م.محمود الحجاج
04-08-2009, 07:07
بمناسبة مرور 110 اعوام على ميلاده
عرار.. شاعر سبق عصره بوعيه المبكر
من يقرأ شعره يرى الاردن بعيني شاعر حقيقي
http://www.alarabalyawm.net/uploads/200908/11111111111_new3.jpg
طموح بحجم الامة وعبقرية حيل دون انطلاقتها لتأدية رسالتها
عاش بمزاج الشاعر وانحاز الى الحب والحرية والوطن والامة قبل (110 اعوام) ولد بالتحديد في 25 ايار من العام 1899 وقبل 60 عاما رحل في ليلة 25 ايار 1949 لقد اتسعت حياة الشاعر عرار (مصطفى وهبي التل) لخمسين عاما فحسب, عاشها شاعرا فنانا عظيما كان طموحه بحجم الامة فتمرد على المألوف ورفض القيود والضوابط الاجتماعية التي تحد من حريته الابداعية فاطلق العنان لمخيلته داخل اطار الوعي المبكر, لانه كان شاعرا رائيا يقف على ذروة الوعي السابق لعصره.
وفي ذكرى مرور 110 اعوام على ميلاده نستطيع القول الان ان الشاعر عرار ظل شاعر الاردن الاول بلا منازع, ولا يزال يتربع فوق القمة الابداعية المعجونة بهموم الاردنيين وآمالهم وتطلعاتهم..وعندما تقرأ شعره ترى الحياة الاردنية بعين شاعر حقيقي.
ورغم هذه المساحة الزمنية التي تفصلنا عن اطلالته على الحياة او موعد رحيله فما زال الغموض يلف جوانب عديدة من حياته بفصولها المثيرة في مراحل التكوين الوطني والقومي, كما لا يزال الكثير مما كتبه او قاله او نظمه طي النسيان في ذمة التاريخ.
فهو مثل كثير من الشعراء الذين لم يفهم الناس شعرهم او يولوه الاهتمام اللائق الا بعد رحيلهم.
عرار ابو وصفي لم يكن شاعرا تقليديا ولا انسانا عاديا مارس حياته برتابة ولم يلتزم لروتين الوظيفة ولم يستسلم لمتطلبات الحياة اليومية واحتياجاتها, فقد كان متمردا متفردا متصالحا مع ذاته, اختبر تجربة حياتية ابداعية متميزة غير مسبوقة رغم قصرها وصعوبتها وهمومها وتحدياتها على الصعيدين الخاص والعام.
عاش شاعر الاردن حياته كومضة برق سبقت رعودها, فشكل حالة تقترب من حالات ابداعية عالمية مماثلة فيها الكثير من المعاناة وقد صدق القول الدكتور صبحي ابو غنيمة عندما قال عن شاعرنا ان مصطفى وهبي التل عبقرية كبرى, ولكن حيل بينها وبين تفتحها لتؤدي رسالتها الكبرى في الحياة على الوجه الاكمل.
ظلت اشعار عرار المنشورة او المستورة ملهمة للناس متوقدة ملتهبة ترددها الاجيال باعتزاز لانها غنية بالمشاعر الوجدانية متدفقة بالروح الوطنية معبرة عن الواقع الاجتماعي في صياغة تراثية غنية بالحكمة اقترب فيها وبها من مواقع كبار المبدعين العالميين الذين تفاخر بهم اممهم والانسانية مثل بودلير وبوشكين ولوركا ورامبو وتشيكوف ومعظمهم رحل قبل الخمسين وهو في عز العطاء.
ولقد عاصر عرار الجيل الاول من اعلام الشعر العربي الحديث, في مقدمتهم شوقي ومطران وحافظ وابراهيم طوقان وفوزي المعلوف, وابو سلمى وغيرهم من عمالقة الشعر العربي.
واذا كان من حق مصر وسورية وفلسطين ولبنان المفاخرة بكبار شعرائها في هذا العصر, يحق للاردن ان يفاخر بعرار.
