فقه الرؤيا
رؤيا يوسف
رؤيا يوسف وقوله تعالى
إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد
عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك
فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل
الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق
إن ربك عليم حكيم
وقوله تعالى
يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها
ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان
بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم رب قد آتيتني من الملك
وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني
مسلما وألحقني بالصالحين
قال أبو عبد الله فاطر والبديع والمبدع والبارئ والخالق واحد
من البدو بادية .
رؤيا إبراهيم عليه السلام
رؤيا إبراهيم عليه السلام وقوله تعالى
فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى
في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من
الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك
نجزي المحسنين
قال مجاهد أسلما سلما ما أمرا به وتله وضع وجهه بالأرض.
قوله ( باب رؤيا إبراهيم عليه
السلام ) كذا لأبي ذر وسقط لفظ باب لغيره .
قوله ( وقوله عز وجل فلما بلغ معه السعي - إلى قوله -
نجزي المحسنين ) كذا لأبي ذر وسقط للنسفي وساق في رواية كريمة الآيات كلها .
قيل كان إبراهيم نذر إن رزقه الله من سارة ولدا أن
يذبحه قربانا فرأى في المنام أن أوف بنذرك أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي قال فقال
إبراهيم لإسحاق انطلق بنا نقرب قربانا وأخذ حبلا وسكينا ثم انطلق به حتى إذا كان
بين الجبال قال يا أبت أين قربانك ؟ قال أنت يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك
الآيات , فقال اشدد رباطي حتى لا أضطرب , واكفف ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي
فتراه سارة فتحزن , وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون علي ففعل ذلك إبراهيم وهو
يبكي وأمر السكين على حلقه فلم تحز وضرب الله على حلقه صفيحة من نحاس فكبه على
جبينه وحز في قفاه , فذاك قوله
فلما أسلما وتله للجبين
وناديناه أن يا إبراهيم
قد صدقت الرؤيا
فالتفت فإذا هو بكبش فأخذه وحل عن ابنه , هكذا ذكره السدي
ولعله أخذه عن بعض أهل الكتاب.
فقد أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح أيضا عن الزهري عن
القاسم قال اجتمع أبو هريرة وكعب فحدث أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن
لكل نبي دعوة مستجابة
, فقال كعب : أفلا أخبرك عن إبراهيم ؟ لما رأى أنه يذبح ابنه
إسحاق قال الشيطان إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبدا , فذهب إلى سارة فقال
أين ذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت في حاجته , قال كلا إنه ذهب به ليذبحه يزعم أن ربه
أمره بذلك فقالت أخشى أن لا يطيع ربه , فجاء إلى إسحاق فأجابه بنحوه فواجه إبراهيم
فلم يلتفت إليه فأيس أن يطيعوه . وساق نحوه من طريق سعيد عن قتادة وزاد أنه سد على
إبراهيم الطريق إلى المنحر , فأمره جبريل أن يرميه بسبع حصيات عند كل جمرة , وكأن
قتادة أخذ أوله عن بعض أهل الكتاب وآخره مما جاء عن ابن عباس وهو عند أحمد من طريق
أبي الطفيل عنه قال إن إبراهيم لما رأى المناسك عرض له إبليس عند المسعى فسبقه
إبراهيم فذهب به جبريل إلى العقبة فعرض له إبليس فرماه بسبع حصيات حتى ذهب وكان على
إسماعيل قميص أبيض , وثم تله للجبين فقال يا أبت إنه ليس لي قميص تكفنني فيه غيره
فاخلعه , فنودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا , فالتفت فإذا هو بكبش أبيض
أقرن أعين فذبحه . وأخرج ابن إسحاق في " المبتدأ " عن ابن عباس نحوه وزاد فوالذي
نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة .
وأخرجه أحمد أيضا عن عثمان بن أبي طلحة قال
أمرني رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فواريت قرني الكبش حين دخل البيت
.
