت أعرف والديك وأجدادك وكنت آتيهم بمثل ما أتيتك به الآن .. جئت هذا العام أذكرك أهلك الراحلين من الأرض ، أهلك الذين أضاؤوا بهذا السراج بعض ليلي ! وأهلك الذين عاشوا بهذا السراج ردحاً من الزمن في غابر الأيام !
إن كنت لا تدري فأنا ذكريات عريضة في زمن الدنيا .. أنا لا أغيب .. هذا موعدي بك وهو موعدي بكل صديق ..
لو تعلم من كان في الأرض قبلك ؟! ومن سهر معي قبلك ؟! ومن عاش ليلي قبلك؟! ومن ذاق بعض أيامي قبلك ؟! رحلوا ياصاحبي كلهم من الأرض ولقائي بهم هناك في عرصات القيامة ..
توقف عن الحديث فبكيت ثانية وثالثة ورابعة ... واهتز مني كل شيء .. وتذكرت ليالي عشت بعض دقائقها مع كبارنا ، وكأن ضيفي يقص لي حديثهم وضحكهم وفرحهم من جديد ! كنت أزورهم لأسمع ذكرياتهم تلك الليالي .. وأزورهم لأجد بعض حياتهم في عنائهم وجهدهم .. فمن أزور الأيام وقد رحلوا ؟ ومن أزور اليوم وقد ذهبوا ؟ هاهي بيوتهم كما كانت ! وآثارهم لازالت .. فمن لي بمن أحب في ليل صديقي ؟!
ذكرني صاحبي حديث قوم ، وذكريات آخرين ، وأعادني إلى الوراء لحظة الإفطار مع من أحب ، ولحظة اجتماع السحور مع من أحب ، ولحظات تلك الليالي التي كنا نجتمع فيها مع الراحلين بالأمس ... فيا لله ما أعظم الفرقة ! وما أشق الذكريات على أصحابها !
بكيت أن عاد صاحبي هذه الوهلة وأنا حي وغير رحل ، عاد وأنا صحيح وغيري معتل ، عاد وأنا في أجمع شمل وغيري في أرض غربة عن أهله ، أو في غياهب السجون عن أصحابه ! عاد وأنا ألبس ثوب الهداية نعمة الله تعالى وغيري يحترق قلبه ألماً ، ويعيش أقسى لحظات عمره بعيداً عن الهداية ! فكيف لي بشكر هذه النعمة ؟! لله ياصاحبي ما أروعك ! ما أجملك في حياة من تلقاه وهو بهذه النعمة على ظهر الأرض .
عدت لأعانق صاحبي شكراً لله تعالى على لقائه ! وعرفاناً لله تعالى بجميل صنيعه ! وغبطة أن جمعني بصاحبي ولم يحرمنِ لقاءه ...!
وما إن أقبلت على صاحبي إلا وجموع غفيرة تعانق صاحبي ، المكان مزدحم ، والرؤية تكاد تنحجب ، وذهب صاحبي في اجتماع القوم .. كل الناس يعلوهم البشر ، وكل الناس يضحكون فرحاً .. وكل الناس يشعرون بهذه النعمة .. !
تُرى هل هذا هو صاحبي أم أنني واهم .. أقبلت إليه .. فرقت جموع الناس حوله .. أدرت عيني في ملامح صاحبي فإذا به الحقيقية التي لم أرها في بداية اللقاء .. حبيبي أمنية كل إنسان ، وصاحب كل إنسان ، وحبيب كل إنسان .. صاحبي رمضان فمن لا يحب صاحب كرمضان .. ؟!
وهذه اللحظة التي اكتشفت فيها هذه الحقيقية هي ذاتها اللحظة التي اكتشف فيها كل الناس الحقيقة ذاتها .. إن رمضان أكبر من أن يبين عن لحظته قلم ! وأعظم من أن يفسح لأفراحه بيان ! إنه الفرصة التي إذا لقيها إنسان في حياته وهو حي صحيح البدن فقد لقي كل شيء في حياته .. وما غبط إنسان مثل ما غبط من شهد ليلة هلال رمضان . ! فيارب أنت المؤمل أن تحي قلوبنا لشهود الشهر ، وأنت المؤمل أن تسقينا أفراحه ألذ ما تكون ، وأنت المؤمل أن تعيننا على إحياء دقائقه بأكبر ما نريد . ولا حول ولا قوة إلا بك ، وأنت المستعان ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك . والحمد لله رب العالمين .
أعجب شيء فيه أنه يكتب الفرحة على كل وجه ، ويأخذ القلب من الأرض ليعانق به السماء ، ويجمع شمل الفُرقاء من أزمان ليجمعهم في بساط حبه في أيام ..
كان ضيفي كما هو ضيف كل إنسان ، وكان روحي كما هو روح كل إنسان ، وكان أيامي وحياتي وقلبي وآمالي كما هو مع كل إنسان !
ثم افترقنا ...!!
وفي ليلة الفراق بكيت بكاء الثكالى ، بكيت أن كان الوداع على غفلة ، والرحلة دون استئذان .. وتمنيت تلك اللحظة أن يأخذ مني كل شيء ويعود .. لكنها الأيام .. !
وذهبت بي الدنيا في لهوها ، ونسيته ، وضاع دمع الحب في أحداث الحياة ، ولم يكن له في قلبي حنيناً كما هي تلك الأيام لحظة فراق كل حبيب ..
وفجأة ، وفي يوم من الأيام نمت من الضحى فاستيقظت على طارق يطرق الباب برفق ، يحدثني من وراء الباب أنا ضيفك الراحل عدت ..!