ولكن »عرار« لم يأخذ حقه في حياته, ولا بعد رحيله, ويحق له ان يردد قوله:
وانا الذي جحد الاحبة فضله
واعان اصدقهم على خذلانه
لم يكن عرار شاعرا فحسب, فكان السياسي الذي عاش هموم الاردن والوطن العربي, وتألم للجرح الفلسطيني, وكان الصحافي اللامع الملتزم الذي مارس المهنة باحتراف, حيث عمل مراسلا لصحيفة »الكرمل« لصاحبها المرحوم نجيب نصار, والتي كانت تصدر في مدينة حيفا وكتب ونشر فيها لاكثر من عقد من الزمن.
واذا كان عرار من خلال شعره, الذي كتب عنه الكثير في الاونة الاخيرة, قد استطاع ان يقدم الاردن جغرافيا واجتماعيا وسياسيا, فقد استطاع من خلال كتاباته ومقالاته وخطبه التي جمعت تدوين مرحلة مهمة من تاريخ الاردن والمنطقة العربية, في ايام صعبة وحرجة. وتبين كتابات عرار وشعره الى اي مدى تفاعل مع الاحداث التي عصفت بالوطن العربي, وتأثر بها, وعاش احزانها.
واذا كانت العادة ان تفرج الدول عن وثائقها السرية بعد 50 سنة وتضعها بين أيدي الباحثين, فمن حق عرار علينا ان نجمع وننشر كل كتاباته المهمة التي اطلقها في مراحل حياته ورحلته الابداعية, لتكون في متناول الباحثين والمؤرخين, خصوصا انها مادة غنية بالمادة التاريخية والمواقف السياسية, والاجتماعية والمعلومات الاقتصادية.
وما كتبه عرار من مقالات يلقي الاضواء على جوانب جديدة من معتقداته وحياته, ودوره في تلك المرحلة التي شهدت ولادة الحركة القومية.
ذلك يثبت مثلا, ان عرار كان سياسيا بارزا, وصحافيا قديرا, وشاعرا كبيرا. لم يكن يوما من الايام طائفيا او اقليميا, كما ادعى خصومه السياسيون. وله من شعره الذي نشر, وكتاباته المنشورة او المتداولة ما يثبت انه قومي عربي, لا طائفي.
ففي كتاب »عرار شاعر الاردن« للبدوي الملثم يقول عرار في احدى المناسبات: »اني عربي اتعلم لاجل استقلال العرب, واحيا واموت لا اغير عقيدتي, انا رهن اشارة قومي وإن اضاعوني«.
وفي يوم من الايام زارت فرقة كشافة من طولكرم مدينة اربد, وكان ذلك في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين. حلت الفرقة في المدرسة الثانوية باربد فوقف عرار فيهم خطيبا والقى كلمة قومية جمعت بين النثر والشعر ومن قوله:
اني ارى سبب الفناء وانما
سبب الفناء قطيعة الارحام
فدعوا مقال الفائلين جهالة
هذا عراقي وذاك شآمي
وتداركوا بأبي وامي انتم
ارحامكم برواجع الاحلام
فبلادكم بلدي وبعض مصابكم
همي وبعض همومكم الامي
وقال مخاطبا كشافة طولكرم:
يا جيران وادي الحوارث, لا يكرم المرء في داره وانكم لفي الصميم من دار ابائكم ومهجع اجدادكم, لا يكرم المرء في داره ولا يرحب برب البيت في بيته, ولهذا فانه يثقل على هذا اللسان ان يقول لكم: نزلتم اهلا ووطئتم سهلا, فذلك لأن الواحد والواحد اثنان. ولان الاثنين والاثنين أربعة. لان بلادكم بلادي ووطنكم وطني وداركم داري.. وبلاد العرب اوطاني.