وهذه الآثار من أقوى الحجج لمن قال إن الذبيح إسماعيل ,
وقد نقل ابن أبي حاتم وغيره عن العباس وابن مسعود وعن علي وابن عباس في إحدى
الروايتين عنهما وعن الأحنف عن ابن ميسرة وزيد بن أسلم ومسروق وسعيد بن جبير في
إحدى الروايتين عنه وعطاء والشعبي وكعب الأحبار أن الذبيح إسحاق , وعن ابن عباس في
أشهر الروايتين عنه وعن علي في إحدى الروايتين وعن أبي هريرة ومعاوية وابن عمر وأبي
الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والشعبي في إحدى الروايتين عنهما ومجاهد
والحسن ومحمد بن كعب وأبي جعفر الباقر وأبي صالح والربيع بن أنس وأبي عمرو بن
العلاء وعمر بن عبد العزيز وابن إسحاق أن الذبيح إسماعيل , , ويؤيده ما تقدم وحديث
" أنا ابن الذبيحين " رويناه في " الخلعيات " من حديث معاوية , ونقله عبد الله بن
أحمد عن أبيه وابن أبي حاتم عن أبيه وأطنب ابن القيم في الهدي في الاستدلال لتقويته
وقرأت بخط الشيخ تقي الدين السبكي أنه استنبط من القرآن دليلا وهو قوله في الصافات
( وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين - إلى قوله - إني أرى في المنام أني أذبحك ) وقوله
في هود ( وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق - إلى قوله - وهذا بعلي شيخا ) قال
ووجه الأخذ منهما أن سياقهما يدل على أنهما قصتان مختلفتان في وقتين الأولى عن طلب
من إبراهيم وهو لما هاجر من بلاد قومه في ابتداء أمره فسأل من ربه الولد
فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي
قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك
والقصة
الثانية بعد ذلك بدهر طويل لما شاخ واستبعد من مثله أن يجيء له الولد وجاءته
الملائكة عندما أمروا بإهلاك قوم لوط فبشروه بإسحاق , فتعين أن يكون الأول إسماعيل
ويؤيده أن في التوراة أن إسماعيل بكره وأنه ولد قبل إسحاق .
قلت : وهو استدلال جيد وقد كنت أستحسنه وأحتج به إلى أن مر بي قوله في سورة إبراهيم
الحمد لله الذي وهب لي على الكبر
إسماعيل وإسحاق
فإنه يعكر على قوله إنه رزق إسماعيل في ابتداء أمره وقوته
لأن هاجر والدة إسماعيل صارت لسارة من قبل الجبار الذي وهبها لها وإنها وهبتها
لإبراهيم لما يئست من الولد فولدت هاجر إسماعيل فغارت سارة منها كما تقدمت الإشارة
إليه في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وولدت بعد ذلك إسحاق واستمرت غيرة سارة
إلى أن كان من إخراجها وولدها إلى مكة ما كان وقد ذكره ابن إسحاق في " المبتدأ "
مفصلا , وأخرجه الطبري في تاريخه من طريقه , وأخرج الطبري من طريق السدي قال انطلق
إبراهيم من بلاد قومه قبل الشام فلقي سارة وهي بنت ملك حران فآمنت به فتزوجها ,
فلما قدم مصر وهبها الجبار هاجر ووهبتها له سارة وكانت سارة منعت الولد وكان
إبراهيم قد دعا الله أن يهب له ولدا من الصالحين فأخرت الدعوة حتى كبر فلما علمت
سارة أن إبراهيم وقع على هاجر حزنت على ما فاتها من الولد . ثم ذكر قصة مجيء
الملائكة بسبب إهلاك قوم لوط وتبشيرهم إبراهيم بإسحاق فلذلك قال إبراهيم
الحمد لله الذي وهب لي على الكبر
إسماعيل وإسحاق
ويقال لم يكن بينهما إلا ثلاث سنين وقيل كان بينهما أربع
عشرة سنة , وما تقدم من كون قصة الذبيح كانت بمكة حجة قوية في أن الذبيح إسماعيل
لأن سارة وإسحاق لم يكونا بمكة والله أعلم .
قوله ( وقال مجاهد : أسلما سلما ما أمرا به وتله : وضع
وجهه بالأرض ) قال الفريابي في تفسيره : حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في
قوله تعالى ( فلما أسلما ) قال سلما ما أمرا به وفي قوله ( وتله للجبين ) قال وضع
وجهه بالأرض قال لا تذبحني وأنت تنظر في وجهي لئلا ترحمني , فوضع جبهته في الأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي قال ( فلما أسلما ) أي سلما لله الأمر , ومن طريق
أبي صالح قال اتفقا على أمر واحد , ومن طريق قتادة سلم إبراهيم لأمر الله وسلم
إسحاق لأمر إبراهيم , وفي لفظ : أما هذا فأسلم نفسه لله وأما هذا فأسلم ابنه لله
ومن طريق أبي عمران الجوني تله للجبين كبه لوجهه .
تنبيه : هذه الترجمة والتي قبلها ليس في واحد منهما
حديث مسند , بل اكتفى فيهما بالقرآن ولهما نظائر .
وقول الكرماني إنه كان في كل منهما بياض ليلحق به حديث
يناسبه محتمل مع بعده . |