استذكرت أيامي ، وجمعت أفكاري ، واستعدت ذاكرتي فلم أكن على ميعاد ضيف منتظر ، ولا محبوب مؤمل ، فعدت إلى فراشي فإذا هو يطرق مرة أخرى .. فتحت الباب فإذا بالمفاجأة الكبرى في حياتي .. صديقي الراحل من عمري .. صديقي الذي بكيت في فراقه من عام .. حبيبي الذي ما استجمع قلبي فرحاً لمثله ، ولا دمعت عيني للقاء حبيب كدمعها في فراقه ولقائه .. صديقي الغائب ماثل أمامي بعد فرقة عام ، ماثل أمامي و في يده سراج يضيء به ليله ، ويحمل في قلبه روحاً تملأ لياليه فرحاً وحبوراً .. رأيته هو بذاته فتعانقنا عناق المحبين .. بكيت ولي زمن من البكاء .. بكيت وأنا أشعر أنا قلبي يكاد يطير من السرور ، وروحي تكاد تفارق جسدي من الأفراح ..
وطال عناقنا كثيراً ... ثم سآلته : ما هذا السراج في يدك ولا تحتاج إلى ضوء ؟! فحدثني حديث المحبين قائلاً :
هذه ذكرياتي .. ! هذه أيامي حين لم تكن بعد ! أو أيام كنت صغيراً .. لم تكن صحبتي لك فحسب ، بل كنت أعرف والديك وأجدادك وكنت آتيهم بمثل ما أتيتك به الآن .. جئت هذا العام أذكرك أهلك الراحلين من الأرض ، أهلك الذين أضاؤوا بهذا السراج بعض ليلي ! وأهلك الذين عاشوا بهذا السراج ردحاً من الزمن في غابر الأيام !
إن كنت لا تدري فأنا ذكريات عريضة في زمن الدنيا .. أنا لا أغيب .. هذا موعدي بك وهو موعدي بكل صديق ..
لو تعلم من كان في الأرض قبلك ؟! ومن سهر معي قبلك ؟! ومن عاش ليلي قبلك؟! ومن ذاق بعض أيامي قبلك ؟! رحلوا ياصاحبي كلهم من الأرض ولقائي بهم هناك في عرصات القيامة ..
توقف عن الحديث فبكيت ثانية وثالثة ورابعة ... واهتز مني كل شيء .. وتذكرت ليالي عشت بعض دقائقها مع كبارنا ، وكأن ضيفي يقص لي حديثهم وضحكهم وفرحهم من جديد ! كنت أزورهم لأسمع ذكرياتهم تلك الليالي .. وأزورهم لأجد بعض حياتهم في عنائهم وجهدهم .. فمن أزور الأيام وقد رحلوا ؟ ومن أزور اليوم وقد ذهبوا ؟ هاهي بيوتهم كما كانت ! وآثارهم لازالت .. فمن لي بمن أحب في ليل صديقي ؟!
ذكرني صاحبي حديث قوم ، وذكريات آخرين ، وأعادني إلى الوراء لحظة الإفطار مع من أحب ، ولحظة اجتماع السحور مع من أحب ، ولحظات تلك الليالي التي كنا نجتمع فيها مع الراحلين بالأمس ... فيا لله ما أعظم الفرقة ! وما أشق الذكريات على أصحابها !
بكيت أن عاد صاحبي هذه الوهلة وأنا حي وغير رحل ، عاد وأنا صحيح وغيري معتل ، عاد وأنا في أجمع شمل وغيري في أرض غربة عن أهله ، أو في غياهب السجون عن أصحابه ! عاد وأنا ألبس ثوب الهداية نعمة الله تعالى وغيري يحترق قلبه ألماً ، ويعيش أقسى لحظات عمره بعيداً عن الهداية ! فكيف لي بشكر هذه النعمة ؟! لله ياصاحبي ما أروعك ! ما أجملك في حياة من تلقاه وهو بهذه النعمة على ظهر الأرض .
عدت لأعانق صاحبي شكراً لله تعالى على لقائه ! وعرفاناً لله تعالى بجميل صنيعه ! وغبطة أن جمعني بصاحبي ولم يحرمنِ لقاءه ...!
وما إن أقبلت على صاحبي إلا وجموع غفيرة تعانق صاحبي ، المكان مزدحم ، والرؤية تكاد تنحجب ، وذهب صاحبي في اجتماع القوم .. كل الناس يعلوهم البشر ، وكل الناس يضحكون فرحاً .. وكل الناس يشعرون بهذه النعمة .. !
تُرى هل هذا هو صاحبي أم أنني واهم .. أقبلت إليه .. فرقت جموع الناس حوله .. أدرت عيني في ملامح صاحبي فإذا به الحقيقية التي لم أرها في بداية اللقاء .. حبيبي أمنية كل إنسان ، وصاحب كل إنسان ، وحبيب كل إنسان .. صاحبي رمضان فمن لا يحب صاحب كرمضان .. ؟!
وهذه اللحظة التي اكتشفت فيها هذه الحقيقية هي ذاتها اللحظة التي اكتشف فيها كل الناس الحقيقة ذاتها .. إن رمضان أكبر من أن يبين عن لحظته قلم ! وأعظم من أن يفسح لأفراحه بيان ! إنه الفرصة التي إذا لقيها إنسان في حياته وهو حي صحيح البدن فقد لقي كل شيء في حياته .. وما غبط إنسان مثل ما غبط من شهد ليلة هلال رمضان . ! فيارب أنت المؤمل أن تحي قلوبنا لشهود الشهر ، وأنت المؤمل أن تسقينا أفراحه ألذ ما تكون ، وأنت المؤمل أن تعيننا على إحياء دقائقه بأكبر ما نريد . ولا حول ولا قوة إلا بك ، وأنت المستعان ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك . والحمد لله رب العالمين .