اما في كتابات عرار التي نشرت في »الكرمل« في الثلاثينيات فيؤكد عرار على دعوته القومية, فهو ينتهز كل مناسبة وفرصة, ليكون داعية للوحدة العربية, بل اكثر من ذلك كتب عنه نجيب نصار صاحب الكرمل, داحضا كل المزاعم, ورافضا كل التهم, التي تشيع ان عرار اقليميا او طائفيا مؤكدا انه وطني قومي عربي حر, وبهذه العبارة قدمه لقراء الكرمل في اكثر المقالات المنشورة, ويظهر ذلك واضحا في المقال الذي كتبه نجيب نصار في »كرملة« يرد فيه على صحيفة الحياة التي حاولت ان تنال من سمعة عرار الوطنية والقومية.
وسبب اتهام عرار بالاقليمية, يعود الى هجوم عرار على بعض الموظفين العرب الذين قال عنهم »باعوا العروبة برواتبهم« وطالب بابعادهم, هنا استغل هؤلاء هذه الدعوة وحاولوا الصاق تهمة الاقليمية بشاعر الاردن وكذلك حاول بعضهم استغلال حب عرار لوطنه, والتغني به, والتفاني في حبه, كنقطة ضعف لتثبت عليه تهمة الاقليمية, دون ان يشيروا الى الوجه القومي عند عرار, وهذا يذكرني بقول الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف, الذي فاق حبه لداغستان, وتغنيه بشموخ جبالها وعذوبة مياهها, وعطر زهورها البرية, اي جانب اخر في شعره.
ولكن حمزاتوف قطع الطريق على من حاول اتهامه بالاقليمية بقوله: »عندما يحلق النسر في الاعالي من الصعب عليه ان يعرف اي جناحيه اعز عنده«.
وعرار, حلق بجناحيه, حب وطنه الاردن, وحب وطنه الاكبر, الوطن العربي, وعندما يحلق يكون من الصعب عليه ان يفرق بين وطنه الصغير ووطنه الكبير, ولكن عرار خرج عن صمته مرة, في احدى المناسبات القومية »تكريم شهداء الثامن من اذار« وقال ان الاردن جزء من الوطن العربي, جزء من الكل, والاساس هو الكل.
ويؤكد شعره, كما مقالاته وخصوصا تلك التي تضمنت اشارة الى وعد بلفور, وقضية فلسطين, ان الشاعر عرار كان يتمتع بوعي مبكر, وكان يرى الامور واضحة في بواكيرها منذ عام .1930
وهناك ناحية مهمة تجدر الاشارة اليها في كتابات عرار, وهي مادة تاريخية مهمة, ذلك عندما كتب عرار موضوعا صحافيا نشرته الكرمل حول عودة الشريف حسين بن علي من المنفى بعدما خارت قواه بسبب المرض الذي اصابه. وقد سجل عرار هذا الحدث لحظة بلحظة, وبلغ قمة احساسه القومي وهو يدون ذلك الحدث, مشيرا الى موقفه من تلك التطورات التي حالت دون تحقيق الاماني القومية للامة العربية, ويدين موقف الغرب الغادر بالقيادة العربية.
وعرار, مثل كل كاتب وشاعر وسياسي, بل مثل كل انسان, له ايجابياته وسلبياته, ففي كثير من الاوقات كان ضحية تقلبه المزاجي والانفعالي, فالمعروف عنه انه كان من بين مؤسسي حركة المعارضة في الاردن, وفي نفس الوقت ثار عرار على المعارضة, خصوصا في اوائل الثلاثينيات بعد عقد المؤتمر الوطني الاردني الثالث والرابع, وبمناسبة تشكيل وحل المجلس التشريعي ايضا. فقد حمل عرار على قيادة المعارضة بقساوة وشدة, على الرغم من ان بين تلك القيادة عدد من اصدقائه المقربين.
عرار يبرر موقفه هذا, باتهامه للمعارضة »التي سمحت لبعض الانتهازيين بالتسلل والتغلغل في صفوفها, ومحاولة جرها الى مواقف غير المواقف التي تخدم الاغراض الرئيسية والاساسية التي وجدت من اجلها«.
ولكن الذين احبوا عرار, وعرفوه جيدا لا يعادونه, رغم قساوته عليهم لانه يجرح ولا يدمي ولانه شاعر الاردن الموهوب الذي التزم بقضايا الناس السياسية والاجتماعية بحس وطني خالص, والتزام قومي ثابت.
بقلم محمد كعوش
عرار.. شاعر سبق عصره بوعيه المبكر
من يقرأ شعره يرى الاردن بعيني شاعر حقيقي
http://www.alarabalyawm.net/uploads/200908/11111111111_new3.jpg
طموح بحجم الامة وعبقرية حيل دون انطلاقتها لتأدية رسالتها
عاش بمزاج الشاعر وانحاز الى الحب والحرية والوطن والامة قبل (110 اعوام) ولد بالتحديد في 25 ايار من العام 1899 وقبل 60 عاما رحل في ليلة 25 ايار 1949 لقد اتسعت حياة الشاعر عرار (مصطفى وهبي التل) لخمسين عاما فحسب, عاشها شاعرا فنانا عظيما كان طموحه بحجم الامة فتمرد على المألوف ورفض القيود والضوابط الاجتماعية التي تحد من حريته الابداعية فاطلق العنان لمخيلته داخل اطار الوعي المبكر, لانه كان شاعرا رائيا يقف على ذروة الوعي السابق لعصره.
وفي ذكرى مرور 110 اعوام على ميلاده نستطيع القول الان ان الشاعر عرار ظل شاعر الاردن الاول بلا منازع, ولا يزال يتربع فوق القمة الابداعية المعجونة بهموم الاردنيين وآمالهم وتطلعاتهم..وعندما تقرأ شعره ترى الحياة الاردنية بعين شاعر حقيقي.
ورغم هذه المساحة الزمنية التي تفصلنا عن اطلالته على الحياة او موعد رحيله فما زال الغموض يلف جوانب عديدة من حياته بفصولها المثيرة في مراحل التكوين الوطني والقومي, كما لا يزال الكثير مما كتبه او قاله او نظمه طي النسيان في ذمة التاريخ.
فهو مثل كثير من الشعراء الذين لم يفهم الناس شعرهم او يولوه الاهتمام اللائق الا بعد رحيلهم.
عرار ابو وصفي لم يكن شاعرا تقليديا ولا انسانا عاديا مارس حياته برتابة ولم يلتزم لروتين الوظيفة ولم يستسلم لمتطلبات الحياة اليومية واحتياجاتها, فقد كان متمردا متفردا متصالحا مع ذاته, اختبر تجربة حياتية ابداعية متميزة غير مسبوقة رغم قصرها وصعوبتها وهمومها وتحدياتها على الصعيدين الخاص والعام.
عاش شاعر الاردن حياته كومضة برق سبقت رعودها, فشكل حالة تقترب من حالات ابداعية عالمية مماثلة فيها الكثير من المعاناة وقد صدق القول الدكتور صبحي ابو غنيمة عندما قال عن شاعرنا ان مصطفى وهبي التل عبقرية كبرى, ولكن حيل بينها وبين تفتحها لتؤدي رسالتها الكبرى في الحياة على الوجه الاكمل.
ظلت اشعار عرار المنشورة او المستورة ملهمة للناس متوقدة ملتهبة ترددها الاجيال باعتزاز لانها غنية بالمشاعر الوجدانية متدفقة بالروح الوطنية معبرة عن الواقع الاجتماعي في صياغة تراثية غنية بالحكمة اقترب فيها وبها من مواقع كبار المبدعين العالميين الذين تفاخر بهم اممهم والانسانية مثل بودلير وبوشكين ولوركا ورامبو وتشيكوف ومعظمهم رحل قبل الخمسين وهو في عز العطاء.
ولقد عاصر عرار الجيل الاول من اعلام الشعر العربي الحديث, في مقدمتهم شوقي ومطران وحافظ وابراهيم طوقان وفوزي المعلوف, وابو سلمى وغيرهم من عمالقة الشعر العربي.
واذا كان من حق مصر وسورية وفلسطين ولبنان المفاخرة بكبار شعرائها في هذا العصر, يحق للاردن ان يفاخر بعرار.
ولكن »عرار« لم يأخذ حقه في حياته, ولا بعد رحيله, ويحق له ان يردد قوله:
وانا الذي جحد الاحبة فضله
واعان اصدقهم على خذلانه
لم يكن عرار شاعرا فحسب, فكان السياسي الذي عاش هموم الاردن والوطن العربي, وتألم للجرح الفلسطيني, وكان الصحافي اللامع الملتزم الذي مارس المهنة باحتراف, حيث عمل مراسلا لصحيفة »الكرمل« لصاحبها المرحوم نجيب نصار, والتي كانت تصدر في مدينة حيفا وكتب ونشر فيها لاكثر من عقد من الزمن.
واذا كان عرار من خلال شعره, الذي كتب عنه الكثير في الاونة الاخيرة, قد استطاع ان يقدم الاردن جغرافيا واجتماعيا وسياسيا, فقد استطاع من خلال كتاباته ومقالاته وخطبه التي جمعت تدوين مرحلة مهمة من تاريخ الاردن والمنطقة العربية, في ايام صعبة وحرجة. وتبين كتابات عرار وشعره الى اي مدى تفاعل مع الاحداث التي عصفت بالوطن العربي, وتأثر بها, وعاش احزانها.
واذا كانت العادة ان تفرج الدول عن وثائقها السرية بعد 50 سنة وتضعها بين أيدي الباحثين, فمن حق عرار علينا ان نجمع وننشر كل كتاباته المهمة التي اطلقها في مراحل حياته ورحلته الابداعية, لتكون في متناول الباحثين والمؤرخين, خصوصا انها مادة غنية بالمادة التاريخية والمواقف السياسية, والاجتماعية والمعلومات الاقتصادية.
وما كتبه عرار من مقالات يلقي الاضواء على جوانب جديدة من معتقداته وحياته, ودوره في تلك المرحلة التي شهدت ولادة الحركة القومية.
ذلك يثبت مثلا, ان عرار كان سياسيا بارزا, وصحافيا قديرا, وشاعرا كبيرا. لم يكن يوما من الايام طائفيا او اقليميا, كما ادعى خصومه السياسيون. وله من شعره الذي نشر, وكتاباته المنشورة او المتداولة ما يثبت انه قومي عربي, لا طائفي.
ففي كتاب »عرار شاعر الاردن« للبدوي الملثم يقول عرار في احدى المناسبات: »اني عربي اتعلم لاجل استقلال العرب, واحيا واموت لا اغير عقيدتي, انا رهن اشارة قومي وإن اضاعوني«.
وفي يوم من الايام زارت فرقة كشافة من طولكرم مدينة اربد, وكان ذلك في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين. حلت الفرقة في المدرسة الثانوية باربد فوقف عرار فيهم خطيبا والقى كلمة قومية جمعت بين النثر والشعر ومن قوله:
اني ارى سبب الفناء وانما
سبب الفناء قطيعة الارحام
فدعوا مقال الفائلين جهالة
هذا عراقي وذاك شآمي
وتداركوا بأبي وامي انتم
ارحامكم برواجع الاحلام
فبلادكم بلدي وبعض مصابكم
همي وبعض همومكم الامي
وقال مخاطبا كشافة طولكرم:
يا جيران وادي الحوارث, لا يكرم المرء في داره وانكم لفي الصميم من دار ابائكم ومهجع اجدادكم, لا يكرم المرء في داره ولا يرحب برب البيت في بيته, ولهذا فانه يثقل على هذا اللسان ان يقول لكم: نزلتم اهلا ووطئتم سهلا, فذلك لأن الواحد والواحد اثنان. ولان الاثنين والاثنين أربعة. لان بلادكم بلادي ووطنكم وطني وداركم داري.. وبلاد العرب اوطاني.
اما في كتابات عرار التي نشرت في »الكرمل« في الثلاثينيات فيؤكد عرار على دعوته القومية, فهو ينتهز كل مناسبة وفرصة, ليكون داعية للوحدة العربية, بل اكثر من ذلك كتب عنه نجيب نصار صاحب الكرمل, داحضا كل المزاعم, ورافضا كل التهم, التي تشيع ان عرار اقليميا او طائفيا مؤكدا انه وطني قومي عربي حر, وبهذه العبارة قدمه لقراء الكرمل في اكثر المقالات المنشورة, ويظهر ذلك واضحا في المقال الذي كتبه نجيب نصار في »كرملة« يرد فيه على صحيفة الحياة التي حاولت ان تنال من سمعة عرار الوطنية والقومية.
وسبب اتهام عرار بالاقليمية, يعود الى هجوم عرار على بعض الموظفين العرب الذين قال عنهم »باعوا العروبة برواتبهم« وطالب بابعادهم, هنا استغل هؤلاء هذه الدعوة وحاولوا الصاق تهمة الاقليمية بشاعر الاردن وكذلك حاول بعضهم استغلال حب عرار لوطنه, والتغني به, والتفاني في حبه, كنقطة ضعف لتثبت عليه تهمة الاقليمية, دون ان يشيروا الى الوجه القومي عند عرار, وهذا يذكرني بقول الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف, الذي فاق حبه لداغستان, وتغنيه بشموخ جبالها وعذوبة مياهها, وعطر زهورها البرية, اي جانب اخر في شعره.
ولكن حمزاتوف قطع الطريق على من حاول اتهامه بالاقليمية بقوله: »عندما يحلق النسر في الاعالي من الصعب عليه ان يعرف اي جناحيه اعز عنده«.
وعرار, حلق بجناحيه, حب وطنه الاردن, وحب وطنه الاكبر, الوطن العربي, وعندما يحلق يكون من الصعب عليه ان يفرق بين وطنه الصغير ووطنه الكبير, ولكن عرار خرج عن صمته مرة, في احدى المناسبات القومية »تكريم شهداء الثامن من اذار« وقال ان الاردن جزء من الوطن العربي, جزء من الكل, والاساس هو الكل.
ويؤكد شعره, كما مقالاته وخصوصا تلك التي تضمنت اشارة الى وعد بلفور, وقضية فلسطين, ان الشاعر عرار كان يتمتع بوعي مبكر, وكان يرى الامور واضحة في بواكيرها منذ عام .1930
وهناك ناحية مهمة تجدر الاشارة اليها في كتابات عرار, وهي مادة تاريخية مهمة, ذلك عندما كتب عرار موضوعا صحافيا نشرته الكرمل حول عودة الشريف حسين بن علي من المنفى بعدما خارت قواه بسبب المرض الذي اصابه. وقد سجل عرار هذا الحدث لحظة بلحظة, وبلغ قمة احساسه القومي وهو يدون ذلك الحدث, مشيرا الى موقفه من تلك التطورات التي حالت دون تحقيق الاماني القومية للامة العربية, ويدين موقف الغرب الغادر بالقيادة العربية.
وعرار, مثل كل كاتب وشاعر وسياسي, بل مثل كل انسان, له ايجابياته وسلبياته, ففي كثير من الاوقات كان ضحية تقلبه المزاجي والانفعالي, فالمعروف عنه انه كان من بين مؤسسي حركة المعارضة في الاردن, وفي نفس الوقت ثار عرار على المعارضة, خصوصا في اوائل الثلاثينيات بعد عقد المؤتمر الوطني الاردني الثالث والرابع, وبمناسبة تشكيل وحل المجلس التشريعي ايضا. فقد حمل عرار على قيادة المعارضة بقساوة وشدة, على الرغم من ان بين تلك القيادة عدد من اصدقائه المقربين.
عرار يبرر موقفه هذا, باتهامه للمعارضة »التي سمحت لبعض الانتهازيين بالتسلل والتغلغل في صفوفها, ومحاولة جرها الى مواقف غير المواقف التي تخدم الاغراض الرئيسية والاساسية التي وجدت من اجلها«.
ولكن الذين احبوا عرار, وعرفوه جيدا لا يعادونه, رغم قساوته عليهم لانه يجرح ولا يدمي ولانه شاعر الاردن الموهوب الذي التزم بقضايا الناس السياسية والاجتماعية بحس وطني خالص, والتزام قومي ثابت.
بقلم محمد كعوش